تشي التحركات التركية الأخيرة في الشمال السوري بكثير من التطورات في الملف الملتهب، فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، صاحب المزاج السياسي المتقلب، بدأ يراكم في الفترة الأخيرة مجموعة من المؤشرات التي تظهر توترا في العلاقة مع موسكو، فبعد الانتقادات التي وجهها لرأس الحكومة السورية باستحالة استمراره، في معارضة واضحة للرغبة الروسية التي قالت بوضوح، بأنه لا مكان في سوتشي للمعارضة السورية التي تطالب برحيل الأسد، نجد أردوغان يتجه للعبث في الشمال السوري مجددًا. المؤشر التركي الأخير حمل طابعًا عسكريًا، إذ أعلنت ما تسمى الحكومة السورية المؤقتة توحيد 30 فصيلا من فصائل المعارضة السورية المسلحة وما يسمى بالجيش السوري الحر ضمن هيكل عسكري جديد يحمل اسم الجيش الوطني، عقب اجتماع عقده جواد أبو حطب، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، بقيادة عسكريين في مدنية أعزاز بمحافظة حلب، وسيتكون الجيش الوليد من مجموعة من الفيالق دربت معظمها في تركيا، ويبلغ قوامها ما يزيد على 22 ألف مقاتل على حد زعم أبو حطب، وتتواجد في منطقتي ريف حلب الشمالي والشرقي وبالتنسيق مع الجيش التركي والقوات الخاصة التركية. وتأتي الخطوة في أعقاب رعاية تركية لاتفاق تضمن انتقال فصائل المعارضة المسلحة إلى مرحلة الجيش النظامي التابع لوزارة دفاع ما يسمى بالحكومة المؤقتة، حيث سبق ولادة ما يسمى الجيش الوطني إعلان فصائل في الجيش السوري الحر في 28 من أكتوبر الماضي، الانصهار الكامل ضمن ثلاث فيالق، الفيلق الأول ويضم كتلة الجيش الوطني، الفيلق الثاني، ويضم كتلة السلطان مراد، الفيلق الثالث، ويضم كتلة الجبهة الشامية، حينها أفادت مصادر أمنية تركية أن مسؤولين عن الحكومة السورية المؤقتة، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بالإضافة إلى مندوبين عن 37 فصيلا تابعا للجيش السوري الحر، عقدوا اجتماعا في ولاية كلس جنوبتركيا مؤخرا، واتخذوا قرارات مشتركة حول إعادة الهيكلة في مناطق "درع الفرات" شمال سوريا وفي مقدمتها محافظة إدلب، كما تم الاتفاق خلال الاجتماع على توحيد إدارة المعابر الحدودية في منطقة درع الفرات، وتسليمها للحكومة السورية المؤقتة. ويزعم هيثم عفيسي، نائب رئيس الأركان في الجيش الوطني السوري، أن جيشه سيكون نواة الجيش الوطني لسوريا بالكامل وفي الأراضي المحررة، وقال إن أهداف الجيش الجديد إسقاط النظام ومحاربة الأكراد في أرياف حلب الشرقية والغربية والشمالية، بالإضافة لتواجده في الأماكن الساخنة والخاضعة لتفاهمات واتفاقيات خفض التصعيد، لاسيما في ظل تكهنات عن فتور نسبي في العلاقات التركية الروسية بسبب خلاف حول الموقف من الأكراد في الشمال السوري، وفي الوقت الذي يصعد فيه أردوغان من لهجته العدائية ضد الأسد، يرسل الرئيس الروسي رسائل مطمئنة للنظام السوري، حيث قال الكرملين يوم السبت الماضي، إن فلاديمير بوتين أبلغ نظيره السوري في تهنئة بالعام الجديد بأن روسيا ستستمر في دعم جهود سوريا في الدفاع عن سيادتها. التحركات التركية، تأتي في سياق محاولة أنقرة الحفاظ على أوراقها في الشمال السوري، فالحكومة السورية دائمًا ما تصف الوجود التركي على أراضيها بالاحتلال، ويبدو أن أردوغان يتغاضى عن هذا الوصف في سبيل تحقيق مصالحه من الأزمة، لكن لا يبدو أن المصالح التركية في الشمال ستصمد طويلًا، فأدلب على الأجندة السورية الروسية العسكرية لهذا العام الجديد، فموسكو أعلنت عبر وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، أن جبهة النصرة على اللائحة العسكرية الروسية بعد القضاء على الداعش، الأمر الذي ينذر بصدام غير مباشر بين أنقرةوموسكو، في ظل الدعم التركي للجماعات المسلحة في إدلب بما فيها جبهة النصرة. وليس معروفًا حتى اللحظة، ما إذا كان التقارب التركي الأمريكي، يأتي في إطار توتر علاقاتها مع روسيا، فصحيح أن واشنطن أعلنت قبل أيام انتهاء أزمة الفيزا مع أنقرة، كما أن هناك محاولات أمريكية لدفع تركيا لإلغاء التعاقد على منظومة إس 400 الروسية، إلا أن تقاربها مع واشنطن لن يزيل مخاوفها من البعبع الكردي، فواشنطن حتى الآن مازالت حليفة للأكراد، فقبل أيام قال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في مؤتمر صحفي بالبنتاجون إن "لدينا خط فاصل" بين المناطق التي يسيطر عليها حلفاء الولاياتالمتحدة في الشرق السوري، وتلك الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية المدعومة من روسيا في الغرب، وأضاف "سيكون من الخطأ تجاوز هذا الخط". ماتيس أرسل تحذيرات للجيش السوري من شنّ أي هجوم على "قوات سوريا الديموقراطية" ذات الغالبية الكردية، والتي اتهمها بشار الأسد في الآونة الأخيرة بالخيانة، وبالتالي تغير دائرة أردوغان التحالفية لن تكون بالأمر السهل، فحتى حلفاء واشنطن الإقليميين كالسعودية التي توترت علاقاتها مع أنقرة على خلفية الأزمة الخليجية، أخذت بالتقارب مع الأكراد، حيث رأي مراقبون أن زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، الرقة السورية يأتي في إطار التلويح السعودي بالورقة الكردية ضد أنقرة، وهنا على أردوغان الاختيار بين حليف أمريكي لا يمانع بوجود دولة كردية في الشمال السوري أو حتى في إقليم كردستان العراق، وبين الحليف الروسي الذي لا يمانع في التعاطي مع الأكراد، لكن في نطاق الدولة السورية الموحدة.