يبحث الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ توليه مهام منصبه، عن ثغرة يدخل منها إلى دول العالم كمبرر لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي توصلت إليه الدول الست بعد مفاوضات ماراثونية شاقة، الأمر الذي ظهر مرارًا في تصريحات ترامب وإدارته، لكن إقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتزام إيران بالاتفاق، دائمًا ما تأتي لتعرقل هذه المحاولات الأمريكية. انطلقت في العاصمة النمساوية فيينا، المباحثات الثنائية بين الوفد النووي الإيراني، وبعض الوفود المشاركة في الاجتماع السابع للجنة المشتركة للاتفاق النووي، وبدأت المباحثات بلقاء الوفد الإيراني برئاسة مساعد وزير الخارجية، عباس عراقجي، ومدير دائرة أوروبا وأمريكا بوزارة الخارجية الإيرانية، مجيد تخت روانجي، من جانب مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا آمانو، ومساعدة مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، هيلغا اشميت، من جانب آخر، ومن المقرر أن يتم خلال الاجتماع مناقشة موضوع شراء إيران 950 طنًا من اليورانيوم المركز "الكعكة الصفراء" من كازاخستان خلال ثلاث سنوات، والمحاولات الأمريكية لنقض الاتفاق النووي. الاجتماع يعد الأول للجنة المشتركة بعد تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهامه عمله في البيت الأبيض، حيث عُقد الاجتماع السابق في 10 يناير الماضي، أي قبل عشرة أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، وكان الاجتماع الماضي عُقد بناء على طلب من وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي طالب بالاجتماع لبحث تهديدات ترامب خلال حملته الرئاسية بشأن الإخلال بتعهدات أمريكا في الاتفاق النووي. ويتزامن الاجتماع مع التصريحات التي يطلقها الرئيس الأمريكي ومسؤولو إدارته بشكل يومي تقريبًا في مختلف المناسبات، حول نقض التعهدات الأمريكية بشأن الاتفاق النووي، وتشديد العقوبات على إيران والدول المتعاونة معها، في محاولة أمريكية لإيجاد ثغرة واحدة للدخول من خلالها إلى الدول الشريكة في الاتفاق وطرحها على أنها نقض إيراني للاتفاق أو تهديد للدول الكبرى أو عدم التزام بالاتفاق. وكانت آخر التصريحات الأمريكية في هذا الشأن، ما قاله وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، حينما وصف الصفقة النووية مع إيران بأنها "دليل آخر على محاولة شراء سلطات البلد الذي لديه طموحات نووية"، مشيرًا إلى أن "طموحات إيران النووية تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن والسلام العالمي، وأن المعاهدة مع إيران لم تحقق الأهداف المرجوة، ولكنها أبطأت فقط في عملية تحول إيران إلى دولة نووية"، وهي التصريحات التي رد عليها وزير الخارجية الإيرانية، محمد جواد ظريف، بالقول إن الرئيس الأمريكي يبحث عن عذر لإنهاء الاتفاق النووي مع إيران، مهددًا بأنه لن يدع ذلك يحدث. في السياق، أشارت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية إلى أن إدارة ترامب تدرس إمكانية إعادة النظر في الاتفاقية النووية مع إيران، ما ينسف جهود سنوات عديدة من المفاوضات المضنية مع طهران، ونقلت الصحيفة عن خبراء ثقتهم بأن الصفقة النووية بين إيران وسداسية الوسطاء الدوليين على وشك الانهيار. كما استندت الصحيفة إلى تصريحات المتحدث الصحفي باسم البيت الأبيض، الذي أعلن عن مناقشات حثيثة تدور الآن في واشنطن حول النهج السياسي الأمريكي تجاه إيران، وقالت الصحيفة نقلًا عن مصادرها في الحزب الجمهوري، إن البيت الأبيض يفكر بجدية في إعادة النظر في الاتجاه الإيراني، وأن توصيات بتنفيذ سياسة البلد في هذا الاتجاه وحول برنامج الجمهورية الإيرانية النووي ستتخذ خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة، وأضافت المصادر أن "مناقشة سياسة الإدارة الحالية إزاء إيران تدور حاليًا على أعلى المستويات، وكثيرون غير راضين عن الاتفاقية التي وقعها الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2015، ويعتقدون أنها غير مربحة لأمريكا". في المقابل، يرى العديد من المراقبين أنه رغم تهور ترامب وتطرفه السياسي، لكنه لا يجرؤ على اتخاذ خطوة من طرف واحد لفسخ الاتفاق النووي أو الخروج منه؛ لأنه يعبر عن موقف موحد لكل من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ولأن ترامب يدرك جيدًا أنه في حينها لن تقف معه أي من الدول المشاركة في الاتفاق، خاصة أن روسيا والصين وفرنسا طالما حذروا واشنطن من تقويض الاتفاق أو نقضه، حيث صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مرارًا بأن موسكو ستبذل كل ما في وسعها للحفاظ على استمرار الاتفاق، فيما حث وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مرارًا الحكومات المعنية على الالتزام باتفاق إيران النووي، مضيفًا أن "التنفيذ الكامل للاتفاق يمثل مسؤولية جماعية لجميع الأطراف المعنية، ولا يجب أن يتأثر بأي تغيير في الظروف الداخلية لتلك الدول"، كما تعهدت فرنسا مرارًا بالدفاع عن الاتفاق النووي، وقال وزير خارجيتها، جان مارك إيرولت، إن المصلحة العامة تقتضي الامتثال لاتفاق لوزان النووي. ورأت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إنه من المستبعد تخلي الولاياتالمتحدةالأمريكية عن الاتفاق النووي مع إيران، حيث أكدت "أنه من الأمور المفروغ منها أن إدارة ترامب ستبقي على الاتفاق النووي قائمًا"، فيما رأت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن تراجع ترامب عن الاتفاق بشكل أحادي غير وارد؛ لأنه يدرك أن تراجعه عن الصفقة قد لا يحقق أي تأثير على إيران، لأن الاتفاق النووي يتضمن القوى العالمية الخمس الأخرى، والتي لم تُظهر أي اهتمام بإلغائها، ومن ثم فإن إيران وهذه الدول يمكن أن تبرم الاتفاق دون الولاياتالمتحدة. وأكدت الصحيفة أن العقوبات المفروضة على طهران قديمًا كانت فعالة في شل الاقتصاد الإيراني؛ لأن كثيرا من الدول أيدتها، لكن الآن إذا فرضت أمريكا مزيدا من العقوبات على إيران، فبإمكان الأخيرة الحصول على ما تحتاجه من أماكن أخرى، وأوضحت الصحيفة أن تصور ترامب عن صفقة أفضل لن يحدث، لأن التوصل إلى الاتفاق القائم كان شديد التعقيد والحساسية، واحتاج إلى سنوات عديدة لإنجازه، كما أنه تطلب خبرة دبلوماسية واسعة النطاق، وهذا لا يتوفر كاملًا في الإدارة الأمريكية الحالية.