يبدو أن إرضاء أمريكا وحليفتها الصهيونية أصبح غاية معظم الدول العربية، حتى وإن كان ذلك على حساب هيبة الدولة وسيادتها، في مقابل إطفاء نار الغضب في إسرائيل، ولو أشعلوها في نفوس الشعوب العربية، فالأردن خلال الأيام القليلة الماضية ضربت أكبر مثال في الوفاء للحليف الصهيوني، فبعيدًا عن الإدانات والاستنكارات العلنية، نجد أن الأدرن تنسق تحركاتها السياسية والعسكرية مع الاحتلال الصهيوني، إن لم نقل إنها تؤتمر بأوامره. الأردن تغلي.. من البرلمان إلى الشارع تعيش الأردن على صفيح ساخن منذ وقوع حادث السفارة الإسرائيلية، الأحد الماضي، والذي قتل خلاله اثنان أردنيان، وجُرح حارس إسرائيلي، فالشارع الأردني يضج غضبًا من تخاذل دولته في حق مواطنيه مع الاحتلال الإسرائيلي، لينتقل هذا الغضب سريعًا إلى الساسة والنواب الأردنيين، وهو ما اتضح خلال جلسه مجلس النواب، أمس الثلاثاء. تحولت قاعة البرلمان الأردني إلى ما يشبه حلبة مصارعة أو ساحة مبارزة، خاصة بعد أن ألقى وزير الداخلية، غالب الزعبي، كلمة لتوضيح ما حدث في حادث السفارة الإسرائيلية، مكررًا خلال كلمته الرواية الصهيونية التي تُدين الضحية الأردني، وتبرئ الحارس الصهيوني، حيث قال "الزعبي": إن ما حصل في المبنى التابع للسفارة الإسرائيلية هو عمل إجرامي، مضيفًا أن الشاب الأردني هو من بادر بضرب الموظف الإسرائيلي بالمفك، الأمر الذي دفع الموظف إلى إطلاق النار على المتواجدين في الشقة، مؤكدًا أن الحكومة الأردنية ستزود المجلس بنتائج التحقيقات فور الانتهاء منها. كلمة وزير الداخلية الأردني وتبريراته الاستفزازية للحادث أشعلت الغضب في نفوس النواب، الذين بادروا بالانسحاب من الجلسة، بعد أن وصفوها بأنها "لم ترتقِ لردة فعل الشارع الأردني"، وعلى رأسهم أعضاء كتلة الإصلاح النيابية، حيث قال النائب صداح الحباشنة إن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتباهى بإعادة موظف السفارة الإسرائيلية القاتل، وذلك بسبب ترويح حكومة هاني الملقي للقاتل. نتنياهو يتباهى ليغيظنا"، فيما قال النائب "خليل عطية" إن هناك حالة من الاحتقان في صفوف النواب بعد تسليم ضابط الأمن الإسرائيلي قاتل الأردنيين، وطالب البعض بإسقاط الحكومة على خلفية هذه الحادثة، كما رأى النائب خالد الفناطسة أن هناك حالة من محاولة إرضاء اسرائيل على حساب الدم الأردني، وقدم النائبان "خليل عطية" و"محمد هديب" مداخلات علنية عن عدم تحقيق مكاسب لمصلحة الأردن العليا بعد السماح بمغادرة القاتل الإسرائيلي ضمن صفقة سياسية. على أثر الانسحابات والمشادات الكلامية والملاسنات بين النواب، رفع رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، الجلسة، بعد مغادرة نواب للجلسة؛ احتجاجًا على حادثة السفارة، وقال "الطراونة": إن الموقف الحكومي لم يكن على مستوى الحدث، وعدم خروجها للتصريح خلال الحادثة أسهم في توتر الرأي العام، وتركه رهينة للمعلومات المغلوطة، مُعلنًا رفع الجلسة إلى الأحد المقبل بسبب مغادرة النواب. في ذات الإطار تساءل السفير الأردني الأسبق في تل أبيب، مروان المعشر، على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حول ما إذا كانت الحصانة الدبلوماسية تتيح قتل مواطني الدولة التي يعمل فيها الدبلوماسي المحصن، واستنكر المعشر طريقة التعامل مع أزمة رجل الأمن الإسرائيلي، قائلًا: لا أستطيع أن أجد تبريرًا مقنعًا لإعادة رجل الأمن الإسرائيلي بهذه الطريقة ولا للرواية الرسمية، وسأل المعشر: "أليس هناك حد أدنى لاحترام المواطن الأردني وهيبة الدولة؟ وهل الحصانة الدبلوماسية تتيح للدبلوماسي قتل مواطني الدولة التي يعمل فيها؟ مؤسف ومعيب ما وصلنا إليه". على جانب آخر كان الشارع الأردني ينبض بمشاعر الصدمة والظلم والخذلان، حيث انتفض آلاف الأردنيين ضد حكومتهم أمس الثلاثاء، مطالبين بإغلاق سفارة كيان الاحتلال الإسرائيلي، وإلغاء معاهدة السلام التي لا تحظى بشعبية، وذلك أثناء تشييع جنازة الشاب "محمد جواودة" الذي قُتل برصاص حارس الأمن الإسرائيلي في السفارة، وردد عشرات المتظاهرين هتافات ضد وجود سفارة الاحتلال في الأردن، ودعوا إلى الجهاد ضد إسرائيل، وتساءل البعض عن الحوادث المشابهة التي وقع خلالها أردنيون ضحايا للغدر الإسرائيلي، دون أن يتم محاسبة المجرمين، حيث استشهد الشاب "سعيد العمرو" في سبتمبر الماضي على يد قوات الاحتلال في منطقة باب العمود في القدس، بدعوى تنفيذ عملية طعن، كما سبق أن استشهد "رائد زعيتر" برصاص قوات الاحتلال في مارس عام 2014، على جسر الملك حسين، على الحدود بين الأراضي الأردنية وفلسطين المحتلة. وفي محاولة لتهدئة الغضب الشعبي إزاء مغادرة حارس الأمن الإسرائيلي الأردن دون محاسبته على قتل أردنيين، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن حارس الأمن يتمتع بحصانة دبلوماسية، ولكنه تعهد بتحقيق العدالة لضحايا الحادث الإجرامي، وأضاف الصفدي: لا صفقات ولا تفاوض فيما يتعلق بحق الأسر الأردنية التي قضى أبناؤها في الحادثة، وسنقوم بكل ما يتوجب علينا القيام به كدولة؛ لضمان الوصول لحقيقة ما جرى ولضمان تحقيق العدالة. إسرائيل الفائز الأكبر في الوقت الذي يشتعل فيه الشارع الأردني غيظًا، وتقف الحكومة مرتبكة صامتة أمام إحراج الكيان الصهيوني لها، تحتفل إسرائيل بعودة الحارس الصهيوني القاتل، مشيدة بطريقة تعامله مع الحادث، حيث التقى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، في مدينة القدسالمحتلة، مع السفيرة الإسرائيلية لدى الأردن "عينات شلاين" ورجل الأمن الإسرائيلي "زيف"، بعد عودتهما من الأردن، وقال نتنياهو: يسرني رؤيتكما، ويسرني أن الأمور انتهت كما انتهت، لقد عملتما بشكل جيد وبرباطة جأش، وكنا ملتزمين بإخراجكما، كانت هذه مسألة وقت فقط، ويسرني أن تم القيام بذلك خلال وقت قصير، أنتما تمثلان إسرائيل التي لا تنسى ذلك ولو للحظة. على جانب آخر اتفقت عمّان وتل أبيب، بعد استشهاد الأردنيين، على إزالة الأبواب الإلكترونية من محيط المسجد الأقصى، وهو ما حدث بالفعل، ولكن إسرائيل التفت على الاتفاق من خلال الاستعاضة عن البوابات بالكاميرات الحرارية، الأمر الذي أثار غضب الفلسطينيين الذين أكدوا أنهم لن يدخلوا الأقصي في وجود هذه الكاميرات، مؤكدين أن النتيجة واحدة، سواء بالبوابات أو الكاميرات، فكل الوسائل تصب في تقييد حرية العبادة في المقدسات الإسلامية الفلسطينية. بالنظر إلى مجمل الأحداث، سواء في الأقصى أو حادث السفارة الإسرائيلية في عمان أو الاتفاق الأردني الإسرائيلي، نجد أن إسرائيل المتسببة الرئيسية في الأزمة هي الفائز الأكبر، فمن خلال أحداث المسجد الأقصى استطاع الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع هناك وتحويط الأقصى ووضعه تحت سيطرة قوات الاحتلال، الأمر الذي يفرض تقييدات على المسلمين وحرية العبادة والصلاة فيه، ومن خلال أحداث السفارة والاتفاق الأردني خرج "نتنياهو" من مأزقه دون أن يفقد هيبة قراراته، وكأن الاتفاق الأردني أعطى نتنياهو السلم لينزل من قمة البركان الفلسطيني، كما تمكن الاحتلال من إعادة حارس سفارته القاتل بعد أن تمكن من سفك دماء أردنيين دون أي معاقبة أو حساب له وفقًا للاتفاق الأردني الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه لم يخسر الاحتلال أيًّا من أهدافه في الأقصى، فقد أزال البوابات بموجب الاتفاق مع الأردن؛ ليضع الكاميرات، فتقوم بنفس الوظيفة، وتحقق نفس الأهداف، ليبقى الأردن والملك "عبد الله الثاني" أبرز الخاسرين، فقد سعى إلى الظهور بمظهر المدافع الوحيد عن المقدسات الفلسطينية، لكنه فشل بعدما رفض الفلسطينيون الاتفاق، أضف إلى ذلك الغضب الشعبي الذي جناه من الاتفاق مع الصهاينة.