مع دخول صفقة منظومة "إس-400" المقرر توريدها من روسيا إلى تركيا، أظهرت الولاياتالمتحدة وجهها الحقيقي وأبدت غضبها من اقتراب إتمام الصفقة، في ظل توتر العلاقات بين أمريكاوتركيا، على خلفية دعم واشنطن لأكراد سوريا، الذين تعتبرهم أنقرة تهديدًا إرهابيًا لأمنها القومي. وأكدت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، أمس السبت، أن مفاوضات توريد منظومة الدفاع الصاروخية الروسية "إس-400" إلى تركيا، صفقة حقيقية دخلت مراحلها النهائية، ونقلت الصحيفة عن الخبير العسكري الروسي، الجنرال يوري نيتكاتشيف، قوله إن هناك عدة أسباب تشير إلى احتمال شراء تركيا المنظومة الصاروخية، أولًا، أن أنقرة تسعى منذ زمن لتحسين منظومات دفاعها الجوي، حتى أنها حاولت قبل عشر سنوات شراء منظومات صينية متوسطة المدى، لكنها لم تتم بسبب عدم جودتها، أما منظومات "إس-400″، تعد مثالية لتركيا لقدرتها على إسقاط الصواريخ البالستية أيضًا. والسبب الثاني أن الولاياتالمتحدة ودول الناتو الأخرى لن تورد إلى تركيا منظومات دفاع جوي حديثة؛ بسبب مشكلتي قبرص والأكراد في جنوب البلاد، والعلاقات التركية المتوترة مع كلا الطرفين، والسبب الثالث أن ما أقره مسؤولون أمريكان بعدم استطاعة عمل هذه المنظومة مع منظومات الناتو، هراء؛ لأن اليونان تملك منظومات "إس-300" وهي عضو في الناتو أيضًا، وهو ما أكده سفير تركيا لدى روسيا، حسين ديريوز، قائلا إن عضوية الناتو لا تعوق تركيا عن انتهاج سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، بما فيها توريد منظومات إس-400 الصاروخية. تأكيد صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" يتناسق تمامًا مع تصريحات المدير العام لشركة "روستيخ" الحكومية الروسية، سيرغي تشيميزوف، الذي أكد في وقت سابق أنه تم حل المسائل الفنية بشأن توريد "إس-400" إلى تركيا، ولم تبق إلا المسائل الإدارية، ومن شأن منظومة إس-400 ضرب الطائرات الاستراتيجية والتكتيكية والصواريخ الباليستية والأهداف فوق صوتية، وغيرها من الوسائل الهجومية الجوية في ظروف التشويش الإلكتروني وإجراءات مضادة أخرى. التأكيدات جاءت لتقطع الطريق عن الحديث الذي دار مؤخرًا بأن الإعلان، عملية إعلامية روسية- تركية هدفها رصد ردود أفعال دول الجوار، واستعراض قدرة روسيا على التعاون مع دول الناتو في المجال العسكري–التقني، ومحاولة من قبل تركيا لكيد الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تتبع سياسة معادية للمصالح التركية في سوريا، ومن جانب آخر لكيد الدول الأوروبية التي تعارض انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي وتنتقد في الكثير من المناسبات سياسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومن جانب ثالث، رسالة قوية لحلف الناتو الذي عرقل من قبل محاولات تركيا لامتلاك منظومة للدفاع الجوي من الصين، حتى لا تكون لديها الفرصة للاطلاع على تقنيات الناتو. ومع تسارع الأنباء حول قرب إتمام الصفقة الروسية التركية، ظهر القلق الأمريكي جليًا في تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، جوزيف دانفورد، الذي أعرب عن قلق واشنطن إزاء احتمال شراء تركيا منظومة "إس-400" الصاروخية للدفاع الجوي من روسيا، قائلا أمس السبت، ردًا على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن ترى مشكلة في صفقة شراء تركيا للصواريخ الروسية: "تناقلت وسائل الإعلام أنباء تؤكد أنها لم تكن صحيحة، الأتراك لم يشتروا منظومة إس-400 للدفاع الجوي، ولو فعلوا لأثار ذلك قلقا لدينا، لكنهم لم يفعلوا ذلك". تصريحات دانفورد تتناقض تمامًا مع تصريحات مماثلة أطلقها وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، قبل أسبوع، حيث قال إن الولاياتالمتحدة لن تعرقل خطوة أنقرة نحو امتلاك المنظومة الصاروخية، وأضاف ماتيس حينها: هذا قرار سيادي، وهذا كل شيء، لكنه أكد أن عمل منظومات "إس-400" لا تتطابق عمليًا مع المعدات العسكرية للناتو الذي تعد تركيا أحد أعضائه، وأضاف: تكمن المشكلة في كيفية ضمان عملها مع منظومات الناتو، لأنهما لن تعملا معًا أبدًا. يبدو أن الابتزاز السياسي سيكون عنوان المرحلة المقبلة بين تركيا من جانب وأمريكا وحلف الناتو والدول الأوروبية من جانب آخر، فسياسة الابتزاز لم تكن جديدة على النظام التركي الذي سبق أن أظهر مهارة عالية في استخدامها خلال أزمة اللاجئين مع الدول الأوروبية، ويبدو أنه بصدد اتباعها مجددًا مع الإدارة الأمريكية التي أحبطت الآمال التركية في كبح جماح الأكراد على الحدود السورية، بعدما زودتهم بالأسلحة رسميًا وجعلتهم يدها العليا في حربها ضد تنظيم داعش في سوريا، مهددة بذلك المصالح التركية هناك، إضافة إلى حلف الناتو والدول الأوروبية التي تتوتر علاقتهما مع تركيا سريعًا ليكون التعاون مع روسيا العدو اللدود للدول الأوروبية هو ورقة الضغط الأخيرة لأنقرة لإخضاع الدول الأوروبية لمطالبها.