تشهد ليبيا معركة عنيفة للسيطرة على العاصمة طرابلس، حيث يحاول رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل، إقصاء رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، من المشهد السياسي الليبي، وذلك لضمان موقع له في إدارة البلاد إلى جانب المشير خليفة حفتر. طرابلس الملتهبة معركة السيطرة على المقار الحكومية في طرابلس لا تبدو حربًا عبثية، على الأقل هذه المرة، فلرئيس حكومة الإنقاذ الليبي خطة للاستحواذ على مناطق نفوذ السراج، وفرض نفسه كرقم سياسي صعب لا يمكن تجاوزه في المشهد الليبي المرتبك. ففي القراءة السياسية هناك اتفاق دولي على تسليم قيادة البلاد لقائد الجيش الليبي المشير حفتر، ولذا يحاول الغويل، أن يحجز لنفسه مكانًا في إدارة ليبيا مستقبلًا، الأمر الذي أدى لنشوب اشتباكات في العاصمة الليبية بمناطق حي الأكواخ، بوسليم، والهضبة، بالإضافة لمناطق تقع في وسط المدنية وجنوبها. وتدور المعارك بين قوات الردع والتدخل المشترك التابعة للسراج، وقوات الحرس الوطني التابعة للغويل، فيما يسمى بحرب السيطرة على العاصمة الليبية، وآخر معارك هذه الحرب اندلعت الأربعاء الماضي، حيث يحاول الغويل، وضع يديه من جديد على المقار الحكومية لإخراج السراج، من المعادلة السياسية المقبلة، قوات الغويل، تمكنت من السيطرة على مقر الفرقة 29 في مشروع الهضبة جنوبطرابلس، استغلالًا لغياب السراج، حيث استقدم الغويل، قواته من مصراتة مع عتاد عسكري ثقيل. وعلى الرغم من التطورات المتصاعدة في ليبيا، التي أفضت لسقوط ضحايا، لم يقطع السراج، زيارته لتركيا التي بدأت الأربعاء الماضي، أيضًا، كما أن المجلس الرئاسي في صمت مطبق، وهو الأمر الذي استهجنه مراقبون، خاصة أن مقر المجلس بات قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح تحت قبضة الغويل. في المقابل، يقول آخرون إن زيارة السراج لأنقرة تخفي وراءها العديد من علامات الاستفهام، خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، توقيع اتفاقية مع السراج، تتضمن دعم ما يسمى الحرس الرئاسي، وكما هو مفترض، فإن الحرس الرئاسي هو المسؤول عن تأمين وحماية مؤسسات السراج، الأمر الذي ينذر بتصعيد عسكري وشيك بين السراج والغويل. ويحاول الغويل، من تحركاته الأخيرة، الحلول مكان السراج، ووضع يده بيد حفتر، في ظل تواتر أنباء عن تسليم المشير الليبي قيادة البلاد وفق مبادرة دولية وإقليمية، ففي الأروقة السياسية يجري الحديث عن مراجعة لاتفاق الصخيرات. المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، قال في جلسة لمجلس الأمن، إن "المباحثات حول تعديلات محتملة لاتفاق الصخيرات ولا سيما حول دور سياسي محتمل لحفتر أحرزت تقدمًا في الشهرين الماضيين"، وأضاف: "إنني مقتنع بإيجاد إطار في الأسابيع المقبلة تحل هذه المسائل من خلاله"، وكان كوبلر، حريصا على موافقة مجلس النواب في طبرق على تعديل اتفاق الصخيرات، وعلى أن لا يعيد مجلس طبرق سيناريو العام الماضي الرافض لحكومة الوفاق. ويرى مراقبون ليبيون، أن الغويل، يحاول أن يجد لنفسه موقع قدم في أي ترتيبات دولية قادمة، ويساعده على ذلك أن اتفاق الصخيرات المنتهي، لم تعد له أي قيمة، وبالطبع يشاطره الرأي في ذلك برلمان طبرق، وبالتالي لم يعد هناك مبرر لوجود المجلس الرئاسي في ظل قدرة القوات المسلحة العربية "عملية الكرامة" على حسم معاركها في مواجهة الإرهاب، بعد أن استطاعت تخليص المنطقة الشرقية من تنظيم داعش الإرهابي وأنصار الشريعة. ومن هنا يحاول الغويل، اللعب على المتناقضات بين السراج وحفتر، فأي تقارب بين السراج وحفتر، يتوقف على حسم ملفي رئاسة الدولة وقيادة الجيش، والسراج لن يكون قادرًا على حسم أي ملف في حال تمكن الغويل من إضعاف نفوذه في طرابلس. فياض مرشحا لخلافة كوبلر حتى اللحظة لم يُقرّر مجلس الأمن الدولي الموقف من "طلب مفاجئ" لأمين عام الأممالمتحدة الجديد، أنطونيو جروتيريش، يطلب فيه تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا بدلا من الألماني مارتن كوبلر. المرشح الحالي هو الفلسطيني، سلام فياض، وهو خبير مالي اتخذ "صبغة دولية"، بسبب عمله في مؤسسات مالية دولية، فقد تنقّل من البنك الدولي إلى صندوق النقد الدولي، قبل أن يُحوّل مساره إلى السياسة عن طريق البرلمان الفلسطيني أولا، ثم رئيسا لحكومة فلسطينية قيل إن "علاقاته العميقة" مع الأميركيين دفعت إلى تشديد الضغوط على الرئيس الراحل ياسر عرفات لتعيينه في هذا المنصب. وفي حال اعتماد فياض، كمرشح لكوبلر، فإنه سيكون رابع مسؤول أممي لليبيا، بعد اللبناني طارق متري، والإسباني ليوناردينيو ليون، والألماني كوبلر. يذكر أن مقطع فيديو تم نشره على المواقع الإلكترونية، يتضمن تسريبا لاجتماع في مالطا، شكل فضيحة لكوبلر في ليبيا، وكشف دور المبعوثين الأمميين في السيطرة على القرارات السياسية لليبيا، حيث ضم رئيس البعثة الأممية، كوبلر، وعضو المجلس الرئاسي علي القطراني، وعددا من أعضاء مجلس النواب، ويظهر في الفيديو القطراني وهو يحمّل كوبلر المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع. ويأتي طلب جروتيريش، بالبحث عن بديل لكوبلر، بعد ساعات قليلة تلت إحاطة للأخير قدمها حول مستجدات الحال الليبي إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، والتي أعاد فيها تكرار "الاسطوانة القديمة"، و "نظريات" لم يعد يقبلها الشارع الليبي الذي عانى الأمرين اقتصاديا وخدماتيا، إلى درجة أصبحوا يلقبونه معها ب"الشيطان".