تبدو علاقة بعضنا بالإخوان، وبموظِفي الدين عموما، "دونية"، فيقفز في "أفضل الوحشين عندهم"، وكأن مدنيته مهزومة مهزومة، كما علاقة الشعوب المستعمرة بثقافة مُحتلها. وهنا لا أتحدث عن يمين ولا يسار، بل عن ورقة يمكن "ان تُقش" لو أحسنا اللعب بها. 1- الكل بيحسبها: الإخوان والسلفيين ح يدوا مين؟ ويتناسى أن كل القوى السياسية لا تتجاوز قوتها التصويتية حجم الكتلة التصويتية لمدينة شبر الخيمة ومركز قليوب مجتمعين، حوالي مليونان ونصف المليون صوت. فاللعبة أوسع: 50 مليون صوت، أي 20 ضعف بتوع ربنا، هؤلاء هم من يجب حِسبتها عليهم، هؤلاء هم المعركة الحقيقية. خاصة لو أحسنا قراءة المحافاظات ذات الثقل التصويتي، سبعة تضم 65% من أل 50 مليون، من نعم الرب أنها أقرب "نسبياً" للتوجه المدني. 2- هناك تصور وهمي مُفتعل بان أبو الفتوح أكثر شعبية. بينما التجربة السياسية تقول ان وجود حمدين الشعبي "النسبي" أوسع، عضو برلمان مشاكس كان له حضوره الإعلامي والشعبي وقيادة سياسية معروفة في المنطقة العربية، وله وجوده "الفعلي" وسط النقابات العمالية والمثقفين. وعمليا، هناك سبع دوائر يمثلها حزبه وبالتالي فرص وجوده فيها أوسع، معه معظم النواب الليبرال.. وغالبا سليحق بهم اليسار. شعبية أبو الفتوح كانت "الدينيين". 3- هناك إجماع، حتى من الإخوان أنفسهم، على أنه لم يعد ممكنا أن تصوت الناس، أل 50 مليون، ل "بتاع ربنا"، أنتهت هذه الحدوتة. وحتى وفق "فن الممكن" ممكن نستفيد من "مدنية" صباحي في ملئ الفراغ الذي خلفه تشبع الناس بالخطاب الديني المُفلس. 4- الإخوان حوالي 750 ألف، والسلفيين حوالي مليون ونصف.. ودول زي جبل الجليد ما حدش عارف ح يصوتوا لمين، رغم إنحيازات النور والدعوة والأصالة. مثلاً، عندنا في الشارع بيتين سلفيين.. واحد ح يصوت لمرسي وواحد حيصوت لموسى. الأغلبية الساحقة من الإخوان ستصوت لمرسي، حتى جاري الإخواني الذي يحب أبو الفتوح كثيراً وصدعني به كأردوغان قادم، ويبدو أقرب منه حياتياً، رأيته يلتزم الطاعة ويروج لمرسي. 5- سأتجاهل ما سبق، وسأوافق على تطبيق نظرية "فن الممكن" وأختار أبو الفتوح لأنه، خلافا للواقع، أقدر على منافسة موسى.. لكن ألا يحق لي التساؤل.. مش غريبة دي؟ اشمعنى بقية خيارات الثورة.. ثورية، ودي إللي.. "الممكن"؟ 6- إذا كنت "أنتي ناصري" أو "أنتي قومي" ولن تتجاوز "الموقف النفسي"، فطنش صباحي واختار غيره. ولا تنشغل هنا بأن صباحي طوّر خطابه الناصري إلى خطاب وطني شامل يتقاطع مع غالبية فئات المجتمع.. وتياراته، وانه اعتذر عما شهدته التجربة من سلبيات. لكن لا تراهن كثيراً على أبو الفتوح في جذب أية قطاعات من أل 50 مليون، لأنه: (أ) يفتقد تماما لمقومات الرئيس:غياب رؤية رجل الدولة، غياب الكاريزما.. بالعكس يوحي ب"موظف غلبان" يحتاج مساعدة، وليس رجل دولة "جاي يشيل بلاوي، ويلعب زي الأراجوز" على تناقضات متفجرة. لن يشعر به الناس ك"عمود خيمة"، وإذا كنت لا تعتقد بصحة مقولة مثل "عمود الخيمة" وما شابه، فطنش أل 50 مليون.. لا تدخلهم في حِسابك، واكمل معركتك في شبرا وقليوب. (ب) توجهه السياسي الإقصائي.. والطائفي، راجع موقفه "العنصري" من