في أعقاب الصراع داخل البيت الأبيض بشأن الاتفاق النووي الإيراني الذي جرى توقيعه بين طهران وست قوى عالمية بينها الولاياتالمتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن نيته إلغاء الاتفاق، وأنه غير راض عن التزام وزارة الخارجية بالاتفاق، وشكل فريقا لمناقشة الخيارات المتاحة لإلغائه. إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، يعني إعادة فرض العقوبات الأمريكية التي رفعت بموجبه، وبالتالي إعادة ظهور خطر الحرب، وتخلي ترامب عن خطة العمل المشتركة سيكون بمثابة ضربة موجعة، لكن ليست قاتلة، فالاتفاق ليس بين الولاياتالمتحدة وحدها وإيران، بل أيضا الدول الأوروبية والصين وروسيا، وهي أطراف لديها القدرة على ردع ترامب عن المساس به. إذا كان لدى أوروبا الشجاعة السياسية لرسم مسار مستقل عن ترامب، يمكنها حماية المصالح الأمريكية والأوروبية عن طريق الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني، ويجب على أوروبا الإعلان بشكل استباقي أنها لن تتبع قيادة ترامب إذا قرر إلغاء الاتفاق، خاصة في غياب حجة عدم امتثال إيران لالتزاماتها النووية. وفي أعقاب انهيار المحادثات النووية عام 2005، اتفقت بروكسل على التعاون لفرض عقوبات على طهران، لاعتقادها وجود مصلحة مشتركة في وقف تقدم إيران النووي، وبالتالي، حال اعتزمت إدارة ترامب إلغاء الاتفاق، تشكك بروكسل في التزام واشنطن بمصالحهم المشتركة. على أوروبا إيضاح أن أي تعاون بشأن فرض عقوبات في المستقبل سيكون أمرا خطيرا، متضمنة المناطق التي تواجه فيها الولاياتالمتحدة وأوروبا التهديدات المشتركة مثل روسيا. يمكن لأوروبا العمل بشكل استباقي للتخفيف من عواقب أي إعادة لفرض العقوبات الأمريكية؛ من خلال إعادة تفعيل لائحة الاتحاد الأوروبي التي تحظر الامتثال للعقوبات الأمريكية التي تتجاوز الحدود الإقليمية، كما تحظر على الشركات الأوروبية أن تتبع العقوبات الأمريكية على إيران، لأنها تضر بمصالح بعض شركات الطاقة العملاقة الأجنبية والذين يستثمرون في قطاع الطاقة الإيراني. وبالتالي، يجب على الاتحاد الأوروبي تعديل هذه اللائحة؛ لإضافة جميع العقوبات الأمريكية التي رفعت بموجب خطة العمل الشاملة، وإذا فعل، سيرسل رسالة واضحة إلى إدارة ترامب، مفادها إذا تخلت الولاياتالمتحدة عن مصالحهما المشتركة، فإن أوروبا ستحافظ عليها بمفردها. سيكون الأثر العملي لهذه الخطوة مزدوجا؛ أولا، سيمنح الدول الأوروبية الثقة بأن حكوماتهم تحميهم من تطبيق العقوبات الأمريكية خارج الحدود الإقليمية، وثانيا، ستردع الولاياتالمتحدة عن تطبيق عقوباتها على الشركات الأوروبية. ستحتاج أوروبا إلى النظر للمستقبل، خاصة أن قوة العقوبات الأمريكية تنبع من قوة الدولار، فمعظم المعاملات التجارية الدولية تتم عن طريقه، ويمكن لأوروبا التخلي عن هذه الخطوة والابتعاد عن استخدام الدولار، فهذه التحركات قد تكون بمثابة تحذيرات قوية لمن يعتقدون أن أوروبا ستتخذ موقفا سلبيا حال فعل ترامب ذلك، فالمصالح الأمريكية الأوروبية لا يمكن أن تقع رهينة لبعض المجموعات في البيت الأبيض. يمكن لأوروبا تشجيع شركائها الدوليين على اتخاذ تدابير تضمن عدم فرض عقوبات أمريكية على إيران، وفعلت ذلك سابقا، حين حاولت واشنطن فرض عقوبات على طهران في أواخر التسعينات، حيث انضمت اليابان وكوريا الجنوبية وكندا والمكسيك إلى أوروبا. تبدو رغبة ترامب واضحة في عدم التزامه بالاتفاق النووي الذي يعود بالفائدة على الجميع، لكن الأصدقاء لا يسمحون لأحد بقيادتهم وهو في حالة سكر، وعلى الصعيد الدولي لا يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية شرطا مسبقا للحفاظ على علاقات قوية عبر الأطلسي. قبل التفاوض على الاتفاق النووي الناجح في يوليو 2015، اعتقدت واشنطن أن القادة الإيرانيين لن يستجيبوا للمطالب إلا إذا تعرضوا للضغط، لكن هذه الأسطورة تحطمت قبل عامين، ويبدو أن إدارة ترامب يجب أن تتعرض للضغط، ومن الحكمة أن تفعلها أوروبا. المصدر