تُعَدّ واحدة من اقدم واعرق المدن في العالم، وَرد ذكر اسمها في بعض المخطوطات المصرية القديمة التي يعود تاريخها إلي القرن العشرين قبل الميلاد. مثّلت طيلة قرون من الزمان مركزاً هاماً علي الصعيد الجيوسياسي و الاقتصادي و العسكري بالمنطقة، بدءاً من القرن الثامن عشر قبل الميلاد و خلال العصر الهيليني، مروراً بالإمبراطورية الرومانية و فترات الحكم الأموي و الايوبي و العثماني، و وصولاً لترسيم بريطانيا و فرنسا لحدود الدولة السورية الحديثة، التي عزلت المدينة عن جنوبي تركيا و شمال العراق. لتتطور المدينة و تصبح مركزاً صناعياً هاماً في الإقليم ككل و تنافس بذلك العاصمة السورية دمشق. إنها حلب، أكبر المدن السورية، و المركز الإقتصادي و السكاني الأول و الحيوي في البلاد. في السنة الأولي من بدء الأزمة السورية لم تشهد حلب أياً من التطورات الميدانية العنيفة و الاحداث الدموية اللذان هزا غيرها من المدن و البلدات السورية. و لكنها في فبراير من العام 2012 أصبحت ساحة قتال رئيسية و شرسة إلي حدِ كبير عندما بدأت الجماعات المسلحة في المدينة ببدء هجوم شامل و موسع يهدف الي طرد وحدات الجيش العربي السوري المتمركزة هناك، و بالفعل حدث انفجاران رهيبان استهدفا مركزي الاستخبارات العسكرية و الشرطة بالمدينة واوقعا نحو 28 قتيلاً. و منذ ذلك التاريخ تحولت حلب من اكبر مدن سوريا سكانياً و صناعياً إلي أشرس حلبة قتال مفتوحة بين قوي عدة ليس في سوريا فقط، بل في الإقليم ككل. يتقاسم السيطرة علي حلب قوات الجيش العربي السوري و العديد من الفصائل المسلحة علي اختلاف انتمائاتها الآيديولوجية و السياسية. لتشكل بذلك أهم منطقة إستراتيجية مؤثرة بشكل مباشر في الديناميكية السياسية و العسكرية لأطراف الصراع الدائر الآن في سوريا.. يدفعنا ذلك لعدة أسئلة أولها لماذا تشكل حلب هذه الأهمية الكبيرة و لماذا تمس كل صغيرة و كبيرة فيها خطط و طموحات عواصم عدة في العالم بدءاً من الرياض و انقرة وصولاً لموسكو و اشنطن، و إنتهاءا بدمشق؟. 1. أهمية حلب الإستراتيجية: كما أشرنا سابقاً أن حلب هي مسرح عملياتي مهم للغاية لكل أطراف الصراع الدائر الآن و لكي تتضح الأهمية الإستراتيجية لتلك البقعة الجغرافية المهمة يجب تناولها من خلال شقين أساسيين أولهما أهميتها بالنسبة للمعارضة و الجماعات المسلحة النشطة فيها: بدايًة، يقدر عدد الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا بحوالي ألف جماعة، وتضم ما يقرب من مئة ألف مقاتل كحد أدني. معظمها جماعات صغيرة وتعمل بشكل محلي. ولكن مؤخراً ظهرت جماعات قوية لها حضور على طول البلاد، وعقدوا تحالفات مع جماعات أخرى لها نفس الأهداف. إلا أن ظهور تنظيم داعش الإرهابي و بقوة علي الساحة قد عقد و صعّب من تلك التحالفات و جعل الكل يقاتل الكل في الميدان السوري. ينشط في مدينة حلب العديد من الجماعات المسلحة ابرزهم داعش، كما ينشط ايضاً جماعة لواء الحق و لواء التوحيد و حركة احرار الشام، و ألوية صقور الشام، و جبهة النصرة من اشرس الجماعات هناك. خلال العديد من سنوات الصراع