ثلاثة أيام فاصلة في تاريخ العلاقات الهندية الإسرائيلية، هي المدة التي سيقضيها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في تل أبيب، لتتزامن الزيارة مع حلول الذكرى الخامسة والعشرين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والهند التي كانت من أكبر المنادين بالحقوق الفلسطينية قبل أن تسير على نهج الدول العربية المُطبعة مع الاحتلال. كسر الحواجز وصل رئيس الوزراء الهندي، أمس الثلاثاء، إلى تل أبيب، في زيارة تعد الأولى من نوعها منذ اعتراف الهند بإسرائيل في عام 1950، ومن المقرر أن يعقد مودي، خلال الزيارة التي تستغرق 3 أيام العديد من اللقاءات الرسمية، إضافة إلى زيارة منشآت ومصانع إسرائيلية، وتوقيع اتفاقات اقتصادية وتعاون في مجالات عدة، أهمها التعاون التكنولوجي، بعد أن أنهى الطرفان توقيع عدة صفقات فيما يخص التعاون الأمني والتسليح والتطوير المشترك للوسائل القتالية، ومن المقرر أن يشارك مودي، في مؤتمر لتوقيع اتفاق صناعي مع إسرائيل في مجال الابتكارات ومشروعات مائية مشتركة، وكذلك اتفاق تعاون في مجال الفضاء. قال رئيس الوزراء الهندي إن الزيارة تستند على صلة عميقة تمتد لقرون بين الشعبين، وتابع: يشاركني هذا الرأي الكثيرون من أبناء شعبي، الذين يرون بإسرائيل منارة تكنولوجية، كبلد نجح في البقاء على الرغم من أن كل الاحتمالات كانت ضده. من جانبه، أثنى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على رئيس الوزراء الهندي أثناء استقباله قائلًا: أنت قائد عظيم للهند وللعالم، ومعربًا عن ثقته بدفع العلاقات الثنائية قدمًا بين الجانبين وكسر الحواجز بينهما، وتابع نتنياهو: عندما التقينا في الماضي في أول حديث بيننا، قلت لي إن حدود العلاقات بين إسرائيل والهند هي السماء، وأنا أقول إن ذلك أكثر من السماء. تاريخ العلاقات الزيارة تأتي لتتويج العلاقات الهندية الإسرائيلية التي تسعى الأخيرة إلى ترسيخها وتعزيزها منذ سنوات من خلال الصفقات التسليحية لنيودلهي وغيرها من الشراكات الاقتصادية والتجارية التي نجحت تل أبيب من خلالها في جذب العملاق الهندي، الذي كان من أبرز المؤيدين والمنادين بالحقوق الفلسطينية والمعادين للأفكار الصهيونية، إلى الفلك الصهيوني بعيدًا عن التأييد للقضية الفلسطينية. بدأت العلاقات الهندية الإسرائيلية في خمسينيات القرن الماضي، حيث اعترفت نيودلهي بالكيان الصهيوني عام 1950، أي بعد عامين من تواجد الاحتلال في منطقة الشرق الأوسط في عام 1948، ومنذ ذلك الحين بدأت على استحياء العلاقات الاقتصادية والعسكرية والتجارية بين الطرفين لكنها ظلت سرية للغاية، بسبب خشية نيودلهي من خسارة العلاقات مع الدول العربية أو قطع وارداتها النفطية عنها وتسريح عمالتها في هذه الدول، حينما كانت الدول العربية معنية فعلًا بالقضية الفلسطينية، لكن في 29 يناير عام 1992 أقامت الهند علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل، بعدما رأت الهند أن الدول العربية والإسلامية نفسها لم تعد مهتمة بالقضية الفلسطينية وبادرت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، بدأت الهند تجاهر بعلاقاتها مع إسرائيل وتسعى إلى تعزيزها علانية دون حرج، لتأتي الزيارة الأخيرة التي يقوم بها مودي، إلى الأراضي المحتلة وتعلن انحياز نيودلهي الكامل للاحتلال الإسرائيلي وإنهاء الاهتمام الهندي بالقضية الفلسطينية. ويرى مراقبون أن زيارة مودي حققت أهم تطلعات الاحتلال الإسرائيلي وهي إنهاء الاهتمام والتعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، وإسكات أبرز الأصوات المنادية بالحقوق الفلسطينية، خاصة بعد تشديد الكيان الصهيوني على أن الزيارة لن تشمل أراضي السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، الأمر الذي يعني أن الهند جاءت إلى الأراضي المحتلة لتوثيق العلاقات مع إسرائيل متجاهلة الدولة الفلسطينية. لا شك أن العلاقات الهندية الإسرائيلية تخضع للعديد من المصالح مثل جميع العلاقات الدولية، لكن بالنظر إلى المنافع العائدة على كلا الطرفين، نجد أن إسرائيل المستفيد الأول والأكبر من تعزيز علاقاتها مع نيودلهي، فالأخيرة تعتبر بالنسبة لتل أبيب عملاقا كبيرا يمتلك موارد لا تنضب واقتصاد قوي يجعلها أكبر الاقتصادات في العالم وأكثرها نموًا، ناهيك عن موقعها الجغرافي الذي يجعلها مميزة بالنسبة للكيان الصهيوني، حيث تعتبر الهند بوابة إسرائيل الجنوبية إلى آسيا، وفي الوقت نفسه، فإن الهند تؤمن تل أبيب ضد التهديد الدائم من عدوها اللدود إيران، حيث تقع الهند بالقرب من الحدود الشرقيةلإيران، فمن خلال الصفقات الأمنية والعسكرية والتعاون الاستخباري بين الطرفين يمكن للاحتلال أن يستغل الهند في صراعه مع