جرت العادة خلال العام والنصف الماضيين على الكلام عن جماعة الإخوان المسلمين (كما عن الحركات الإسلامية الأخرى) باعتبارها "جماعة وطنية". ولأنه من العقل مراجعة المسلمات التي تتسرب إلى أحاديثنا كل فترة فإني أتساءل في هذا المقال عن وطنية جماعة الإخوان. هل تملك جماعة الإخوان أو امتلكت في أي وقت من تاريخها مشروعا لصالح مصر، أم أن مشاريعها دائما ما كانت تعمل لصالح نفسها؟ هل "ناضل" أعضاؤها ضد نظام مبارك من أجل عيون مصر أم من أجل عيون الجماعة؟ هل يقاتل أعضاؤها اليوم لتمرير مرشحهم محمد مرسي من أجل نهضة مصر أم من أجل توصيل الجماعة لقصر العروبة؟ الثابت تاريخا أن جماعة الإخوان التي تشكلت قبل بضع وثمانين عاما بدأت كحركة دعوية هدفها تجديد إسلام المسلمين وتخليص سلوكهم من كثير من الشوائب في وقت كانت الرياح الثقافية تهب من كل مكان على مصر، ولكن سرعان ما تحولت الجماعة في وقت قصير للغاية من الدعوة إلى السياسة، دون أن تتخلى عن استخدام الدعوة دائما لصالح السياسة، ففي كل صراع سياسي خاضته وتخوضه تصر على الاحتفاظ بالدعوة في صدارة المشهد، بهذا أمكنها ضرب بعض خصومها مثل أحمد لطفي السيد الذي أشاعت على منابرها أنه "ديمقراطي"! وزادوا بالقول إن ديمقراطي تعني أنه يسمح لزوجته بأن تفعل ما تريد وقتما تريد مع من تريد، وسقط السيد في الانتخابات البرلمانية. ومع هذا ولأن مصر المستنيرة كانت فتية وقتها بعد ثورة 19 العظيمة فقد اضطر حسن البنا نفسه إلى الانسحاب أمام منافسه الوفدي من الانتخابات البرلمانية عام 1942. في هذه الحقبة نفسها وقف الوطنيون المصريون ضد حكومة صدقي خصوصا بعد إلغائه دستور 23 الذي كان ترجمة وفية لثورة 19، في حين بادرت الجماعة بالوقوف مع صدقي ومن خلفه الملك فؤاد. بل إن صدقي نفسه حين نزل لإيقاف المظاهرات المطالبة بإعادة دستور 23 أخذ حسن البنا في يده ووقف خطيبهم يلقي خطبته المساندة لإسماعيل صدقي مستعيرا الآية الكريمة {واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وكَانَ رَسُولاً نَّبِياً} ليس هذا فحسب بل إنه فور انتقال المُلك للملك الصغير فاروق بادرت الجماعة باستقباله في الإسكندرية بالإعلان "نهبك بيعتنا وأولادنا". ليس هذا فحسب بل إن الجماعة سعت إلى أن يتوّج الملك الطفل في الأزهر بدلا من البرلمان كما ينص الدستور في مقابل مبايعته كأمير للمؤمنين، لولا أن أقسم النحاس حين عرف بذلك قائلا "على جثتي"، وهو الموقف الذي يبدو أن الملك الطفل لم ينسه أبدا للنحاس ولا للوفد. بل إن مساندة الجماعة للملك ضد الجماعة الوطنية وقتها تواصلت في كل خلاف بين الملك والنحاس، فحين خرجت المظاهرات تهتف "الشعب مع النحاس" رد الإخوان بهتاف "الله مع الملك" قاطعة الطريق على الشعب، فماذا يفعل الشعب المسكين بإزاء ملك يقف الله معه ويناصره! عداء الجماعة للوفد حزب الشعب المصري وقتها وصل ذروته أيضا بعد قيام حركة الضباط الأحرار، فقد كان الزعيم عبد الناصر بين صفوفها في صباه، لهذا سعت الجماعة إلى استخدام الضباط لصالحها، ودفعت عبد الناصر ورجاله إلى حل الأحزاب، لتطيح بحزب الوفد عدوها اللدود، لكنها لم تستطع أن تحل محله فقد أدرك عبد الناصر مبكرا سعي الجماعة للاستيلاء على الدولة لا المشاركة في بناء الدولة الحديثة التي يرغبها هو ورفاقه، وقد أعلن ناصر ذلك بنفسه في خطاب شهير ما زال يتداول على المواقع الاجتماعية حتى الآن حين زاره مرشدها ليطالبه بفرض الحجاب على المصريات بقوة القانون. الجماعة التي أدركت أن عبد الناصر يقف في طريق طموحاتها سعت لقتله أكثر من عشر مرات (خلال ستة عشر عاما مدة حكمه) بشهادة زينب الغزالي! لا داعي طبعا لإعادة ما هو معروف عن استخدام الجماعة من قبل السادات لضرب خصومه الاشتراكيين والناصريين والقوميين، بل إن عبد المنعم أبو الفتوح الملقب بالبنا الثاني في مذكراته ورغم تأكيده أن الإخوان الخارجين من السجون والجماعة الإسلامية الطلابية لم تعقدا صفقة مباشرة مع السادات يذكر مثلا أن صوفي أبو طالب طلب منهم اعتراض طريق المظاهرات الطلابية للاشتراكيين والقوميين والناصريين، بل إن الإخوان بشهادته أيضا لم يشاركوا هؤلاء في أي من مظاهراتهم ضد السادات وسياساته الاقتصادية والخارجية ولم يشاركوهم أيا من مطالبهم الوطنية!