تعامل معنا النظام السابق على مدار سنوات طويلة بنظرية "بُص العصفورة" الشهيرة، التي تهدف لإلهاء المواطنين بحدث طارق يحدث "فرقيعة" لتمرير شيء أكثر خطورة (عادة ما يكون إقرار قانون استبدادي)، وبحكم العادة توقع المصريون وخاصة قوى المعارضة أن تتعامل معنا جماعة الإخوان المسلمين بنفس الخدعة بعد توليها الحكم، ولكن هذا ليس حقيقي. "بُص العصفور" نظرة أكثر تخطيطا ودهاءً مما يقدر عليه الإخوان، فالمصائب معهم تأتي بمحض العادة ودون قصد، بدأت الشكوك من شهر نوفمبر الماضي مع واقعة الإعلان الدستوري الشهيرة، ووقتها قال الكثيرون أن الإعلان الدستوري ما هو إلا وسيلة قوية لقلب الرأي العام من أجل الإسراع من مناقشة مواد الدستور وطرحه للاستفتاء في فترة قصيرة، والحقيقة أن سواء الإعلان أو الدستور، كلاهما حمل ضرائر لمصر لا تحصى، لم نشفَ من آثارها حتى الآن. حتى فى التعديل الوزاري الأخير، رأى الكثيرون أن تعيين حاتم بجاتو (الفلول) وزيرا للمجالس النيابية جاء لجذب الانتباه وإثارة البلبلة حتى لا نلتفت لأن بقية الوزراء الذي شملهم نفسهم التعديل من جماعة الإخوان وكأنهم باسم بيجاتو "لهونا" عن القضية وفي الحقيقة أننا لم نخدع ولاحظنا الكارثة من جانبيها وصرخت جميع وجوه المعارضة والإعلام فى وجه هذا التعديل ولم تفلح الصرخة. وعندما وقع حادث اختطاف السبعة جنود رأى البعض أنها وسيلة لانصرافنا عن مناقشة مشروع إقليم قناة السويس الذي سيسمح بتأجير أراضي محور القناة للفرنجة، لا لا بل هي لإلهائنا عن مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية... الآن عاد الجنود، لنعود لمناقشة القوانين مرة أخرى، ما هذا؟ مين طفا النور؟ احذروا من مخطط الإخوان، هم يستغلون انقطاع واحدة من الخدمات الأساسية في حياة المواطنين لشل تفكيرنا عن القضية الأساسية.. يا سيدي وما هي القضية الأساسية التي ستكون أخطر من انقطاع التيار الكهربائي فى القرن الواحد والعشرين لعدم توافر المازوت أو لأي سبب أيا كان؟! منذ أيام عاد التيار الكهربائي لطبيعته مع وجود أزمة مجددة فى الوقود تشهدها المحطات يوميا، ولكن ليس هذا بالأمر الهام الآن، فلنبحث تداعيات إنشاء سد النهضة بأثيوبيا، لا احذروا هذا أمر تافه وليس أوان الحديث عنه الآن، فلنعود إلى كارثة تمرير القانون الذي سيسمح لرجال الجيش والشرطة بالتصويت فى الانتخابات، لتضرب أنت كف بكف أيهم هو الموضوع الأصلي وأيهم هو (العصفورة)، في نظرة سريعة على المشهد في مصر –سياسي أو اقتصادي او اجتماعي- ستجد أن المصائب والقرارات الخاطئة تحيط بك من جميع الاتجاهات لدرجة تصعّب عليك مهمة حتى التفنيد أيهم أكثر كارثية من الآخر! في العهد السابق كانت الخدعة معروفة، حادثة طائفية مشتعلة فى إحدى القرى أو المدن بين عائلة مسلمة وأخرى قبطية تلهي الجميع عن قانون ديكتاتوري يرسخ لسلطة الأب وابنه، نادرا ما كان يستخدم طريقة أخرى، بينما الآن –ما شاء الله- ليس هناك أكثر من الكوارث التي تستحق الالتفات إليها ويصر البعض على تصنيف بعضها بالحقيقي والمغشوش، حتى أنني لن أندهش إن خرج أحد ليقول أن مظاهرات تركيا ضد أردوغان ما هي إلا مجرد خدعة صنعها مرسي والجماعة لإلهاء الشعب عن التفكير في مليونية 30 يونيو!