طهران، وهو ما تحاول إسرائيل الوصول إليه، خاصة بعد أن حققت نجاحًا في تنمية علاقاتها مع أذربيجان، الجارة الشمالية لطهران، فتكون بذلك إيران مُحاصرة من الشرق والشمال بحلفاء الاحتلال أذربيجانوالهند، أضف إلى ذلك أن الاحتلال فاز بصوت جديد يتحدث باسم مصالحه في المحافل الدولية. الصفقات والعلاقات التقاربية بين نيودلهي وتل أبيب لا يمكن أن تُعقد أو تحدث دون الرضى والضوء الأخضر الأمريكي، فالولايات المتحدةالأمريكية هي الدينامو الخفي الذي يشجع على تطوير العلاقات بين الجانبين وتسهيل تنميتها والسماح بالاتفاقات الأمنية والتسليحية الإسرائيلية للهندية بأن تتم، الأمر الذي يعني أن واشنطن أيضًا تملك مصالح وأهدافا تحققها من وراء هذه العلاقات، وعلى رأسها تهديد أعدائها اللدودين وهما الصينوروسيا، حيث موقع الهند الجغرافي يمكنه من الضغط على هاتين الدولتين وتشكيل جبهة تهديد بالنسبة لهما. أما بالنسبة للمصالح الهندية من هذا التقارب، فإن نيودلهي تعتبر أكبر مستورد في العالم للمعدات الدفاعية، وأصبحت الدولة العبرية أحد مورديها الرئيسيين، حيث ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن البلدين يقومان بتوقيع صفقات دفاعية تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار سنويًا، وتستثمر الهند عشرات المليارات من الدولارات لتجديد معداتها العائدة إلى الحقبة السوفييتية لمواجهة التوترات مع الصين وباكستان، كما أن إسرائيل ثاني أكبر شريك عسكري للهند بعد روسيا، والهند أكبر سوق للسلاح الإسرائيلي، كما أن الهند أيضًا ثاني أكبر شريك اقتصادي لإسرائيل. في ذات الإطار، أبرمت الهند عددًا من الاتفاقيات الدفاعية منذ وصول حزب الشعب الهندي "باراتيا جاناتا" إلى الحكم عام 2014، وفي إبريل الماضي، أبرمت الهند مع شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء" الحكومية اتفاقًا بقيمة حوالي ملياري دولار، وهو ما وصف حينها بأكبر صفقة دفاعية في تاريخ الدولة العبرية، وبموجب الاتفاق، ستقوم الشركة الإسرائيلية بتزويد الهند بمنظومة دفاعية متقدمة من صواريخ أرض جو متوسطة المدى، وقاذفات، وتكنولوجيا اتصالات، فيما تم الإعلان في وقت لاحق عن صفقة قيمتها 630 مليون دولار لتزويد البحرية الهندية بأنظمة الدفاع الصاروخ. الهند غطاء للتطبيع بالنظر إلى التقارب الإسرائيلي الهندي وتوقيت زيارة رئيس الوزراء ناريندار مودي، إلى تل أبيب، وتزامنها مع الحديث عن صفقات عسكرية واقتصادية وتجارية وثقافية وتطبيع كامل بين بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات، نجد أنه يصعب الفصل بين الحدثين خاصة أن الرياضوأبوظبي يمتلكان علاقات استراتيجية مع نيودلهي ترتكز على الطاقة واليد العاملة لعقود من الزمن، كما قام رئيس الوزراء الهندي بزيارات تاريخية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة، ناهيك عن صفقات هندية إماراتية تصل إلى 13 اتفاقية تم توقيعها مطلع العام الجاري وتشمل شراكة استراتيجية بين الطرفين، الأمر الذي يشير إلى أن العلاقات بين الدول الخليجية والهند وإسرائيل ستشكل دائرة مصالح ضخمة، تتشارك فيها الأطراف الثلاثة المصالح والمخاوف والتهديدات التي يأتي على رأسها التخوف الخليجي الصهيوني الهندي من إيران وعلاقاتها مع روسياوالصين. يرى البعض أن العلاقات بين الأطراف الثلاثة الخليجية والإسرائيلية والهندية ستمكن الأخيرة من إدارة العلاقات بين الدول الخليجية الساعية إلى التطبيع مع إسرائيل بشكل غير علني، حيث ستعقد هذه الدول العربية والخليجية صفقات واتفاقات مع إسرائيل لكن تحت مسمى هندي، مثل الإمارات التي ترفض حتى الآن أن تقيم علاقات دبلوماسية معلنة مع إسرائيل لكنها في الوقت نفسه تتعاون مع رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يستثمرون فيها عبر شركات إسرائيلية مُسجلة في دول أخرى في العالم، وكأن أبوظبي تقول للمستثمرين الصهاينة "تعالوا واستثمروا عندنا ولكن بشكل غير علني أي تحت مسميات شركات أخرى سواء غربية أو أوروبية"، إضافة إلى أن هناك العديد من المحال والمتاجر الإسرائيلية قامت بافتتاح أفرع لها في دبي خلال السنوات الأخيرة تحت مسميات أخرى مثل رجل الأعمال الإسرائيلي، ليف لفيف، الذي افتتح متاجر هناك من خلال رجل أعمال إماراتي يدعى عاطف بن خضرة تقوم ببيع منتجات إسرائيلية من إنتاج شركة "لفيف"، وهو ما أكده أيضًا المستشار القانوني لجميعة الصداقة الإسرائيلية العربية، عادي براونشتين، الذي قال إن هناك ما يقرب من عشر شركات إسرائيلية تمتلك استثمارات في دبي، وتتركز أغلب أنشطتها في مجال الزراعة، ومعظمها شركات إسرائيلية مُسجّلة في قبرص أو لندن أو الهند وتتعامل مع دبي باسم هذه الدول وليست باسم إسرائيل.