نجحت الجماعات المعارضة في الإستحواذ علي 60% من كامل مدينة حلب، حيث تمركز كل منهم بالجانب الشرقي للمدينة، فيما يسيطر الجيش السوري علي اجزاء من الجانب الغربي لها. و فيما يلي خريطة التوزيع العسكري للقوى في حلب و محيطها قبيل التدخل العسكري الروسي مباشرةً النقاط الحمراء : الجيش السوري النقاط السوداء: تنظيم داعش النقاط الخضراء: باقي التنظيمات المسلحة أو ما يُسمي " بالمعارضة المعتدلة" النقاط الصفراء : وحدات الاكراد العسكرية تمتد الحدود التركية السورية البرية لنحو 822 كلم، شكّل ذلك الشريط الحدودي الطويل عبر نقاطه و معابره منفذا استراتيجياً هاماً لتدفق آلآف المسلحين الاجانب القادمين عبر تركيا، كما شكّل أيضاً محوراً رئيسياً لوصول الدعم اللوجيستي من الامدادات و السلاح الذي يصل في أيدي الجماعات المسلحة دون تهديد يُذكَر قبل التدخل الروسي ، و مع تطورات الأزمة السورية ميدانياً و سقوط اغلب المعابر و المنافذ الحدودية مع تركيا في أيدي الجماعات المسلحة، تشكّل الشريط الحدودي مع تركيا بموازين قوي جديدة، تلك الموازين جعلت من حلب النقطة الأهم لدي تركيا و حلفائها جميعاً.. فما خريطة الشريط الحدودي التي صنعت من حلب عقدة الصراع المسلح؟ يوجد 19 معبراً حدودياً بين سوريا و دول الجوار (لبنان و الأردن و العراق و تركيا)، يحكم الجيش السوري قبضته علي معبرين بالشمال السوري علي الحدود التركية، و التي اغلقتها الحكومة التركية في وقتِ لاحق، بينما يقع باقي المعابر الشمالية بين قبضة التنظيمات المسلحة علي اختلاف اشكالها. و نظراً للعداء الشديد بين تركيا و التنظيمات المسلحة التابعة للاكراد، شكلت المعابر التي سيطر عليها اكراد سوريا نقاط مغلقة بوجه الدعم التركي، بينما شكلت المعابر الاخري الواقعة تحت سيطرة التنظيمات المسلحة الباقية ابرزها معبري باب الهوي و باب السلامة نقطة الوصل الإستراتيجية الهامة بينها و بين الدعم التركي.. و مع ارتكاز ديموغرافي كثيف للتنظيمات المسلحة التي تُعرف بالمعتدلة حول حلب و معابرها، أصبحت حلب الحلقة الأهم في توريد المقاتلين و السلاح نحو الداخل السوري ككل و نحو " محور إدلب حماة " بشكل خاص. وكما شكلت حلب المعقل الاهم للمسلحين شمال سوريا، فهناك معقل آخر و هو إدلب. وتعتمد المعارضة في الشمال بشكل كبير على تأمين المساعدات والإمدادات عبر تركيا إلى حلب وإدلب من خلال معبري باب السلامة وباب الهوى على الترتيب. ومع قطع طريق الإمدادات في حلب فإنه لا يبقى للمعارضة المسلحة سوى طريق إدلب للحصول على الإمدادات مع العلم أن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة تتمتع بنفوذ كبير في إدلب مقارنة بحلب. حسناً..بعد استعراض الأهمية الإستراتيجية لحلب من جهة المعارضة و الجماعات المسلحة المختلفة، كيف تتشكل الأهمية الإستراتيجية لحلب من جهة الجيش العربي السوري و حلفائه؟ الإجابة ستحددها إستراتيجيات المؤسسة العسكرية السورية المفروضة علي الميدان بالمقام الاول. في البداية يجب التنويه أن قوات الجيش العربي السوري تقاتل في اكثر من 450 بؤرة في كامل القطر السوري، و طبقاً لإمكانيات الجيش السوري مع هذه المعادلة و الارقام و خريطة انتشاره، اتضح أن الإستراتيجية العسكرية السورية تقتضي أولوية هامة في ديناميكية صراعها علي الارض، ألا و هي تطويق المدن الهامة و قطع خطوط الامداد عن المسلحين بداخلها بدلاً من السيطرة عليها سيطرة تامة، إذن تقتضي الإستراتيجية العسكرية السورية حصر البؤر الإرهابية المسلحة في جيوب ضيقة أولاً و من ثم التعامل معها. و هذا ما أكده الرئيس السوري بشار الأسد في اكثر من حديث له بوسائل الإعلام الأجنبية، أن سوريا قادرة علي السيطرة علي الارهاب طالما توقف الدعم المستمر لكل التنظيمات الإرهابية بطول حدود الدولة السورية،و أن العمليات العسكرية الجارية تهدف للتطويق و العزل أولاً للمدن الهامة و التي تلقي دعماً كبيراً عن طريق الحدود و ليس السيطرة التامة. كما تكمن أولوية ثانية في الإستراتيجية العسكرية السورية ظهرت بوضوح في معاركه الاخيرة، ألا و هي الدخول في مواجهات أولاً مع التنظيمات المسلحة الاخري دون داعش، لمنح الدولة السورية و مؤسستها العسكرية الحالية نقطة إضافية أمام الغرب، و لتكريث ثنائية لا جدال فيها، إمّا الدولة السورية و مؤسساتها أو تنظيم داعش الارهابي العدو الحالي لكل اطراف الصراع طبقاً لأولويات الإستراتيجية العسكرية السورية التي نوهنا إليها، و وجود حلب اكبر المدن السورية التي تتلقي دعماً لوجيستياً للجماعات المسلحة بتلك الظروف العسكرية و الديموغرافية، أصبحت حلب بالنسبة للنظام السوري الحلقة الأهم ايضاً في الصراع الدائر. و من هنا يمكننا أن نفهم لماذا توجه النظام و حليفه الروسي نحو تطويق حلب بكل السبل العسكرية قبل التوجه ل إدلب مثلا. 2- أهمية حلب بالنسبة لتركيا: حسناً ..بعد استعراض أهمية حلب كبقعة إستراتيجية هامة لطرفي الصراع الدائر في سوريا، أين تكمن اهمية حلب بالنسبة لتركيا و السعودية تحديداً؟ بالنسبة لتركيا تمثل حلب نقطة مثالية و هامة نحو طموح إستراتيجي رئيسي لدي القيادة التركية، يتمثل في فرض منطقة عازلة شمال سوريا، ستتمتع من خلالها تركيا في حال تنفيذه بالسيطرة شبه التامة علي منطقة الشمال السوري. مما يمكنها من تهديد الحزام الكردي في الشمال السوري، و تحجيم قدرته العسكرية قبل أن يتحول لتهديد حقيقي واسع نتيجة قربه من التركبية الكردية داخل تركيا، خصوصا بعد التقارب الروسي الكردي في تلك المنطقة الشمالية السورية من جهة، و من داخل تركيا ذاتها، حيث نسقت الخارجية الروسية مع حزب " الشعب الديموقراطي " أهم حزب سياسي كردي يعمل داخل تركيا، و من المرجح أن تنشأ روسيا مقراً و مكتباً لحزب "الشعب الديموقراطي " في موسكو، و ذلك طبقاً لما أعلنه زعيم الحزب " صلاح الدين دميرطاش". شرعت موسكو بمعاقبة أنقرة سياسيًا واقتصاديًا، لاسقاطها قاذفة السوخوي 24 والآن، و وقوفها كرأس حربة نحو الأجندة الروسية السورية بشكل خاص، وفي سبيل تحقيق هدفها باستعداء أنقرة بشكل أكبر، تمارس موسكو نفوذها الكبير ضمن بقعة حساسة بشكل خاص بالنسبة لتركيا، المسألة الكردية. و حلب تبقي النقطة الأخيرة لدي