الخبر الذي نشرته الصحف ووسائل الإعلام المختلفة الأربعاء الماضي عن منح الرئيس محمد مرسي قلادة النيل؛ الوسام الأعلى مرتبة في الأوسمة الرسمية المصرية، منح القلادة لاسمي أنور السادات والفريق سعد الدين الشاذلي. وكانت القلادة في الأصل من نصيب السادات، إلا أن إثنين من مستشاري الرئاسة رأوا في ذلك ما يثير قطاعات لا يستهان بها من الرأي العام، واستطاعوا تمرير اسم الفريق الشاذلي؛ الشخصية الوطنية والعسكرية المشهود لها، وذات الشعبية الواسعة بين الناس؛ وكانت محاولة منهما لإحداث توازن في ظروف تشخصنت فيها حرب 1973 وأصبحت قسمة بين 'بطل الحرب والسلام'، 'صاحب الضربة الجوية'، على حساب الأبطال الحقيقيين وصناع النصر. اختيار السادات كشف توجهات وانحيازات الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة. وجاء مبرر منح القلادة لدور كل من السادات والشاذلي في حرب اكتوبر 1973، مع ما فيه من تناقض واختلاف، قبل الحرب وأثناءها وبعدها، والمعروف أن العبرة ليست بإعلان الحرب إنما العبرة بالنتيجة التي حققتها. ثمار نصر أكتوبر مُنحت عربونا للهيمنة الأمريكية، وهدية للتوسع الصهيوني. وبها حصد العدو نتائج لم يكن يحلم بها، وحقق ما فشل في فرضه بهزيمة 1967، وقرار الرئيس مرسي لن يوازن بين التفريط والإلتزام، وبين رئيس أذعن لعدو بلده، وبين قائد اختار الموقف النقيض..استقال من منصبه كسفير لمصر في البرتغال احتجاجا على تصرفات السادات في زيارته للقدس المحتلة وتوقيعه معاهدة 'كامب ديفيد'. واتهم الفريق الشاذلي السادات في مذكراته التي دونها أثناء لجوئه في الجزائر؛ اتهمه بعدم سلامة قراراته السياسية والعسكرية، وحمله مسؤولية 'الثغرة'، وتضليل الشعب بإخفاء حقيقتها عنه، وتدمير حائط الصواريخ، وحصار الجيش الثالث لأكثر من ثلاثة أشهر، وتحكم الجيش الصهيوني في إمداداته وخطوط مواصلاته، واتهمه بالتفريط بسحب أغلب القوات المحاربة من سيناء إلى غرب القناة، وقدم بلاغا للنائب العام بهذا المعنى. وبسبب نشر المذكرات حوكم الشاذلي غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وبعد شهر من تولي مبارك الحكم، وفي 15 نوفمبر 1981 تم تقديمه مع عدد آخر من المتهمين لمحكمة هزلية أطلق عليها 'محكمة القيم'، تطبيقا ل'قانون العيب'، وكان هو بطبيعة الحال المتهم الأول في قضية عرفت ب'قضية الجبهة الوطنية' مع ثمانية عشر آخرين؛ من بينهم حكمت أبوزيد وعبد المجيد فريد ومحمود أمين العالم وأحمد عباس صالح وميشيل كامل وكاتب هذه السطور، ووضعت أملاكه تحت الحراسة. حين عاد إلى مصر أعاد حسني مبارك محاكمته أمام محكمة عسكرية، حكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، رفض خلالها كتابة 'مرحمة' أو تقديم طلب للعفو عنه، وأمضى المدة كاملة في سجنه!. وما قام به الرئيس مرسي إهانة لتاريخ الفريق الشاذلي، وتشويه لوعي المواطنين، فكيف يتساوى من فرط مع من دفع ثمن مقاومته لذلك التفريط؛ نفيا وتشريدا وسجنا، وتعرضه لأكثر من محاولة اغتيال. يبدو أن الرئيس مرسي أراد أن يقول أنه باق على العهد وعلى وفائه للسادات، ومع دوام علاقة الإذعان مع الدولة الصهيونية. لكن المشكلة تبدو في مدى قبول الدولة الصهيونية لتوازن من هذا النوع فالسادات حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع