وصل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، أمس الأحد، إلى العاصمة التركية اسطنبول قادمًا من أوكرانيا، لإجراء محادثات مع بعض القادة الأتراك، في محاولة جديدة لتسوية الخلافات التركية الأمريكية المشتعلة منذ الأشهر الأخيرة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والتي تصاعدت وتيرتها بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نتيجة لاختلاف الطرفين حول العديد من القضايا وعلى رأسها الأزمة السورية والمحاولة الانقلابية التركية التي وقعت في يوليو الماضي، وقد تصاعدت هذه الخلافات مؤخرًا بعد اشتعال الأزمة الخليجية التي تعتبر أمريكا هي محركها الرئيسي وتدعم خلالها السعودية على حساب قطر المدعومة بقوة من تركيا. عقب وصول تيلرسون، إلى اسطنبول، التقى بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، ومن بعده التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأكدت مصادر قريبة من الطرفين أن وزير الخارجية الأمريكي بحث الشأنين السوري والقطري مع نظيره التركي تشاوش أوغلو. وخلال حفل افتتاح مؤتمر النفط العالمي في اسطنبول، رحب وزير الخارجية الأمريكي بفشل المحاولة الانقلابية في تركيا في 15 يوليو 2016، وقال: "منذ ما يقارب العام، وقف الشعب التركي من رجال ونساء شجعان، ضد الانقلابيين، ودافعوا عن ديموقراطيتهم.. أنا أقر بشجاعتهم، وأكرم ذكرى الضحايا". على الرغم من أن اللقاء بين تيلرسون وأردوغان، استمر قرابة الساعه و40 دقيقة، فإنه لم تصدر أي بيانات واضحة من الطرفين عقب المحادثات، لكن الأجواء المُحيطة تشير إلى صعوبة حلحلة الأزمة بين الدولتين بهذه السرعة، حيث تعمقت الأزمة السياسية بينهما مؤخرًا ووصلت العلاقات إلى أدنى مستويات لها خلال الأشهر الأخيرة من رئاسة باراك أوباما، إلا أن أنقرة راهنت على فتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية التركية بعد تولي ترامب الرئاسة، على اعتبار أن الأخير يتبنى سياسة مناقضة كليًا لسلفه أوباما، لكن رياح ترامب هبت بما لا تشتهي سفن أردوغان، إذ انهارت آمال الأخير سريعًا بعد أن اتخذ ترامب قرارًا بالتقارب مع الأكراد في سوريا وتسليحهم رسميًا، ليدير بذلك ترامب ظهره إلى أردوغان والمصالح التركية في سوريا ويوجه صفعة لطموحات أنقرة بتعزيز نفوذها في الناحية الشمالية من سوريا على حساب الأكراد. الأزمة السورية لم تكن الخلاف الوحيد بين أنقرةوواشنطن، بل شكل الانقلاب التركي الذي وقع في منتصف يوليو الماضي حجرا عثرة في العلاقات السياسية بينهما، وانتظرت تركيا من حليفتها الأمريكية دعمًا كبيرًا بقدر العلاقات بينهما، إلا أن هذا عكس ما حدث تمامًا، إذ ماطلت الولاياتالمتحدة في تنفيذ طلب متكرر لتركيا بتسليمها الداعية فتح الله جولن، المقيم في واشنطن، الذي تتهمه أنقرة بأنه الرأس المدبر للمحاولة الانقلابية. بعد اشتعال الخلافات الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب وتركيا من جانب آخر، وصلت العلاقات بين تركياوأمريكا إلى حافة الهاوية، فعلى الرغم من حرص أمريكا على عدم إظهار دعمها المطلق للمملكة السعودية في أزمتها مع قطر، فإن هذا الدعم ظهر جليًا في العديد من الخطوات والتصريحات الأمريكية، فالخطوات التصعيدية من جانب السعودية أو الإمارات مربوطة ربطًا شرطيًا بالمباركة والضوء الأخضر الأمريكي، وهذا ما يفسر كثرة الزيارات والاتصالات الهاتفية بين الأطراف الأمريكيةوالإماراتية والسعودية والمصرية، وقد ظهر ذلك مؤخرًا في الاتصالات التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل يومين من اجتماع القاهرة الأخير، مع قادة السعودية والإمارات، وفي المقابل فإن الدعم التركي للحليف القطري في الأزمة الخليجية وصل إلى أعلى درجاته متحديًا الجانب السعودي الأمريكي، فأنقرة أرسلت مؤخرًا عددا من قواتها لتأمين الأراضي القطرية وأميرها تميم بن حمد، ضد أي هجوم أو انقلاب متوقع عليه، ناهيك عن تقديم أنقرة الدعم الغذائي للدوحة المُحاصرة من قبل جيرانها. في ذات الإطار، فإن تيلرسون بصدد القيام بجولة خليجية عقب انتهاء زيارته إلى أنقرة غدًا الثلاثاء، حيث اختار الكويت الوسيطة في الأزمة الخليجية لتكون محطته الأولى في هذه الجولة، الأمر الذي يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تتخوف من أن تخرج الأزمة الخليجية عن سيطرتها، ويرى مراقبون أن زيارة تيلرسون، إلى تركيا قبل يوم من الجولة الخليجية لم يكن عبثيًا بل هو محاولة أمريكية لوقف التصعيد من كافة الجوانب سواء القطرية التركية أو السعودية الإماراتية، ومنع تصعيد الأزمة إلى حرب إقليمية تتضرر فيها المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ويتقلص بسببها النفوذ الأمريكي في المنطقة.