في ظل لهث الكثير من حكام الدول العربية بما فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومع شيوع حالة من الإحباط في الأراضي الفلسطينية نتيجة تخلى العرب والمسلمين عن فلسطين، جاءت عملية الأقصى المبارك اليوم الجمعة لتضيء بصيص أمل لدى بعض الشعوب التي لا تزال متمسكة بقضية العرب والمسلمين المركزية، وتعيد إلى الأذهان دور المقاومة الفلسطينية في مكافحة الإرهاب الصهيوني ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني أراضيه ونزع الهوية الإسلامية عن مقدساته. أقدم ثلاثة من الشباب الفلسطيني اليوم الجمعة على تلقين الاحتلال الصهيوني درسًا عنيفًا في المقاومة، مفاده أن تدنيس قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى يوميًا لن يتم السكوت عليه كثيرًا، وأن محاولات نزع الهوية الفلسطينية والعربية والإسلامية عن المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك من خلال إقامة حفريات في باحاته أو مصادرة حقوق الفلسطينيين في الدخول إليه لن يمر دون عقاب، حيث نفذ الشبان الثلاثة عملية إطلاق نار داخل باحات المسجد الأقصى أدت إلى مقتل اثنين من شرطة الاحتلال وإصابه 3 آخرين بجروح، فيما جرى إطلاق النار على المنفذين بكثافة ليستشهدوا على وقع إصاباتهم، خاصة مع منع الاحتلال وصول الإسعاف إليهم. أظهرت هويات منفذي العملية في باحات المسجد الأقصى أنهم من أهالي مدينة أم الفحم بداخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948، وأكدت مصادر مواكبة للأحداث أن المنفذين الثلاثة من عائلة "جبارين" المقيمة في مدينة أم الفحم، كما استخدم المنفذين بندقيتين من نوع "كارلو" محلي الصنع ومسدسًا في الهجوم، كما عثر على سكين بحوزتهم. على وقع عملية الشباب الفلسطيني المقاوم، أغلقت قوات الاحتلال المسجد الأقصى بشكل كامل، وأعلنه منطقة عسكرية يمنع بموجبها على المصلين دخوله، كما منع إقامة صلاة الجمعة في الحرم القدسي، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها منع إقامة صلاة الجمعة في الأقصى منذ عام 1967، كما أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي البلدة القديمة، وبادرت القوات بإطلاق النار بشكل عشوائي على الموجودين في باحات الأقصى، كما شنت حملة اعتقال كبيرة ومسعورة هناك، حيث أكدت مصادر فلسطينية أن قوات الاحتلال اعتقلت سيدة و3 فتيات فلسطينيات في باب الأسباط بالمسجد الأقصى. من جانبها، اعتبرت حركة "حماس" اليوم الجمعة، أن العملية التي نفّذها ثلاثة فلسطينيين في المسجد الأقصى ردًا طبيعيًا على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة، وقال المتحدث باسم الحركة "حازم قاسم": عملية الأقصى اليوم هي تعبير عن إصرار الشباب الفلسطيني المنتفض على مواصلة حماية المسجد الأقصى من انتهاك الاحتلال، حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم ودمائهم، وتابع قاسم: عملية اليوم بقدر ما هي رد على جرائم الاحتلال وإرهابه، فهي رد على وجود الاحتلال أصلًا على الأراضي الفلسطينية، واغتصابه لمقدسات شعبنا، وبيّن المتحدث أن "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، لن توقف انتفاضته، ولن تمنعه من مواصلة المقاومة"، وختم بالقول: إن العملية تؤكد على اتجاه بوصلة النضال الفلسطيني نحو مقدسات وثوابت فلسطين. في ذات الإطار، باركت حركة الجهاد الإسلامي العملية التي وصفتها ب"عملية الدفاع البطولية" عن ساحات الأقصى، محملة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استمرار الاقتحامات والاعتداءات على الأقصى والمصلين والمرابطين في ساحاته، وقالت الجهاد: إن إقدام قوات الاحتلال على اقتحام الأقصى الشريف في يوم الجمعة بمثابة تعدٍ خطير كان يجب أن يُجابه بقوة وبسالة حتى يفهم الاحتلال أن الأقصى خط أحمر، وشددت على أن الشعب الفلسطيني لن يغفر للاحتلال عدوانه على الأقصى خلال شهر رمضان المبارك وقيام قوات الاٍرهاب الصهيوني المجرمة بضرب المصلين والتنكيل بالمعتكفين. تأتي هذه العملية الفلسطينية لتمثل صفعة على وجه الاحتلال الذي يحاول التعامل مع مدينة القدس والمسجد الأقصى بسياسة الأمر الواقع على اعتبار أن هذه المقدسات والأراضي الفلسطينية هي ملك للاحتلال الصهيوني، ليساعده في ذلك الواقع السياسي والدولي الذي أصبح ممهدا لاستقبال هذه الإجراءات دون اتخاذ أي ردود فعل، حيث اتخذ الاحتلال خلال الفترة الأخيرة العديد من الإجراءات لتدليس الحقائق، فقد عقدت الحكومة الصهيونية قبل شهرين اجتماع لها داخل نفق أسفل ساحة البراق لأول مرة منذ احتلال القدس، بقيادة رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، الذي زعم أثناء الاجتماع أنه كان لإتخاذ عدد من القررات التي تعزز صمود القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل وليهود العالم. وفي ذات الإطار، تقوم حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإجراء توسيعات وحفريات في ساحة البراق وباب المغاربة في القدسالمحتلة لبناء مراكز خدمات عامة للمستوطنين الذين يزورون حائط البراق بالإضافة للسياح الأجانب، وذلك في خطوة تُعد جزءا من مخطط كبير لاستيعاب ثمانية ملايين يهودي سنويًا عبر تشييد مبان استيطانية في محيط المسجد الأقصى، إضافة إلى مشروع 2040 الذي يهدف إلى إقامة مبان عالية وكنس في ساحة البراق، وحتى التوسع في محيط المسجد الأقصى من جهة سلوان، لتصب كل هذه المشاريع في الرؤية الصهيونية لتجهيز مدينة القدس لتصبح العاصمة الأبدية للشعب اليهودي كما يدعي.