، حتى أن قيادات الإخوان وقفت موقفا "عاقلا" بتعبيره من إبرام السادات معاهدة السلام التي لاقت معارضة قوية من كافة القوى الوطنية! معاهدة السلام مع الإسرائيليين التي فوتت الفرصة على العرب لاسترداد فلسطين وقف منها قيادات الإخوان موقف الأخ الكبير العاقل، على الرغم من المتاجرة طوال الوقت بالقضية الفلسطينية باعتبارها أم القضايا في الجماعة. قضية فلسطين نفسها لم تلق منذ السادات فعلا يخسف بها الأرض إلا "أسلمتها" على يد إخوان فلسطين "حماس" وإخوان مصر، لتتحول من قضية استقلال وطني إلى شعارات رنانة من قبيل "خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود". فلسطين الوطن التي يجيش لها الإخوان المظاهرات تم تلخيصها في "المسجد الأقصى" وتجاهلت الجماعة الأحواز العربية المحتلة لأن الأقصى يخدم مشروعهم الإسلامي بينما الأحواز العربية قد تضر بمصالحهم مع إيران. اليوم يتحدث الإخوان عن أنفسهم كمعارضين لنظام مبارك، على الرغم من أن هؤلاء المعارضين هم أنفسهم وبشهادة مرشدهم الذين عقدوا صفقة مع الأمن للحصول على مقاعد في البرلمان في 2005 وكان ذلك مقابل التخلي عن حركة "كفاية" أول حركة مدنية تقف ضد تمديد حكم مبارك وضد توريث الحكم لابنه، وهي الصفقة التي كان ضمن عرّابيها محمد سليم العوا وأحمد كمال أبو المجد!. وهي نفسها الجماعة التي لوّحت للنظام في 2009 بقدرتها على الحشد لجمع توقيعات المصريين على بيان البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير استعدادا لانتخابات 2010، وهي نفسها التي تخلت عن البرادعي حين وجدت أنها لم تعد في حاجة إليه، وهي نفسها التي شاركت نظام مبارك في إفساد الحياة السياسية على الأقل طوال العقدين الأخيرين، بداية من شراء أصوات الناخبين استغلالا لفقر المصريين وانتهاء بتزوير وعي الناس وطرح مرشحينهم على أرضية دينية، وهو ما زال يحدث حتى بعد الثورة. وهي نفسها التي سارعت للقاء عمر سليمان واتفقت معه على الانسحاب من الميدان مقابل حزب وجريدة وقناة تليفزيونية بشهادة محمد حبيب وذلك في لقاء خاص وسري وحصري بين سليمان ومحمد مرسي مرشح الجماعة للرئاسة، وهي نفسها التي طلبت من شبابها الانسحاب من الميدان لولا أن كثير من شبابها كان أكثر نبلا من قياداتهم، وما فصل إسلام لطفي عضو ائتلاف شباب الثورة من الجماعة عقابا على رفضه مغادرة الميدان إلا شاهد على إصرارها للوفاء ببنود الصفقة. وهي نفسها التي تخلت عن الثوار طوال العام والنصف وشوهت سمعتهم في الأوقات التي اتفقت مصلحتها مع المجلس العسكري، وهي نفسها التي جرّت هؤلاء للميدان وقتما تعارضت مصالحها مع المجلس العسكري. عن أي معارضة يتحدثون؟ عن أي نظام يرغبون في إسقاطه؟ عن أي فلول يقولون إنهم لن يسمحوا لهم بممارسة الحياة السياسية؟ عن أي نضال يتحدثون؟ وعن أي وطنية؟ وعن أي خير يقولون إنهم يحملونه لمصر؟! عزيزي القارئ إن كنت تصدق كل ما جاء في هذا المقال فتذكر أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو المؤسس الثاني للجماعة وأن صفقات الجماعة مع أمن مبارك وغيرها من الممارسات التي وردت هنا كانت تحت بصره وسمعه، أما إن كنت لا تصدق ما جاء في المقال فعليك قراءة كثير مما كتبه المؤرخون عن الجماعة فضلا عن مذكرات بعض قياداتها للتأكد من يقينك، أما إن كنت تصدق كل ما جاء بالمقال لكنك لا ترغب في تصديق أن مرشحك أبو الفتوح كان شريكا في كل ذلك فأنت حر. أما إن كنت تظن أن مقالي هذا يحاول دفعك لانتخاب حمدين صباحي فدعني أقول لك "لا تنتخب حمدين.. انتخب خالد علي". Comment *