التركي و التي من خلال ابقائها بوابة نحو الداخل السوري و جماعاته المسلحة، الحل الأخير في وجه الخسارة المدوية المرتقبة. لكن الروسي لم يكن حاضراً وحده في المسار الكردي بشقيه السوري و التركي، بل دخل الأمريكي في نفس المسار كذلك مما جنّ جنون أنقرة و جعلها تقدم علي خطوات عشوائية متهورة بوصف العديد من المراقبين و المحللين. الخطة الأمريكية لتقديم الدعم العسكري للأكراد في سوريا، خلال حربهم الراهنة أمام تنظيم "داعش"، أثارت حالة من القلق داخل تركيا، بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إلا أن الأمر لا يبدو قاصرا على الولاياتالمتحدة، في ظل إقدام روسيا على تبني الموقف نفسه من الأكراد. لم يأتِ الدعم الامريكي للاكراد عسكرياً فقط، بل سياسياً ايضاً، حيث اعرب وزير الخارجية الامريكي جون كيري أنّ الولاياتالمتحدة لا تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، منظمة إرهابية. الأتراك أعربوا عن عميق قلقهم جراء التقارب الأمريكي الكردي، الأمر الذي دفع السلطات التركية لاستدعاء السفير الأمريكي احتجاجا على دعم الولاياتالمتحدة للأكراد، إلا أن عددا من المحللين يرون أن الإجراء ربما يكون شكليا إلى حد كبير، ويهدف إلى الاستهلاك السياسي. لكن المحصلة باتت " شرعنة " التواجد الكردي في جانبيه السوري و التركي و من قِبل قطبي العالم، موسكو و واشنطن، الامر الذي هدد إلي نحو كبير ليس الطموح التركي في المنطقة بحسب، بل هدده من الداخل في قضية الحساسة " الاكراد "، و من هنا نستطيع ان نفهم لماذا اقدم التركي علي قصف " وحدات حماية الشعب الكردية" التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي " السوري "، بعد سيطرتهم علي مطار "منغ" العسكري في (حلب) إثر معارك دامية مع الفصائل الإرهابية هناك. و يقع مطار " منغ " العسكري و الذي خضع لسيطرة الفصائل الإرهابية منذ صيف 2013 . بين طريقين استراتيجيتين تصلان حلب بمدينة أعزاز، أحد معاقل الفصائل الإسلامية في المنطقة، الى جانب مدينتي تل رفعت ومارع. تخبرنا الوقائع العسكرية الأخيرة تلك، أن المدفعية التركية تحركت لقصف وحدات حماية الشعب الكردية إثر سيطرتها علي مطار منغ العسكري، و لم تتحرك ابداً حين سيطر تنظيم داعش الإرهابي عليه و قيامه يتفجير كافة المروحيات و العتاد العسكري العامل فيه. تلك المعادلة توضح حقيقية الدور التركي بالأزمة السورية منذ البداية، كما توضح حجم الدعم التركي لسائر الفصائل المسلحة عن طريق بوابة حلب " طريق الإمداد الاخير " و الحلقة الأهم لدي الطموح التركي، هذا فضلاً عن اعتبار حلب الحلقة الأهم ايضاً لتهريب النفط العراقي و السوري من تنظيم داعش الي الداخل التركي حسب المسارات الثلاثة التي كشفتها وزارة الدفاع الروسية و "الفايننشال تايمز" البريطانية و التي اشرنا إليها مسبقاً في تقريرنا الفائت هنا : http://goo.gl/3xiuFr 3- كيف تتشكل أهمية حلب لدي السعودية؟ على الجانب السعودي، فإن سقوط حلب في يد النظام سوف تتم قراءته على أنه انتصار لجديد لإيران في سوريا، وهو انتصار لحزب الله أيضا، أحد الشركاء الرئيسين في معارك حلب، وهو انتصار قد يلقي بظلاله على لبنان. كما ان سقوط حلب أيّ تطويقها و عزلها عن الدعم يعني خسارة السعودية لمليارات من الدولارات التي انقتها علي جماعتها بالداخل للتدريب و التمويل و تقديم السلاح. كما يعني عزل حلب، طرد السعودية من أهم بقعة لها في الصراع السوري، الامر الذي يفسر اندفاع السعودية و إرسالها لمقاتلات حربية بقاعدة أنجرليك التركية و تلويحها ايضاً بإمكانية التدخل البري بالتوازي مع تصريحات المسؤولين الاتراك. 4- أهمية حلب دوليا : حسناً..بعد استعراض أهمية "حلب" بالنسبة للتركي و السعودي، فما أهميتها دوليا؟ تنحصر أهمية حلب و تطورات الصراع الميداني بداخلها دولياً في شق أساسي و رئيسي، ألا و هو " المفاوضات"، فمن امتلك الميدان، امتلك تحسين شروط التفاوض، خاصةَ بعد الإستعداد لجولة هامة قادمة من المفاوضات في جنيف و التي يسعي خلالها الثلاثي " الروسي السوري الإيراني " بغلق كافة الحدود التركية، و إنهاء الدعم اللوجيستي للارهابيين إنهاءاً تاماً. مما يعني انحسار شروط و سيطرة الفريق الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة حال نجاح الثلاثي في اتمام عملية تطويق حلب التي تشهد تطوراً ميدانياً غير مسبوقاً، و كما وصفت الجارديان البريطانية، على الغرب أن يستعد لموجة جديدة من اللجوء للعنف أعنف من سابقتها بعدا استعراض أهمية حلب الإستراتيجية لكل اطراف الصراع الدائر، يبقي السؤال الأخير و الأهم، كيف استعد السوري و معه الروسي لحسم ملف حلب؟ 5- ديناميكية الزحف السوري نحو حلب.. و ماهية الأستعداد الروسي، و سيناريوهات التدخل البري. من المخطئ اعتبار عملية تطويق او تحرير حلب، وليدة الأجندة العسكرية الروسية و السورية معاً بعد بدء التدخل في اغسطس الماضي، لطالما كانت حلب لأهميتها البالغة حاضرة في الإستراتيجية العسكرية السورية التي أولتها اهتماماً اكثر من الجبهة الجنوبية حتي. حيث قام قبل عامين العقيد سهيل الحسن النمر بفك الحصار الدامي عن سجن حلب المركزي و الذي حُصِر لمدة عامين كاملين. و منذ تحرير سجن حلب المركزي بدء العقيد سهيل الحسن أولي مراحل التطويق الفعلي لحلب و ريفها من المحاور ال 7. لكن التقدم كان بطيئاً لعدم وجود الغطاء الجوي الفعال و السريع و الذي عوضه بذلك التدخل العسكري الروسي. اخبرتنا الأزمة السورية، أنه كلما زادت الأهمية الإستراتيجية لمدينة او بقعة جغرافية ما، كلما كانت الإشتباكات و المعارك حولها أكثر شراسةً و دموية. حين نتحدث عن حلب، فنحن بصدد اهم بقعة جغرافية في الازمة السورية ككل، تؤثر بخطط و طموحات عواصم مجتمعة من العالم، لذا فمعركة تحرير حلب، او تطويق حلب، ستكن الأكثر دموية في تاريخ الحرب في سوريا. و نقطة تحول حاسمة و قد تكون نهائية في الحرب الدائرة هناك بالقطر السوري. حيث صرح قائد ميداني في الجيش السوري أن محافظة حلب ستشهد أكبر عملية عسكرية في سوريا منذ بداية الحرب، مشيرا إلى أن الجيش السوري يقاتل حاليا على 7 جبهات، محققا بواسطة الدعم الروسي الجوي لقاذفات و مقاتلات