مناحم بيغن، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، وأما الشاذلي لم يعرف عنه أن وضع يده في يد صهيوني قط، ولو كان حيا ما قبل اقتران اسمه باسم السادات. والمنطق الوطني يقول بمحاكمة السادات بتهمة الاتصال بالعدو في زمن الحرب، وهو عمل يرقى إلى درجة الخيانة. والفريق الشاذلي الذي وضعه الرئيس مرسي في مستوى واحد مع السادات هو نفسه الذي طعن في أهلية رئيسه في بلاغ قدمه للنائب العام ضد قراراته وتعليماته، وبنى طعنه على: 1 نجاح العدو في اختراق مواقعنا في منطقة الدفرسوار ليلة 15/ 16 اكتوبر 1973 في حين أنه كان من الممكن ألا يحدث هذا الاختراق إطلاقا. 2 فشل قواتنا في تدمير قوات العدو التي اخترقت مواقعنا في الدفرسوار، في حين أن تدمير هذه القوات كان في قدرة قواتنا، وكان تحقيق ذلك ممكنا لو لم يفرض السادات على القادة العسكريين قراراته الخاطئة. 3 نجاح العدو في حصار الجيش الثالث يوم 23 اكتوبر 1973 في حين أنه كان من الممكن تلافي وقوع هذه الكارثة. وقال السادات في كتاب 'البحث عن الذات' أن الشاذلي عاد في 19 اكتوبر من الجبهة منهارا، وأوصى بسحب جميع القوات من شرق القناة، ورد الفريق عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات أثناء الحرب في مذكراته بقوله: 'لقد عاصرت الفريق الشاذلي خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة، وكان بين القوات في سيناء في بعض هذه الزيارات، وأقرر أنه عندما عاد من الجبهة يوم 20 اكتوبر لم يكن منهارا، كما وصفه الرئيس السادات في مذكراته (البحث عن الذات ص 348)، ولا أقول هذا دفاعا عن الفريق الشاذلي لهدف أو مصلحة، ولا مضادا للرئيس السادات لهدف أو مصلحة، لكنها الحقيقة أقولها للتاريخ'؛ ذلك رد المشير الجمسي على أكذوبة من بين عشرات الأكاذيب التي روجها السادات عن الشاذلي!!. كان الأولى بالرئيس مرسي أن يرد الاعتبار لحربي الاستنزاف وأكتوبر وقادتهما العظام؛ الفريق أول محمد فوزي، والفريق أول عبد المنعم رياض، والفريق سعد الدين الشاذلي، والمشير محمد عبد الغني الجمسي، والمشير أحمد بدوي، والفريق عبد المنعم واصل، والفريق محمد علي فهمي، والعقيد ابراهيم الرفاعي، وعبد العاطي صائد الدبابات، وأول جندي رفع العلم على خط بارليف الحصين. أما تكريم شخصيات محل جدل وتحظى على تقدير عدو بلدها أكثر من تقدير شعبها. أليس هذا تواطؤا وتخبطا من الحكام الجدد بعد ثورة 25 يناير؟! ورد الاعتبار لقادة مصر العظام لا يتحقق دون فتح الملفات المغلقة، خاصة ملفي السادات ومبارك، وكشف أسرار تحويل المكاسب العسكرية إلى هزائم سياسية!!، ونشر الأكاذيب و'الإسرائيليات'، للتغطية على التصفيات المعنوية والجسدية لقادة عسكريين كبار. وعلى سبيل المثال لا الحصر ملف مصرع الفريق الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري 'البطل الحقيقي لانقلاب 15 مايو 1971 الذي اعتقل خصوم السادات ليستقر به الحكم ويستتب له الأمور وكأنها مذبحة القلعة' على حد وصف مصطفى الفقي في مقال له (9/ 10/ 2008)؛ ذكر أن أرمل الفريق ناصف أشارت إلى وجود مؤامرة أودت بحياة زوجها، وذكر على لسانها 'رددت كثيرا أنه تم الخلاص منه بسبب اعتزازه الشديد بالرئيس عبد الناصر حتى أنه أطلق اسم هدى ومنى على