المتابع لتصريحات المحامي السعودي سليمان الحنيني المكلف من قبل هيئة حقوق الإنسان السعودية بالدفاع عن المحامي المصري أحمد الجيزاوي يتخيل أن الرجل ضابطا بهيئة مكافحة المخدرات السعودية أو متحدثا باسم وزارة الداخلية بالمملكة، لما يقوم به الرجل من وقت لأخر بحديث للصحف المحلية عن تورط المتهم المصري في القضية واعترافه، بل واستنتاجات تنشر على قارعة الطريق من أن موكله مدان من ساسه لراسه. ما يقوم به الحنيني غريب من رجل من المفترض أن يكون مؤتمنا على إنسان مقيد وبرئ حتى تثبت المحكمة إدانته، وليست الداخلية السعودية أو حتى الإعلام الذي يستغل كلمات الحنيني لطرح توجهاته ووجهته على الرأي العام السعودي. ليست من مهام أي محامي في العالم أن يخرج بتفاصيل قضية مؤتمن عليها، إن كانت تلك التفاصيل أساسا حقيقية، لإضعاف موقف موكله أو البحث عن استنتاجات تضر به، بدلا من الرد على تلك التحليلات والاستنتاجات التي يسوقها بعض الصحفيين في ثنايا نقل تصريحاته عن القضية. ويكفي القارئ أن يقرأ أخر تصريحات للمحامي السعودي فيما يخص القضية والتي أكد فيها أن موكله ماطل في تقديم أدلت براءته، وأنه - أي الجيزاوي - "ادعى أكثر من مره أنه لا يعلم خطورة الأدوية التى يحلمها، وطالب بإعطاءه فرصة ليتصل بزوجته في مصر ويحضر أوراق تثبت براءته، والزوجة ماطلت ولم يصل منها شئ". لكن دعني أضع بين أيديكم ما هو أخطر من كلمات الحنيني لصحيفة "الشرق" السعودية عن موكله، وهو أن الجيزاوي قال للمحققين "أنه إذا ثبتت عليه القضية فلن يترك صديقه المصري والمتهم السعودي الآخر، في إشارة ضمنيه لاعترافه بالتهريب". أي والله العظيم نقلت عنه الصحيفة هذا الكلام نصا "في إشارة ضمنية لاعترافه بالتهريب".. هل سمعتم عن محامي يتحدث بهذه الطريقة في العالم؟! أتفهم أن تقول وزارة الداخلية السعودية ذلك، ولا حرج عليها، فهي في النهاية خصم للمتهم، يمكن أن تقول ما تشاء كما يحدث في كل بلاد العالم، لكن أن يخرج هذا الكلام من محامي المتهم الذي يصر أن الجيزاوي وكله عنه بمحض إرادته، فهذا لم أسمع به في حياتي. لكن الأغرب والأخطر هو أن الحنيني جاء من طرف هيئة حقوق الإنسان السعودية، وهي الجهة الحقوقية الأولى في المملكة، ومع ذلك لم تحرك الهيئة ساكنا تجاه ما يقوم به الحنيني! فهل ترضى الهيئة الموقرة بما يقوم به الرجل خاصة وأنه شاءت أم أبت محسوب عليها؟ إن المزعج في الأمر ليس أن المحامي السعودي لم يدلي بتصريح يتيم يتحدث فيه عن قوة موقف موكله القانوني، بل هو أن جميع تصريحاته تكاد تكون في اتجاه الإدانة المطلقة، وهو أمر لم نسمع به في العالم أن يخرج محامي في كل مرة تقريبا ليدين موكله أمام وسائل الإعلام. فالحنيني أكد أن الجيزاوي اعترف بجلبه حبوب الزنكس ثم نجد أن الجيزاوي نفسه ينفي دلك تماما، وبعد دلك خرج علينا الحنيني بخطاب قال فيه إنه بخط المتهم يعتذر فيه لخادم الحرمين الشريفين، لتخرج بعدها زوجة الجيزاوي نفسها لتؤكد أن زوجها لم يكتب أي اعتذار وأن الخط ليس خطه. لا أعلم إن كانت تهمة الجيزاوي جنائية أم سياسية فهذا أمر سيكشف عنه القضاء السعودي والأيام القادمة طالت أم قصرت، لكن يقتلك أن من جاء للدفاع عنك هو من يلف حبلك حبل مشنقة الرأي العام قبل أن يصدر الحكم، خاصة وأنت سجين مقيد في بلد ليست بلدك وفي قضية كانت ولا تزال حديث الناس سواء في السعودية أو مصر مهما كانت تهمتك أو ما اقترفت من ذنب. لا يوجد إنسان عاقل سوي على وجه الأرض يمكن أن يقبل بأن يفلت مذنب من عقاب عادل يستحقه، لكن ليس من المقبول أيضا أن يهدر حق أي متهم في دفاع قوي مخلص مستقل يتبنى قضيته ويؤتمن عليها. الحق ميزعلش حد، فقد نفذت السلطات السعودية منذ ثلاثة أسابيع حكم الإعدام في رجل مصري وأخته لإدانتهما بارتكاب جريمة بشعة قاما بها وهي اختطاف واغتصاب طفلة أفغانية لمدة ثلاث سنوات ونصف، وهو الحادث الذي أدانه المصريون جميعا ونشرته وسائل اعلام مصرية كثيرة، وما تبعه من تعليقات لمصريين لا تزال حتى الآن موجودة على صفحات الانترنت كلها تقريبا تتحدث عن بشاعة الحادث، لكن الحق أيضا يقتضى منا ألا نطلق سهام الاتهام على متهم حتى تثبت ادانته، خاصة وإن كان هؤلاء هم من وكلنا اليهم مهمة الدفاع عنا.. العدل أساس الملك. Comment *