تشير تحركات المعارضة السورية إلى أنها لا تزال مقتنعة بأن لها دورا في حل الأزمة السورية، رغم أن مشعليها أرسلوا لها رسائل مباشرة أو غير مباشرة، بأن الحلول الروسية هي الأقرب للتنفيذ على الأرض، خاصة بعد انحسار موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتمترسه خلف مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الأقل فيما يتعلق بمناطق خفض التوتر، والتغاضي عن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، في الحكم حتى لو كان الحديث يدور خلف الكواليس عن المرحلة الانتقالية، وهو حديث كانت ترفضه المعارضة السورية جملةً وتفصيلًا في السابق. كان تشتت وفود المعارضة سببًا رئيسيًا في إجهاض سلسلة اجتماعات جنيف وفيينا، ودائمًا ما كان المبعوث الأمميلسوريا استيفان دي ميستورا، يطالبها بتوحيد جبهاتها الثلاث "موسكو، القاهرة، الرياض" لإنجاح المفاوضات بينها وبين ممثلي الحكومة. التقت فصائل المعارضة السورية في الرياض، أمس، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة للمشاركة في مفاوضات جنيف المقبلة في أكتوبر، وتأمل الأممالمتحدة أن تكون "جوهرية"، وكالعادة لا تستطيع المعارضة السورية اتخاذ أي قرار إلا من بوابة مشغليها، فالاجتماع الذي من المفترض أن يكون سوريًا خالصًا حضره ممثلون عن الجانب السعودي، حيث شارك في إحدى الاجتماعات وكيل وزارة الخارجية السعودية عادل المردود، على رأس فريق دبلوماسي من الخارجية السعودية، وبحثت هذه اللقاءات التي استمرت لساعات وعقدت 3 جلسات، مسألة تشكيل وفد معارض واحد لمفاوضة الحكومة السورية، وموضوعات خلافية كالتغييرات الدستورية إلى أن يتم إقرار الدستور الجديد، وكذلك وضع الرئاسة خلال المرحلة الانتقالية، على حد قول ممثل جبهة موسكو المعارض، قدري جميل. فيما مثّل الفنان السوري المعارض، جمال سليمان، جبهة القاهرة، وجورج صبرا، رئيس وفد الهيئة العليا مثّل جبهة الرياض. اللافت أن الجبهات السورية الثلاث تدور في الفلك الروسي، فجبهة موسكو متهمة بالأساس بمحاباة روسيا، كما أن مصر، حيث جبهة القاهرة، أبدت توافقًا مع موسكو في زيارة وزير خارجيتها سامح شكري الأخيرة، فروسيا تعتمد على مصر في اتفاق خفض مناطق التوتر في سوريا كطرف راع لهذا الاتفاق، وفي الأساس مصر تجاهر بأهمية الحفاظ على مؤسسة الجيش العربي السوري وهو الخصم اللدود للمعارضة السورية المرتهنة للخارج، كما أن القاهرة كانت قد استقبلت أكتوبر الماضي وبشكل علني اللواء علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، ومن جهته قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إن مصر لديها رغبة صادقة في تعزيز العلاقات مع سوريا، وبالتالي فالفصيل السوري المعارض بالقاهرة قد لا يخرج عن الأطر الروسية للحل في سوريا. وحتى بالنسبة لجبهة الرياض التي تدّعي أنها صاحبة الامتياز في تمثيل المعارضة السورية، فالحديث يدور الآن عن تقاربات سعودية روسية، تقاربات قد تفرضها شروط الميدان السوري، وسيطرة الجيش العربي السوري وحلفائه على غالبية المناطق في سوريا، ووفقًا لموقع روسيا اليوم، قال زهير الحارثي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي، إن "تحرك السعودية لإيجاد جبهة موحدة للمعارضة السورية بدعم روسي، من الممكن أن نسميه اختراقا حقيقيا للوضع الراهن المتجمد، ويبدو أن هناك رغبة أكيدة لإغلاق هذا الملف، وأنه أخذ أكثر من وقته". الموقف السعودي بالطبع لن يختلف عن موقف السيد الأمريكي، فالولاياتالمتحدة تراجعت عن برنامجها السري لدعم المعارضة، كما أنها اشترطت أن أي سلاح سيتم منحه لحركات المعارضة بما فيها الكردية التي تدعمها واشنطن هو سلاح موجه لقتال الإرهاب وليس للجيش العربي السوري، فضلا عن أن الرياض ليست في أحسن أحوالها، خاصة في ظل خلافها مع قطر، إذ تحاول الرياض والدوحة التنصل من التهم الأمريكية لهما بدعم الإرهاب، وهو الأمر الذي سيقوض بشكل كبير تحركاتهما لدعم الفصائل السورية المعارضة والتي التصقت بمعظمها تهم الإرهاب إما بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة للاندماجات والتحالفات، وهو الأمر الذي ألمح إليه وزير خارجية أمريكا السابق جون كيري، حينما أقر بصعوبة الفصل بين ما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة والجماعات الإرهابية. ويبدو أن المملكة السعودية تشعر أيضًا بوطأة ملف اللاجئين والعمليات الإرهابية التي انتشرت في أوروبا وكان آخرها حادث برشلونة وتبنته داعش، الأمر الذي سيجبرها على إغلاق هذا الملف سريعًا، خاصة أن التوافقات الأخيرة بين الجهات التي كانت تدعم داعش بالسلاح والمال وفتح الحدود، بدأت تعصف الخلافات بينها، فعلى إثر الأزمة الخليجية بين الرياض والدوحة انحازت أنقرة للأخيرة، وليس هذا فحسب فقد بدأت ترشح عن الرئيس التركي أردوغان، تصريحات يدعو فيها إلى تشكيل تحالف عسكري "تركي إيراني" لتقويض المشروع الكردي في العراق والشمال السوري، الأمر الذي يعزز العلاقة بين إيران وتركيا ويبعد أنقرة أكثر عن الرياض، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتفاق التركي الإيراني سيكون على حساب الأكراد، حلفاء واشنطن في الوقت الراهن، وفي الأساس كان تقارب أنقرة مع طهران من خلال "أستانا" بوصفهما دولتين ضامنتين لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا بالإضافة لموسكو. قد لا تكون الغاية الأساسية من الحديث الدائر حاليًا حول توحيد صفوف المعارضة السورية منحها مظهر القوة ككتلة واحدة، بل قد يحمل في جوهره بذور تقليص هذه الفصائل المعارضة سواء في الحجم أو الدعم تمهيدًا لتصفيتها، فالمعارضة تعلم يقينًا أنها لم تكن على المستوى المطلوب من قبل مشغليها، وهو الأمر الذي أفضى لتدخل الولاياتالمتحدة العسكري بشكل مباشر في سوريا، واستثناء هذه الفصائل من دعمها العسكري وتركيز دعمها على المليشيات الكردية كوحدات حماية الشعب التركية وقوات سوريا الديمقراطية، كما أنها لم تكن على مستوى تطلعات بعض داعميها في الداخل السوري، فالخلافات على النفوذ والأموال وتقاسم الغنائم عرّت هذه المعارضات، ناهيك عن ارتباط بعضها بعلاقات مع الكيان الصهيوني.