دشنت زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى إلى إسرائيل خلال الفترة من 4 6 يوليو2017، مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، والاتجاه نحو تكريس شراكة استراتيجية تحكمها المصالح الاقتصادية والأمنية والدفاعية، باعتباره أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، بمناسبة مرور 25 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب ونيودلهي. وقد اتسمت العلاقة بين الهند وإسرائيل - على مدى أكثر من أربعة عقود - بالتوتر والتحفظ على خلفية موقفها من القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، بينما اختلف الأمر في التسعينيات، وأقيمت علاقات دبلوماسية بين الجانبين الهندي والإسرائيلي عام 1992، وجاء وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى الحكم عام 1998 ليشكل بداية جديدة للتعاون بين نيودلهي وتل أبيب، وسرعان ما تطورت هذه العلاقات تشجعها التطورات الإقليمية والدولية بحيث وصلت إلى علاقات تعاون إستراتيجي في بعض المجالات وخاصة الدفاع. كانت الهند قد شرعت - منذ عام 1952 - بمناقشة الخطوات المطلوبة لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، إلا أن المتغيرات الإقليمية والدولية حالت دون ذلك، وخصوصاً مشاركة الهند مع مصر ويوغوسلافيا في حركة عدم الانحياز، والصداقة الشخصية التي ربطت نهرو بالرئيس عبد الناصر، ومع ذلك فإن هذه المعطيات لم تمنع حصول تعاون خفي وسري بين البلدين خصوصاً في المجالات الأمنية والدفاعية، على غرار صفقة الأسلحة التي حصلت عليها الهند من إسرائيل أثناء حرب التيبت التي خاضتها ضد الصين عام 1962، وكذلك حصلت الهند على مساعدات عسكرية إسرائيلية أثناء حربها مع باكستان ما بين عامي (1965-1971). لماذا هذا التحول؟ جرت في مياه العلاقات بين الهند وإسرائيل تحولات كثيرة ، مهدت لتلك الزيارة التي وصفتها إسرائيل ب "التاريخية" حيث زار مستشار الأمن القومي الهندي، إسرائيل في مارس الماضي، للتمهيد لزيارة مودي، وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية وقتها عن تحول جوهري في سياسات نيودلهي، والتي وصفها محللون وخبراء إسرائيليون، أنها تأتي دليلا على تغير المزاج العام الهندي. وفي إطار هذا التقارب، زار الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الهند في نوفمبر الماضي. كما زار وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري أريئيل، الهند قبل أسبوعين والتقى مع مودي أيضا. ويؤكد الخبراء أن العلاقات الهندية الإسرائيلية قد تخطت حدود الوفاق الآنى المؤقت، ودخلت علاقاتهما فى مرحلة جديدة تتناسب متطلباتها واستحقاقاتها مع حسابات ومصالح جديدة ومتجددة خاصة بكل طرف. مصالح وأهداف مشتركة يكمن وراء التحول في علاقات الهند بإسرائيل جملة من الأهداف الاستراتيجية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية، يأتي في مقدمتها، رغبة الهند في تطوير وتحديث قدراتها العسكرية ببعديها التقليدي وفوق التقليدي، وبحسب معهد دراسات السلام الدولي في ستوكهولم، فإن الهند أصبحت الآن أكبر وجهة للأسلحة الإسرائيلية، حيث بلغت الصادرات حوالي 599 مليون دولار العام الماضي، حيث تعد إسرائيل ثالث مصدر للأسلحة للهند، بعد روسيا وأمريكا. وقد وقعت مجموعة الصناعات الجوية الإسرائيلية - في أبريل 2017 - صفقة بملياري دولار، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ إسرائيل، لإمداد الهند بنظام دفاع جوي صاروخي، خاصة أن الهند استخدمت في السنوات الأخيرة تكنولوجيا إسرائيلية لإدارة مورادها المائية، من أنظمة التنقيط الزراعية في ولايات، مثل الغجرات، إلى محطة تحلية مقترحة في تشيناي. وبموجب الاتفاق، ستقوم الشركة الإسرائيلية بتزويد الهند بمنظومة دفاعية متقدمة من صواريخ (أرض- جو) متوسطة المدى، وقاذفات، وتكنولوجيا اتصالات، وتم الإعلان في وقت لاحق عن صفقة قيمتها 630 مليون دولار لتزويد البحرية الهندية بأنظمة الدفاع الصاروخية. كما تدرك الهند أن إسرائيل عامل مهم في تمتين العلاقات مع واشنطن، لما لذلك من انعكاسات هامة في قضية كشمير من جهة، وفي فتح أسواق لمنتجاتها في الأسواق الأوروبية والأمريكية من جهة أخرى. واعتبرت دراسات سياسية أن صعود مودي إلى الحكم في الهند عام 2014، نقطة تحول هامة لتغير تاريخي في الهند، وكذلك لتغيرات في علاقات الهند الخارجية، إذ أعلن الحزب اليميني الحاكم (حزب الشعب الهندي) عن تحولات هامة في علاقات الهند الخارجية، ارتكزت على ثلاثة مواضيع مركزية: انتهاج سياسة متشددة في قضايا الأمن القومي، تسريع المرحلة الثانية في الإصلاحات الاقتصادية النيو – ليبرالية، وتمجيد فكرة القومية – الثقافية، وأن مودي يمثل جيلا جديدا في السياسة الهندية التي تؤمن بالبراجماتية الاقتصادية. أما إسرائيل فيدفعها إلى تمتين علاقاتها مع الهند، أهداف ومصالح استراتيجية، يأتي في مقدمتها، المصالح الاقتصادية، إذ تنظر إسرائيل إلى زيارة مودي باعتبارها خطوة هامة للغاية في تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة وأن الهند دولة ضخمة فيها أكثر من 1,25 مليار نسمة، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم وأكثرها نمواً، ولذا تهدف إسرائيل إلى اختراق السوق الهندية، والتى أصبحت مفتوحة بالفعل أمام المنتجات الإسرائيلية. وتنظر إسرائيل إلى الهند باعتبارها ساحة مهمة يفضى إليها مضيق باب المندب، الذي تمر عبره الصادرات الإسرائيلية المتجهة إلى جنوب آسيا وشرقها، كما ترتبط الهند بصلات استراتيجية وثقافية قديمة العهد مع آسيا الوسطى الغنية بمصادر الطاقة، حيث تتسابق مع منافستيها، الصينوباكستان، للفوز بمواقف نفوذ فيها، وإسرائيل ليست أقل اهتماما بهذه المنطقة، حيث يحدوها الرغبة فى استمرار تدفق النفط والغاز من هذه المنطقة بدون عوائق، وذلك بضمان أسعار منخفضة لمصادر الطاقة. كما تسعى إسرائيل إلى تطوير برنامجها النووي، وتصدير خبراتها التكنولوجية وجذب تمويلات خارجية لأبحاثها، بهدف إضافة المزيد من التطوير إلى قدراتها المتنوعة. يبقى القول أن ثمة مجالات للتعاون المشترك بين نيودلهي وتل أبيب من بينها، مكافحة الإرهاب والتعاون الذري والتعاون الأمني والعسكري والفضائي والتجاري، الأمر الذي يمثل لبنة أخيرة في تحول العلاقات بين الهند وإسرائيل من التحفظ إلى الشراكة الاستراتيجية بعيدة المدى.