شهدت القاهرة في الفترة الأخيرة حراكًا ليبيا، وعقدت أطراف ليبية بها العديد من الاجتماعات المهمة، في محاولة لحل الأزمة المستمرة منذ ما يقرب من 6 أعوام، في ظل جمود سياسي يشهده الملف، خاصة بعد مرور عام على توقيع اتفاق الصخيرات الذي لم يحظ بموافقة البرلمان الليبي حتى الآن. "البديل" حرص على لقاء المستشار القانوني السابق للجيش الوطني الليبي رمزي الرميح، للتعرف على آخر تطورات الأزمة الليبية وما توصلت إليه نتائج اجتماعات القاهرة. وإلى نص الحوار.. كيف ترى اجتماعات القاهرة في الفترة الأخيرة لحل الأزمة الليبية؟ بصفتي متابعا للشأن الليبي وفي المطبخ السياسي، بحكم أنني كنت مستشارًا قانونيًا في المكتب التنفيذي لأول حكومة تؤسس عام 2011، كما أنني كنت مستشارا قانونيا للقوات المسلحة الليبية، صرحت أكثر من مرة وعبر أكثر من وسيلة إعلامية أنه يجب تسليم ملف الأزمة الليبية لمصر، وهذا ليس مجاملة للقاهرة، ولكني أعي جيدًا من هي مصر وتاريخها، وهي قامت بواجبها وكان التقصير للأسف الشديد من الجانب الليبي الذي سمح أن تكون ليبيا ألعوبة في أيدي القوى الإقليمية والدولية. وفي القاهرة مؤخرا، عقدت اجتماعات مهمة جدًا أكدت أن الجانب المصري تنبه لخطورة الوضع في ليبيا، والرئيس السيسي كلف الفريق محمود حجازي، بتولي ملف ليبيا بالكامل، وقام يومي 12 و13 من شهر ديسمبر الماضي بعصف ذهني مع نخبة من الشخصيات الليبية في اجتماع استمر لأكثر من 19 ساعة نتج عنه بيان يعتبر الأقوى، حيث شخص الحالة في ليبيا في 7 نقاط تعتبر ثوابت الدولة الليبية و5 نقاط لحل الأزمة. هل أصبح اتفاق الصخيرات الذي مر أكثر من عام على توقيعه عائقا وليس حلا للمشكلة الليبية؟ اتفاق الصخيرات ولد ميتا ومشوها، وللأسف الشديد لم يحظ بتوافق داخلي في حين حظي بتوافق خارجي، وهو على كل حال ليس مقدسا، وهذا ما اقتنعت به الإدارة المصرية عبر اجتماعات عديدة، ورأت ضرورة تعديل بنوده، وهذا تمحور في الاتفاق على 5 نقاط جوهرية جدًا، تمثلت في تغيير وتعديل المجلس الرئاسي المكون من 9 أشخاص إلى رئيس ونائبين فقط، رئيس من أحد أقاليم ليبيا الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان) ونائبين من الإقليمين الآخرين. النقطة الجوهرية الثانية تتعلق بالقائد الأعلى للجيش الليبي، وهو وفق اتفاق الصخيرات رئيس المجلس الرئاسي، وهذا ما رفضه مجلس النواب، ورفضه المشير الركن خليفة حفتر، والنقطة الثالثة هي إبعاد المؤسسة العسكرية عن العملية السياسية بحيث تكون مهمتها حماية الحدود الليبية ومحاربة الإرهاب، والنقطة الرابعة هي لجنة الحوار، وهي لجنة إخوانية بامتياز ولا تمثل الشعب الليبي بكل مكوناته، وهو خطأ تجنبه المجتمعون مؤخرا في القاهرة حيث اتفق على تغييرها لتمثل الأمة الليبية. هل انضم أعضاء من النظام السابق لاجتماعات القاهرة؟ النقاط الخمس والثوابت السبع تم عرضها على نخبة من السياسيين الليبيين أغلبهم من النظام السابق، وقد أدركت مصر مؤخرًا أن النظام السابق ورجاله رقم صعب في ليبيا، وربما يكون الأصعب في يوم من الأيام، فأحداث فبراير عندما انطلقت لم تكن ثورة مطلقًا، وإنما انتفاضة مسلحة ضد دولة ذات سيادة قام بها بعض المغرر بهم ورفعوا السلاح ضد الدولة وهو ما يتعارض مع الدستور. ولكن هل نجح القذافي في التعامل مع الموقف؟ نعترف ونقر أن القذافي ورجال النظام السابق أخفقوا في إدارة الأزمة لسبب بسيط وهو أن المؤامرة كانت كبيرة، وكان حجم الضغط الماسوني لإسقاط القذافي والدولة الليبية كبير جدًا. وماذا بعد اجتماعات القاهرة؟ اتفق الحاضرون على قبول ما توصلت إليه الاجتماعات، وترك لمصر أمر التواصل مع الطرف الرافض المتمثل في حكومة الوفاق التي يترأسها فائز سراج، وإقناعه أنه ليس أمامه إلا هذا الاتفاق وأنه أقصى ما يستطيع مجلس النواب والقيادة العسكرية الوقوف عنده، حتى لا تتجدد المواجهات العسكرية. من ناحية أخرى، فالطرف الآخر المتمثل في حكومة الوفاق ليس غبيا، والسراج سياسي شرس ولديه علاقات قوية بأطراف دولية مثل بريطانيا وقطر وتركيا، مع أن المصيبة كلها في الدعم البريطاني وإدارة أوباما، ولكن الطرف الآخر يعي جيدًا التغييرات الدولية التي حدثت مؤخرًا على الصعيد الدولي. ما تأثير فوز ترامب على الملف الليبي؟ ترامب صرح بأنه سوف يمسح الإرهاب من على وجه الأرض، وقال إنه لن يقبل بإسقاط دول والتدخل في شؤونها، والتناغم والتجانس الواضح بين ترامب وبوتين يؤكد أن العالم مقبل على مرحلة جديدة تؤكد احترام الدول وعدم دعم المتأسلمين، وهذه المتغيرات يعيها الطرف الآخر، كما يعي جملة شهيرة التي كررها المشير خليفة حفتر كثيرًا وهي "أن السلام لا يصنعه إلا الأقوياء"، والطرف القوى الآن هو الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، الذي قام بجولات خارجية مكوكية وتحركات على أعلى مستوى. كيف ترى ترحيب المبعوث الأممي ومبعوث أمريكا لليبيا بانتصارات الجيش الليبي؟ هذه تصريحات خبيثة، فهؤلاء يريدون التكفير عن أخطائهم السابقة، والشعب الليبي لن يغفر لهم مواقفهم معه في البداية، فهذه دول ومنظمات أسهمت في إغراق ليبيا في الفوضى وساعدت على تعميق الأزمة، ومن ثم فهذه تصريحات لا تغني ولا تثمن من جوع. وماذا عن السعودية؟ للأسف الشديد تدخل السعودية في اليمن وسوريا أفقدها البوصلة وأبعدها عن ما هو مهم، وكان الأولى بالرياض أن تهتم بأمن الخليج، وأن تضع يدها مع مصر لحل الأزمة الليبية، ولكنها أخذت منحنى يجعلني أقول ربي يستر في السياسة الأخيرة للمملكة السعودية. كيف ترى خصوصية العلاقات المصرية الليبية؟ مصر ليس أمامها إلا أن تواصل الضغط على جميع الأطراف، وأنا أكدت في السابق أنه يجب، بعد أن تستقر الأوضاع في ليبيا، توقيع اتفاقية مصرية ليبية لإنشاء دولة كونفدرالية أو اتحاد كونفدرالي يوحد السياسة الداخلية والسياسة المالية والاقتصادية والدفاعية والخارجية.