السوخوي، تقدما بريف حلب الشمالي و الجنوبي و الشرقي تحديداً . حيث قامت وحدات الجيش السوري خلال الأسبوع الماضي بتأمين طريقه إلى عدة مدن سورية شمال مدينة حلب، أبرزها مدينتي نبل والزهراء اللتين عجز النظام عن استرادهما على مدار أكثر من 4 اعوام، بفضل كثافة الدعم الجوي الرسي الدقيق و التي وصلت غاراته إلي 270 غارة خلال يومين فقط في تلك المناطق بحلب. وباستيلاء النظام السوري على هاتين المدينيتن فإنه يكون بذلك قد نجح في عزل حلب عن ريفها الشمالي، بعد أن نجح في وقت سابق في السيطرة على المداخل الجنوبية للمدينة، وتكمن أهمية هذا التقدم أنه يأتي أيضا بعد أسابيع قليلة من نجاح قوات النظام مدعومة بالقصف الروسي في السيطرة على محافظة اللاذقية، حيث توجد قواعدها الرئيسة، بعد استعادة مدينة سلمي آخر معاقل المعارضة في المحافظة. حيث فضل النظام التوجه بعد ذلك إلى حلب بدلا من التقدم بشكل تقليدي في إدلب وحماة. و لفهم اكثر وضوحاً للتقدم الذي احرزه السوري و الروسي معاً سنوضح خريطة التواجد العسكري السوري في حلب قبل و بعد الغارات الروسية تواجد الجيش السوري في حلب قبل بدء العمليات العسكرية الروسية: اللون الاحمر يمثل وحدات الجيش السوري بعد بدء العمليات العسكرية الروسية نلاحظ نتائج هجوم الجيش السوري عبر ال 7 محاور في كامل حلب و اقتراب تطويقها و عزلها عن طرق الامداد بطول الحدود التركية، و لهذه النتائج اعتمد الجيش السوري علي الغارات الروسية الدقيقة و العنيفة و غطائها و مداها العملياتي الواسع كما اعتمد ايضاً علي عدة طرق منها كسر الحصار عن مطار كويرس العسكري و طرد الجماعات المسلحة بعيداً تجاة طريق حلب دمشق الدولي، و احكام السيطرة علي شمال حلب و ريفها الجنوبي و الشرقي..و استعادة مدينتي نبل و الزهراء..و لكي تضح الصورة اكثر و بالنظر الي التقدم الميداني الملحوظ لقوات الجيش السوري المدعومة جواً، قد نلتفت إلي حجم الإستعداد الروسية لإكمال عملية تطويق حلب، فكيف استعد الروسي؟ فلاديمير يقاتل لتحرير حلب؟ استخدم الجيش السوري لأول مرة دبابات "تي 90 أ" الفتاكة، بالقرب من حلب. جاء ذلك في مقالة نشرتها صحيفة "غازيتا.رو" وذكرت فيها ان "العماد القتالي" لهذه الدبابة الفتاكة جرى في ريف حلب، وبعد سيطرة وحدات الجيش السوري على بلدتي نبّل والزهراء باتت أنظارها متجهة نحو "الحزام الأمني" الممتد بين البلدتين الحدوديتين إعزاز وجرابلس جدير بالذكر أن دبابات "تي 90″ تعد احدث الدبابات القتالية في العالم باشرت خدمتها القتالية في الجيش الروسي في العام2004 و تُسمي التي حيث "التي90″ تيمناً بكبير مصمميها فلاديمير بوتكين هذه الدبابة، مجهزة بمنظومة حماية ديناميكية من الجيل الثالث تضمن استقرارها خلال تعرضها لقذائف من عيار 120 ملم، و تستطيع منظومة الحماية لتلك الدبابات حمايتها من الصواريخ المضادة مثل " التاو" و "الهوت تو"..