بعد يوم واحد من انتهاء محادثات السلام السورية في العاصمة الكازاخستانية «أستانا» والتي قامت برعاية روسية تركية إيرانية، توجه الملك الأردني عبد الله الثاني إلى روسيا في محاولة لإطلاع العرب على الصورة بأكملها، وذلك في وقت بدا واضحًا فيه قرب حل الأزمة السورية واتفاق الدول الإقليمية الضامنة على التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار. وبخلاف هذا الهدف كان لزيارة العاهل الأردني أبعاد أخرى كالتي تتعلق بالتسوية الفلسطينية وتعزيز العلاقات الثنائية مع موسكو بالتزامن مع انقلاب موازيين القوى الدولية في الآونة الأخيرة وتعزيز الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط. وشهدت موسكو أمس قمة روسية أردنية، وبحسب الكرملين، «بحث الزعيمان المسائل الملحة على جدول الأعمال للعلاقات الروسية الأردنية، بما في ذلك آفاق تعزيز التعاون في المجالين التجاري-الاقتصادي والإنساني»، كما يولي الزعيمان اهتماما كبيرا للقضايا المحورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع التركيز على اتخاذ خطوات مشتركة لمواجهة الإرهاب الدولي. ولأن زيارة العاهل الأردني إلى موسكو تأتي بعد اجتماع محادثات السلام السورية في أستانا لتثبيت الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 30 ديسمبر، حازت هذه المحادثات على اهتمام واسع من الجانبين، لاسيما وأن الحضور العربي الباهت كان من بين ما أخذ على المؤتمر، وثمة آراء في الأوساط الأردنية تؤكد أن توقيت الزيارة غداة انتهاء المحادثات يعد مهما لإطلاع الجانب الأردني على التوجهات الروسية المقبلة في سوريا، ودور عمان في المستقبل لاسيما وأن هذا البلد له نفوذ مباشر على الحدود السورية خاصة الجنوبية للمملكة. وأكد الرئيس الروسي فلادمير بوتين ارتياحه لمواصلة الحوار بشكل ثابت على أعلى المستويات بين البلدين، شاكرا الأردن على دعمه لمحادثات أستانا، فيما أشاد العاهل الأردني بالدور الروسي الذي وصفه بالمهم في حل النزاع السوري ونزاعات دولية أخرى. وبعيدًا عن مناقشة المحادثات السورية كان من بين أهداف هذه الزيارة هو مناقشة مستقبل القضية الفلسطينية، لاسيما بعد وصول «ترامب» إلى سدة الحكم ونيته التسرع لإصدار قرارات مستفزه للفلسطينيين ومؤيدة للاحتلال الإسرائيلي وخاصة نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة ومحاولة التعرف على تعامل الإدارة الروسية مع هذا الملف والتنسيق فيما بينهما. والتقى الملك الأردني قبل توجهه إلى روسيا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، حيث بحث الجانبان خطط التحرك في المرحلة المقبلة بشأن القضية الفلسطينية والتحديات التي تواجها وكيفية الرد على المخططات الإسرائيلية، في ظل إدارة أمريكية جديدة، مفاصلها تحت سيطرة عناصر معروفة بدعمها وولائها للكيان الصهيوني، وأكد الملك الأردني على أن حماية القدس واجب أساسي بالنسبة للأردن، وأية محاولات لتغيير الهوية الإسلامية والمسيحية والعربية للمدينة المقدسة هي مرفوضة بالمطلق. وتؤكد مصادر فلسطينية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس حمل العاهل الأردني الملف الفلسطيني إلى روسيا وأمريكا لاسيما وأن هناك زيارة مرتقبة إلى واشنطن، لمحاولة دفع الإدارة الأمريكية الجديدة لرعاية جهود أقل انحيازا لإسرائيل، لعودة المفاوضات التي تضبطها اشتراطات محددة، تضمن نجاح العلمية السياسية في مقدمتها وقف الاستيطان. من جانب آخر رأت أوساط أردنية أن عمان ترى في هذه الزيارة هدفًا مهمًا وهو تمتين العلاقة مع موسكو ضمانا آخر لأمنها الاستراتيجي يضاف إلى شبكة العلاقات التي يملكها الأردن مع كبريات العواصمالغربية، خاصة وإن العلاقات الأردنية الروسية شهدت تطورات عدة في الفترة الأخيرة لاسيما مع تعدد زيارات العاهل الأردني إلى روسيا.