أوضحت فى الأجزاء السابقة أنه منذ بداية دخولى للجمعية التأسيسية وأنا أتلقى الكثير من اللوم والمزايدات, بعضها لوم من شخصيات وطنية ترى أنه لم يكن من الصواب من أن أشارك فى هذه التأسيسية التى يغيب فيها التوازن , وبعضها مزايدات من محترفى المزايدات. ورغم هذا دافعت عن موقفى والذى أيدنى فيه أيضا العديد من الشخصيات الوطنية بأنه إن كان هناك فرصة للتوافق وإصدار دستور جيد فيجب أن نساهم ويجب أن نعبر عن مطالب الثورة ونحقق أهدافها فى الدستور, وأنه لا يهم التشكيل ولكن الأهم هو المنتج النهائى ومسودة الدستور التى سيتم الاستفتاء عليها. ودافعت عن الجمعية التأسيسية فى سبيل التوافق وأنه هناك أمل لإصدار دستور جيد, وفى بداية عمل الجمعية التأسيسية بالفعل كان الجميع يعمل بكل الجهد والتفانى والمودة, وحتى عندما بدأ الاختلاف حول المسوده كانت هناك محاولات عديدة للتوافق, واستمرت المحاولات العديدة لتضييق الفجوة من العديد من الشخصيات داخل الجمعية , ولكن فى الفتره الأخيرة وبعد إقرار جدول المناقشات الخاص بالمسودة الأخيره تم ملاحظة أن الجدول مضغوط بحيث لا يسمح بنقاش حقيقى وجاد حول المسوده النهائية , وأن التصويت بين المسودة المبدئية المعيوبة وبين مواد أكثر عيبا وتم تجاهل كل مقترحات القوى المدنية وكذلك كل المقترحات التى وردت للجمعية التأسيسية كل تلك الفتره, بالإضافه لعدم وجود نظام داخل الجلسات العامة وعدم اعتماد نظام التصويت الذى نصت عليه اللائحة بتصويت الأعضاء الأساسيين فقط وليس الاحتياطيين. ومن هنا كان لابد من الموقف الموحد للانسحاب ضمن كل ممثلى القوى المدنية بعد أن استنفذنا كل المجهودات لإحداث التوافق ولإصدار دستور يليق بمصر , فإما دستور توافقى حقيقى يليق بمصر بعد الثورة وإما أن نتبرأ من هذا الدستور المعيوب الذى به مواد تعطى صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية وبه مواد تتجاهل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومواد تعطى دورا أكبر للمؤسسة العسكرية . لم ندخر جهدا للعمل فى الجمعية التأسيسية من أجل مصر, ولم نهتم بالتشكيل والخلاف حوله وكان الأهم هو المنتج النهائى ولا مشكلة فى التشكيل إن كان هناك توافقا حقيقيا ودستورا جيدا يعبر عن جميع المصريين ويعبر عن مصر الثورة وتحملنا الكثير من اللوم أو المزايدات ولسنا مخربين أو معطلين لعمل الجمعية التأسيسية كما يشيع التيار الإسلامى حاليا, وقد قدم التيار المدنى العديد والعديد من التنازلات من أجل التوافق, وبما أن فرص التوافق أصبحت شبه معدومه لذلك وجب الانسحاب. لا يوجد أحد عنده مشكلة مع الشريعة ولكن المشكلة فيمن سيطبق الشريعة وبأى تفسير , وهل يمكن استغلال المواد التى تتحدث عن دور المجتمع فى حماية القيم فى أن نرى جماعات ترفع السلاح فى الشارع على من يرونه من وجهة نظرهم يخالف الشريعة كما رأينا جميعا ما حدث فى السويس من مقتل شاب بدعوى تطبيق شرع الله عليه لأنه يوصل خطيبته فى ساعة متأخره. وليست تلك المواد هى الاساس , فالمشكلة ليست شريعة أم لا شريعة , أو ليست بين مسلمين وكفار كما يحب أن يصور بعض المنتمين للتيار الإسلامى , بل توجد مواد كثيره خلافية تتعلق بسلطات رئيس الجمهورية ومواد تتعلق بالعدالة الاجتماعية ومواد تتعلق بمالمساواه وأخرى تتعلق بوضع المؤسسة العسكرية فى الدستور. إن كنا نسعى فعلا للانتهاء من الدستور الجديد فيجب إخلاص النوايا فعلا وليس قولا , فكل يريد وضع أفكاره وأيدلوجيته فى الدستور وتناسى الجميع أن مصر للجميع ولن يقبل أن يتم فرض شكل حياة معينة على المصريين. وكما ارتضينا الدخول فى الجمعية التأسيسية من أجل التوافق فيجب أن يكون هناك توافقا حقيقيا وأن يكون الدستور مجردا بدون لون أو أيدلوجيا ويكون فى العموم وليس التفاصيل. وللأسف إن لم يراجع التيار الإسلامى نفسه سريعا وإن استمر فى كتابة هذا الدستور المعيب, فسوف تترتب نتائج كثيرة على هذا , ومصر فى أمس الحاجه للانتهاء من الدستور , ومبدأ نحن الأغلبية وموتوا بغيظكم لم يعد يجدى ولن يؤدى لدستور واستقرار فى مصر. Comment *