ابنتيه تيمنا بابنتي الرئيس الراحل'. وملف آخر أكثر غموضا هو ملف التخلص من قادة الجيوش والأسلحة مجتمعين، وعلى رأسهم المشير أحمد بدوي، وتشير مصادر إلى أن العلاقة التي ربطت مبارك بالسادات كان لها ضحاياها ممن رفضوا التربح واستغلال صفقات السلاح والحصول على العمولات، وذكر محمد شعبان في تحقيقه له نشرته 'مجلة الشباب' التي تصدر عن مؤسسة الأهرام في سبتمبر 2011؛ ذكر أن سقوط طائرة المشير أحمد بدوي ورفاقه كانت آخر مشهد في حياة أحد أبطال أكتوبر الحقيقيين. وبدوي شارك في حرب فلسطين عام 1948 ثم في مقاومة العدوان الثلاثي وحرب اليمن، وقاد الفرقة السابعة مشاة التي عبرت القناة 1973، وأوكلت إليه قيادة الجيش الثالث الميداني، وعين عام 1980 قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع، لكن المشكلة أن حسني مبارك لم يكن راضيا عن تعيينه. وسقوط طائرته يكاد يكون الحادث الأغرب في التاريخ، فبينما استشهد كل القادة العسكريين الكبار، بما فيهم المشير بدوي، نجا طاقم الطائرة بالكامل!! والحكاية أن السادات كلف المشير بدوي بمهمة تفتيشية في سيوة ومطروح، ورافقه 13 من كبار القادة، ونزلوا لدي قيادة المنطقة العسكرية بسيوة، وفي ظهر الثاني من مارس 1981 استقلوا جميعا طائرة من طراز س- 8 هيل العتيق. أليس غريبا أن يجتمع القادة في طائرة واحدة، وهذا ممنوع عسكريا، وكان المقرر تخصيص طائرتين للرحلة؟ انطلقت الطائرة يقودها طاقم من أربعة يقودهم مقدم طيار سمير غيث، وعلي ارتفاع نحو 5 أمتار عن الأرض اختل توازن الطائرة ثم سقطت وبعد دقائق اشتعلت بها النيران، ومن قلب الدخان خرج الطاقم سليما وتحول رفات المشير ورفاقه إلي كتل متفحمة. ويحكي قائد الطائرة أن القدر وحده كان وراء نجاته هو وزملائه، وتناقضت الروايات فقيل أن الطاقم لم يخرج بنفسه بعد أن فقد الوعي وهناك من أخرجهم، وروى أحدهم ان مقبض نافذة الطواريء انفتح بالصدفة فخرجوا!!. وشهود العيان أكدوا أن الحادث استغرق 5 دقائق تقريبا، وسببه تعلق ذيل الطائرة بأحد أسلاك الكهرباء فاختل توازنها وارتطمت بعمود نور ثم هوت علي الأرض. وتلك الرواية كانت الخيط الكاشف عن إمكانية وجود مؤامرة دُبرت بذكاء خارق حسب وصف الخبراء في ذلك الوقت. وهناك من قال بربط ذيل الطائرة بسلك كهربائي متين مثبت بعمود الإنارة دون أن يراه احد؛ وارتفعت الطائرة إلى خمسة أمتار فقط ثم جذبها السلك فاصطدمت بعمود الإنارة!! واختزلت التحقيقات في أسبوعين فقط، بعد تجاهل ذلك التفسير، وأغلق المحضر بحصر السبب في عمود النور. ونُسب إلى خالد الإسلامبولي قاتل السادات قوله أن قتل السادات كان انتقاما لدم أحمد بدوي ورفاقه وأن من وضع تلك الخطة وأشرف على تنفيذها عبود الزمر. وإذا كان ذلك صحيحا فهل يحمل قرار الرئيس مرسي بمنح أعلى وسام للسادات شبهة تغطية على مسؤوليته ومسئولية عبود الزمر عما جرى لطائرة المشير بدوي، وكان الزمر من ضباط المخابرات الحربية وقتها؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل نتوقع حصول حسني مبارك على قلادة النيل في ذكرى نصر اكتوبر العام القادم 2013، بعد أن أثبت نجاحا عاليا في استمرار نهج السادات وتحوله هو نفسه إلى كنز استراتيجي للدولة الصهيونية ننتظر لنرى! نقلا عن "القدس العربي" اللندنية Comment *