أهداف عديدة ومصالح متقاطعه بين بريطانيا والدول الخليجية، دفعت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى حضور القمة الخليجية ال37 في العاصمة البحرينيةالمنامة، التي أختتمت أعمالها الأربعاء. تيريزا ماي على طاولة قمة باهتة في الوقت الذي خرج فيه مشهد القمة الخليجية باهتًا، ولم يحمل بيان القمة أي جديد عما سبقه من بيانات القمم الخليجية، بل استنسخ توصيات ومواقف سياسية وردت في بيان قمة الرياض العام الماضي، جاء حضور رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، ليُحدث زخمًا على طاولة القمة الخليجية، على اعتبار أن "ماي" أول رئيس وزراء لبريطانيا، وأول امرأة، وثاني زعيم أوروبي، يحضر قمة خليجية، بعد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الذي سبق أن حلّ ضيف شرف على القمة التشاورية في العاصمة السعودية الرياض، في مايو 2015. جاء بيان "الصخير" الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي (نسبة لقصر الصخير البحريني) مليئًا بالعموميات والاستنساخ من بيانات القمم السابقة، حيث أكد البيان الذي تلاه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، على أن أمن الخليج كل لا يتجزأ، مشيرًا إلى أن الحفاظ على أمن واستقرار دول المجلس يسهم في حفظ الأمن الإقليمي، وكعادتها لم تترك الدول الخليجية وبالأخص السعودية مناسبة دون التنديد بسياسات عدوتها اللدودة إيران، حيث طالبت دول الخليج العربية مجددًا إيران بضرورة تغيير سياستها في المنطقة، وإنهاء احتلال الجزر الإماراتية الثلاث. وأكد البيان تطوير الوسائل الأمنية والدفاعية، كما أكد مواصلة العمل على تطبيق رؤية العاهل السعودي "2030" في قمّة جدة، وشدد البيان على أهمية مشروع ربط دول المجلس بشبكة التواصل والنقل، وتوحيد مناهج التعليم، وتعزيز العمل الخليجي المشترك، وترسيخ الشركات الدولية، ودعم الشباب في تطوير المعلومات، كما أكد البيان الختامي للقمة على أن الحوار والتعاون الاستراتيجي مستمران بين دول مجلس التعاون وبريطانيا، وأعلن أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، في ختام القمة الخليجية عن استضافة بلاده للقمة الخليجية المقبلة. بريطانيا تدق على وتر المخاوف الخليجية في ذات الشأن قالت رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" في كلمة لها خلال القمة، إن مخاطر الأمن تزداد في الدول العربية والغربية على السواء، مؤكدة أنه لا بد من العمل معًا من أجل تقويض المخاطر الأمنية والإرهابية، كما دقت رئيسة الوزراء البريطانية على وتر المخاوف الخليجية من نفوذ إيران، حيث شددت على أن بلادها ستساعد دول الخليج في التصدي لعدوان إيران، على حد تعبيرها، مؤكدة أن هناك تهديدًا واضحًا من إيران لدول الخليج، لذا يجب العمل بشكل مشترك لبناء خطة استراتيجية تجاه تلك المسألة، وأضافت: جئت اليوم لأن لدينا تاريخًا حافلًا من المعاهدات السابقة بين بريطانيا ودول الخليج، ونود أن نثبت للعالم بأكمله أن لدينا العديد من الفرص التي سنستغلها معًا، ونوهت رئيسة الوزراء البريطانية بأن استخبارات بلادها تلقت العديد من الإنذارات من المملكة العربية السعودية حول تهديدات إرهابية، منقذةً بذلك الآلاف من الأشخاص. ولم تكن ماي لتخفي نواياها من حضور القمة الخليجية، حيث سبق أن صدر بيان عن الحكومة البريطانية أكد أن ماي ستركز في لقاءاتها مع قادة دول الخليج على الاتفاق حول البحث في إمكانية التوصل إلى اتفاقات تبادل تجاري حر جديدة ما إن تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، كما أشارت "ماي" خلال القمة إلى أن دول الخليج تعد أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لدى بلادها خارج أوروبا، مؤكدة أن هناك إمكانية كبيرة لتوسيع هذه العلاقة في السنوات المقبلة. بريطانيا تعزز مكانتها في الخليج يبدو أن رئيسة الوزراء البريطانية استطاعت أن تحقق جزءًا كبيرًا، وربما كافة أهدافها من حضور القمة الخليجية، حيث أكدت "ماي" أن بريطانيا توصلت إلى اتفاقية مع السعودية لمنح تأشيرات للمستثمرين البريطانيين لمدة 5 سنوات، كما كشفت عن أن بريطانيا ستشارك في معرض "دبي إكسبو 2020" التجاري العالمي، الذي يزوره مئات الآلاف، من أكثر من 180 جنسية حول العالم، وشددت على أهمية تعزيز الدفاع في مواجهة الجرائم الإلكترونية، وذكرت أنه سيتم إرسال خبير جرائم إلكترونية بريطاني إلى المنطقة؛ لمساعدة دول الخليج على تعزيز أمنها الإلكتروني. بريطانيا والخليج.. مصالح ومخاوف متبادلة لم يكن حضور رئيسة الوزراء البريطانية يهدف لتوقيع الاتفاقيات فقط، بل إن هذه الاتفاقيات تعتبر بداية لمصالح أكبر بين كلا الطرفين البريطاني والخليجي لسنوات قادمة، حيث تأتي هذه الخطوة لتعويض الامتيازات التي فقدتها بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، خاصة أن منطقة الخليج غنية بالنفط، كما أن دول الخليج لديها احتياجات أمنية وعسكرية متزايدة، ويمكن أن تكون بريطانيا أحد أهم الخيارات لهذه الاحتياجات. حيث استغلت بريطانيا شراهة الدول الخليجية لسوق السلاح البريطانية، وحالة الرعب التي تسيطر على هذه المنطقة من تصاعد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، كما استغلت حاجة دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية والبحرين لاستقطاب الدعم العربي والغربي لها في معركتها السياسية مع إيران، ليأتي الدعم البريطاني منقذًا لهذه الدول من الانتقادات المستمرة بشأن سياستها في المنطقة مؤخرًا وملفات حقوق الإنسان، خاصة أن بريطانيا ودول الخليج تربطهما مواقف متقاربة من الناحية السياسية، فالموقف البريطاني مؤيد لعمليات التحالف السعودي في اليمن، ومؤيد لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. غضب من التواجد البريطاني تواجد رئيسة وزراء بريطانيا في البحرين، وإن كان موضع ترحيب من زعماء الدول الخليجية، إلا أنه كان موضع انتقاد حاد من جانب مسؤولين بريطانيين، إلى جانب الشارع البحريني، حيث بث نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي صورًا لمحتجين وهم يحرقون علم بريطانيا، في خطوة احتجاجية ضد الزيارة، حيث وضعوا العلم البريطاني على الأرض، ورددوا شعارات مناهضة لملك البحرين، ومستنكرة للموقف البريطاني الذي وصفوه ب "المتواطئ" مع النظام في المنامة. على الجانب الآخر، خرج وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، ليخرب مهمة رئيسة الوزراء، حيث اتهم "جونسون" المملكة السعودية بإساءة استخدام الإسلام وتحريك الآخرين كدمى في حروب تُخاض بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، حيث قال وزير الخارجية البريطاني، وهو برفقة أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، في مؤتمر عقد في العاصمة الإيطالية روما الأسبوع الماضي: ثمة سياسيون يحرفون ويسيئون استخدام الدين ومختلف الفرق داخل الدين الواحد؛ لخدمة أهدافهم السياسية، وتلك إحدى أكبر المشكلات السياسية في المنطقة. وأضاف جونسون: والمأساة بالنسبة لي هي ليس ثمة قيادة قوية كافية في هذه البلدان نفسها، ولهذا لديكم هذه الحروب التي تخاض بالنيابة المشتعلة في عموم المنطقة طوال الوقت.