مما يجعلها خصماً عنيداً لتكتيكات الجماعات الارهابية المحاصرة بحلب و ريفها. فرض الروسي هجمات جوية قاسمة للغاية، علي جميع الكيانات المسلحة النشطة في حلب، حيث قطعت اهم خطوط الإمداد فيها، و بحسب " ديبكا " المقرب من الإستخبارات الإسرائيلية، فإن المعارضة تعاني في الوقت الحالي نقصا شديدا في إمدادات الأسلحة اللازمة لخوض معركة حيوية بهذا الحجم تحت القصف الروسي. وخاصة بعد أن تعرضت المعارضة لتضييق شديد على إمداداتها تحت ضغط من الولاياتالمتحدة من إجبارها على حضور محادثات جنيف، كما أن سقوط حلب، إضافة إلى كونه نكسة استراتيجية، فإنه سوف يمثل انتكاسة معنوية كبيرة للمعارضة خاصة بعد الخسائر المتتالية خلال الأسابيع الماضية في اللاذقية ودرعا وحمص وريفها. يأتي ذلك بعدما ضمن الروسي فرض مظلة جوية تمدت لأكثر من 300 كلم إثر تشغيله لمنظومات الدفاع الجوي الأحدث " إس 400″ بقاعدته الجوية في اللاذقية تأتي هذه الخطوة استباقاً لأية ردود افعال (تركية سعودية)، حيث صرح نائب ووزير الدفاع الروسي «أناتولي أنتونوف» بالقول إن «أنظمة الدفاع الجوي الروسية تتيح الكشف المبكر عن أي تهديدات للطائرات الروسية التي تقوم بمهام قتالية فوق سوريا. مؤكدا أن بلاده سوف تقوم باتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل ضمان سلامة الطيران. و من هنا يكمننا الفهم لماذا جاء الرد التركي علي التطورات الميدانية في حلب بالقصف المدفعي و ليس جوياً كعادته في العراق؟. قد اراد التركي اقامة منطقة عازلة بشمال سوريا، ففعلها الروسي بما يعادي مصالح التركي و السعودي معاً. ف كيف تمثل التهديدات و الاشارات التركية السعودية بالتدخل البري في سوريا؟ تأتي الإشارات التركية السعودية بالتدخل البري في سوريا متزامنة و ذلك لرغبتهما الجامحة في تعديل ميزان القوي بالشمال السوري قبيل انطلاق جولات المفاوضات القادمة خلال اسابيع بحسب جون كيري، و بعدما عرض السعودي في اخر اجتماع للناتو في بروكسل العمل تحت مظلته فيما يخص التدخل البري، او تحت مظلة عربية اسلامية كما حدث في اليمن، لكن تبقي تلك الطموحات باهتة في ظل حرص الادارة الامريكية الحالية علي غلق الملف السوري تزامناً مع توديعها واشنطن، كما اتي الموقف المصري مغايراً لطموحات المملكة و فضّل الحلول السياسية، تبقي تلك الاشارات و التهديدات بالتدخل البري ليست سوي تهديداً و تلويح بالقوة، و جراً لواشنطن و الناتو لخوض حربِ ضروس بين روسيا و ايران، فقط لأجل مصالح معينة لدولتين.. خاصة بعد المدي الزمني القصير اسبوعين او اكثر قبيل بدء المفاوضات الجديدة. كما يُتوقع اسوأ السيناريوهات للتدخل البري بحسب العديد من المراقبين ان يكون كتقسيم برلين. مما رجح إلي الان كفة السوري و الروسي و الايراني الذين قطعوا شوطاً هاماً في السيطرة علي اهم بقع الصراع الجيوسياسية بالمنطقة و العالم تقريباً . و نجحوا في تطويق الطموح التركي بحزام كردي و سوري آتِ لينهوا بذلك الطموحات الجيوسياسية للتركي و السعودي او علي اقل تقدير دفعوها نحو العشوائية و التهور في اكثر مراحل الحرب حساسيةً في سوريا. فهل تعتبر حلب و معركة تطويقها أي تحريرها نهاية لأسوأ فصول الدمار و الخراب و القتل التي شهدها العالم في حقبته الحديثة؟.. وحده الجيش السوري من يملك الإجابة.