الأقباط قبل الثورة بشهرين على فضائية العربية. راجع تجارب من حكمهم الإخوان من غزة للسودان.. إلخ. و"تحسب" لما أصبح مؤكدا من تحالف إخواني امريكي بوساطة قطر وتركيا. ولا تنجر وراء وهم "أردوغان مصر"، لأن رجب ابن "مجتمع مدني" ملئ بالكفاءات وتجربته خرجت من دولة عفية ومتماسكة، والأهم: تمرد على أربكان لأسباب فكرية، وليس لمجرد تحقيق حلم رئاسة الجمهورية. و"تحسب" للخطاب الذي سترسله لعمقك الحيوي في الجنوب، ما بعد شمال "البشير". (ج) طاعته للجماعة وسيره على خطاها رئيسا لإتحاد الطلبة ثم في إتحاد الأطباءالعرب.. ومازال يشدد على إلتزامه الفكري بها، فوفق تعبيره ليسري فودة قبل شهرين: "الظفر عمره ما يطلع من اللحم" (د) لم يكن، أبداً، معارضا جذريا للنظام، ظل ملتزما بسقف جماعته، راجع تجربته مع كفاية، وعودته من الطريق إلى ثاني مظاهرات الحركة أمام جامعة القاهرة، لأن حد في امن الدولة كلم عاكف.. فعاكف كلمه، ف"للخلف دُر". ولم نسمع منه حرف واحد يدين، أو يتحفظ، صفقات الجماعة معه، فهو "الوِش الليبرال" الذي يستخدم عند الحاجة، كما يستخدمون محمد البلتاجي الآن. (و) حرب تكسير العظام المتوقعة بين "الإخوان الأعداء".. "ستجرحه" كثيراً، وستهتز "جدا" صورة السياسي "النظيف"، مع فتح ملفات مثل فساد إتحاد الأطباء العرب ومقابلته لجمال.. أو "مشروع مقابلته" التي لم تتم، وفق دفاع محمد حبيب عنه. 7- فرص صباحي أفضل للوصول إلى قطاعات أكبر من أل 50 مليون، وأراه "الحصان الأسود": (أ) كاريزما، يمكن أن يجذب قطاعات تبحث عن "إيمج" رجل الدولة ولا تريد موسى. وهو يبدو، مع كاريزميته، أقرب للناس.. كواحد منهم، من موسى.. ابن الباشا بيده في جيبه. (ب) يمتلك رؤية رجل دولة وخطاب متماسك، واعي بما يقوله وقادر على الإقناع به. قارن "مواجهته" مع السادات.. ب"شكوى" أبو الفتوح في ذات اللقاء من إعلام الشيوعيين عبدة البقر ومن عزل شيخه من الخطابة لأسباب طائفية. (ج) شخصية سياسية ثورية، مُعارض جذري، يصمن لك قطاع النشطاء والدائرين في فلكهم، تقديراتهم تصل بهم من 8 - 10 % من القوة التصويتية، وهو هنا مدعوم برموز ثورية من حمدي قنديل إلى "أم الشهيد خالد سعيد"، مرورا ببهاء طاهر وعلاء الأسواني وسيد حجاب وخالد يوسف، وبشكل عام كتلة المثقفين والفنانين. و"ربما": محمد أبو الغار، محمد غنيم، جورج إسحق، حملتا البرادعي وأيمن نور.. إلخ (د) مدنيته ليست صادمة للمحافظين، أقرب للإسلام المصري. (ه) يتمتع بمرونة سياسية، كنت مثلا ضد تحالفه مع الإخوان في الإنتخابات، وها هو الكرامة يخرج ب 7 مقاعد "من قلبهم". (و) خطابه الموجه للفقراء لو أحسنا ترويجه مع برنامجه الإنتخابي الذي شارك في وضعه نخبة متخصصة، نبقى بنلعب على الأغلبية الساحقة من المصوتين. (ز) صورة عبد الناصر، أقصد المعنى الحرفي للمفردة، مازال لها تأثيرها عند الملايين الذين لا يتذكرون من عهده إلا "الستر والكرامة" وتضاعفت قيمة ذلك مع تردي أوضاع الطبقة الوسطى وما تحتها، بغض النظر عن رؤية قطاع من النخبة لذلك. مثلا، هناك ستة ملايين أسرة استفادت من الإصلاح الزراعي، مثل خالاتي، المؤكد أن للرجل تراثه عندهم. نكتفي مؤقتا Comment *