هناك أدوية تم تسعيرها عام 1995 ب 300 جنيه ولا تساوي الآن أكثر من 50 جنيهًا أعرف نوابًا لا يجدون الأنسولين لعلاجهم رجال الأعمال يستغلون حاجة المرضى للدواء ويلجؤون لتعطيش السوق حوار: ماهيتاب عبد الفتاح تفاقمت أزمات الصحة بمصر خلال الفترة الأخيرة, حيث نشهد نقصًا كبيرًا في الأدوية والمعدات الطبية, وكوارث تشهدها المستشفيات, والتي أدت إلى وفاة عدد كبير من الأطفال بمعهد الأورام, إلى جانب استغاثات أطفال مستشفى أبو الريش, إضافة إلى هيمنة رجال الأعمال على سوق الدواء بمصر. صرخات واستغاثات المرضى تعلو يومًا تلو الآخر، ولا توجد حلول، بل ينحدر الوضع إلى الأسوأ. "البديل" التقت الدكتور مجدي مرشد، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب؛ للتحدث حول تلك الأزمة ودور المجلس في إيجاد توصيات لحلها.. كيف ترى المنظومة الصحية بمصر؟ للأسف منظومة الصحة من أفشل المنظومات في العالم, ولن نحمل ذلك الفشل إلى أشخاص بأعينهم، ولكن المنظومة ككل, فهي منظومة مفتتة ومفككة، فنجد المستشفيات الجامعية تابعة لوزارة التعليم العالي, ووزارة الصحة تحمل جميع المؤسسات على عاتقها من مؤسسات علاجية ومجالس طبية وأمانة المستشفيات والمستشفيات ذاتها، إلى جانب الشق العلاجي والدواء، وهو ما يعني تفتيت لتلك المنظومة؛ مما يجعل الخدمة تصل إلى المواطن مفككة؛ لذا يجب أن يكون هناك مجلس أعلى للصحة، يشمل كل ذلك، وأن يقتصر دور الوزارة على بعض المهام وليس جميعها. صرحت أن مصر بحاجة إلى هيئة عليا للصحة، حدثنا عن دور تلك الهيئة؟ لا يوجد وزارة صحة تتبعها الصحة العلاجية والطب الوقاتئي والتوعية والتثقيف والدواء والإسعاف والتأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة, فالوزارة بكل ذلك بحاجة إلى ساحر لا وزير, أي أن الوزارة أكبر من الأشخاص؛ لذا فنحن بحاجة إلى مجلس أعلى للصحة، ويتلخص دور وزارة الصحة على التطعيمات والتسجيل والتراخيص وغيرها. أما الطب العلاجي فيخرج عن الوزارة، ويتبع لتلك الهيئة الاستشارية المنوط بها وضع خطة للعشرين عامًا القادمة، كما أن ملف الدواء بمصر بحاجة إلى هيئة خاصة للدواء. ماذا عن خروج بعض الأمراض من هيئة التأمين الصحي مؤخرًا؟ من المفترض أن هيئة التأمين الصحي تشمل جميع المواطنين بحسب المادة 18 من الدستور، وإن كان التأمين الصحي يغطي أكثر من 50% من المواطنين، إلا أن هناك نسبة كبرى من المواطنين غير خاضعة للتأمين الصحي، وحتى إن خضع بعضهم إلى العلاج على نفقة الدولة، فهذا يدل على فشل منظومة الصحة؛ لأنه من المفترض أن يتم علاج جميع المصريين على نفقة الدولة طبقًا للدستور. رغم استغاثات المرضى ونقابة الصيادلة من نقص الأدوية، إلا أن وزارة الصحة تنفي ذلك، فما تعليقك؟ يجب أن نعترف بوجود الأزمة وأسبابها أيضًا، ومن أول أسبابها عدم تحريك سعر الدواء منذ عدة سنوات، بالتحديد منذ عام 1995؛ مما جعل الأزمة تتفاقم مرة واحدة، فكيف تبيع الشركات بنفس أسعار عام 1995؟ وقتها كانت شركات الدواء تحقق أرباحًا بنسبة 50%، أما الآن و مع ثبات أسعار الأدوية منذ تلك الفترة، فالشركات تخسر خسارة فادحة؛ مما جعل بعض الشركات توقف خط الإنتاج للكثير من الأدوية، فهل يعقل أن نجد سعر دواء 65 قرشًا حتى شهر مايو الماضي قبل الزيادة التي أقرها مجلس الوزراء؟ هل هذا يعني الإقرار برفع أسعار الدواء مرة أخرى؟ لا، نحن لا نريد زيادة أسعار الدواء، ولكن نريد إعادة التسعير، فهناك أدوية تم تسعيرها عام 1995 ب 300 جنيه العلبة ولا تساوي أكثر من 50 جنيهًا الآن، وتم تسعيرها ب 300 جنيه وقتها؛ لأن أي عقار جديد يظل حاصلًا على براءة اختراع لمدة خمس سنوات، ويستمر سعره مرتفعًا طيلة الخمس سنوات، ثم يبدأ في الانخفاض تدريجيًّا، ولكن للأسف الدولة لم تخفض شيئًا؛ لذا يجب إجراء حسبة لقيمة المادة الخام وربح العمال ونسبة الموزع ونسبة الصيدلية، وبعدها يقرر المسؤولون بوزارة الصحة ومجلس الوزراء السعر الجديد للدواء برفع سعر ما يستحق الزيادة، أي الأدوية المعدمة الأسعار يتم زيادها 10 أو 20 جنيهًا ليس أكثر، في المقابل تخفيض سعر الأدوية الأكثر استخدامًا؛ حتى يتم تحقيق توازن للمواطن، أي يجب مراعاة عدم رفع السعر فقط، بل يكون هناك توازن بين الزيادة والنقصان. هناك شركات دواء كبرى منوط بها استيراد أدوية وتوزيعها على المستشفيات، لكنها لا توصلها إليها، وتغرق السوق السوداء بها، من المسؤول عن ذلك؟ للأسف هناك تعطيش متعمد للسوق من قبل المخازن وشركات الأدوية ورجال الأعمال، وهو من أكبر الأسباب في أزمة الدواء الموجودة الآن على الساحة, وللأسف هناك تعامل مباشر بين المستورد أو الوكيل وبين المخازن، والأمر كله يرجع إلى العرض والطلب, أي أن العديد من الشركات تقوم باستغلال الأزمة، وتلعب على احتياج المواطن لتلك الأدوية؛ لذا يجب ألا نعطي فرصة للعب على احتياجات المرضى، ويجب توفير الأدوية معقولة الثمن، وأن يدرك الأطباء ذلك، ويقوموا بوصف البدائل المماثلة. نعاني من الروتين بقوانين إدارة تسجيل الدواء مما يجعل أسعار بعض الأدوية في زيادة غير مبررة، حدثني عن تلك الأزمة؟ بالفعل هناك نظام غريب في تسجيل الأدوية، حيث يمكن تسجيل 12 دواء فقط من نفس النوع ونفس المادة الفعالة لشركات مختلفة، فعلى سبيل المثال البراستيمول هناك 12 دواء موجودًا بنفس المادة الفعالة، وهو ما يسمى (بالبوكس), كما أن إدارة التسجيل تلزم أول شركة تسجل للدواء بأخد أعلى سعر للدواء، والشركة التي تليها أقل سعر، لذا دواء واحدًا بنفس الاسم والمادة الكيميائية ب 70 جنيهًا و آخر ب 10 جنيهات، رغم أنه نفس النوع، ولكن العلة في إدارة التسجيل. هناك مخاوف من نقص مخزون الدواء خلال الأشهر القليلة القادمة، فما تعليقك على ذلك؟ بالفعل إذا استمر الوضع بدون حل جذري، فهناك احتمالية أن يسوء وضع الدواء بمصر أكثر بداية من شهر فبراير القادم، ويجب ان نعلم جميعًا أن ازمة الدواء سببها أيضًا ارتفاع سعر الدولار، رغم أن مشكلة الدولار لم تؤثر على سوق الدواء فعليًّا حتى الآن؛ حيث إن هناك مخزونًا من المواد الخام كافيًا حتى شهر فبراير أو مارس القادم على الأكثر، وإذا لم يتم حل الأزمة، فحدث ولا حرج عما سيشهده سوق الدواء. ما تعليقك على تصريحات النائب محمد سليم برفع أسعار الأدوية المستوردة والتي أحدثت بلبلة بالبرلمان؟ يجب دراسة الأدوية التي تخسر بالفعل، خاصة الأدوية قليلة الثمن وليس الإقرار بزيادة جميع الأدوية، فليس من المنطقي زيادة أسعار أدوية تحقق مكاسب بالأساس؛ لذا يجب خروج قرار رسمي بخفض أسعار أدوية وزيادة أخرى حتي يتحقق التوازن، ولا يشعر المواطن أن الدولة ضده فقط. وزارة الصحة تنفي أزمة نقص الأنسولين، فما تعليقك على ذلك؟ أزمة الأنسولين موجودة بالفعل، وأعرف نوابًا يعانون من مرض السكر، ولا يستطيعون الحصول على الأنسولين، ولكن هذه الأزمة أيضًا بسبب تعطيش السوق من شركات الأدوية؛ في انتظار ارتفاع سعر الأنسولين؛ لتحقيق ربح أكبر. أين دور الجهات الرقابية لمحاسبة شركات الأدوية التي تتاجر بأرواح المرضى؟ يجب أن يكون هناك محاولة لحل الأزمة من خلال الجلوس على مائدة واحدة، وأن يعلم الجميع أن مصر في أزمة حقيقية، سواء الطبيب أو الصيدلي أو التاجر، ويأتي بعد الاتفاق الدور الرقابي؛ لأن لجنة تقصي الحقائق قد تعطي نتائج بدورها الرقابي، ولكن اذا تم حل الأزمة هكذا، فسوف تتفاقم الأزمة. ماذا تعني بتفاقم الأزمة في حال ممارسة الدور الرقابي؟ أي أنه إذا لجأنا لقول "أنا جاي أفتش عليكم", فهذا سوف يؤدي إلى قيام أصحاب المصانع بإغلاقها واتخاذ قرارات بعدم إنتاج أدوية، وهنا سوف تتفاقم الأزمة أكثر, فنحن نلجأ إلى التعقل في حل هذه الأزمة؛ حتى لا يدفع المريض ثمن تلك الصراعات. أين دور البرلمان لحل أزمات المستشفيات مثل أبو الريش التي يواجه أطفالها الموت يوميًّا؟ للأسف هناك خلط في الأمور، فمجلس النواب لا علاقة له بحل الأزمات، ولكن دوره مراقبة الأزمات وتوجيه الحكومة ومحاسبتها إذا فشلت في حل تلك الأزمات, لكن مجلس النواب ليس منوطًا به الخروج بقرارات تنفيذية، ولكننا قمنا بإجراء اجتماعات بين دعم مصر ولجنة صناعة الأدوية، وخرجنا بتوصيات عديدة لحل أزمات الأدوية، وصلت إلى رئيس مجلس الوزراء. وهل الحكومة تستجيب لتلك التوصيات؟ تستجيب أو لا فهذا قرارها، فمجلس النواب لا يقوم بدور الحكومة مثلما يعتقد البعض، فعلينا تقديم توصيات ورؤى المجلس، ورئيس الوزراء عليه التنفيذ. ولكن دور مجلس النواب سحب الثقة من أي وزير أثبت فشله في حل أزمة ما؟ بالفعل، ولكن ذلك يتم عن طريق تفاقم الأزمة أكثر وتضخمها, فالمجلس لا يقوم بسحب الثقة من أي وزير لمجرد وجود أزمة؛ فالاستقرار الوزاري مطلوب أيضًا. حذرت بعض المراكز الحقوقية أن أدوية التخدير في سبيلها للاختفاء؛ مما يسبب كارثة لإجراء العمليات، فما تعليقك على ذلك؟ بالفعل هناك نقص في أدوية التخدير، وهناك مواد مختلفة تستخدم للتخدير، ولكن إذا استمر الوضع كذلك، فسوف يبدأ المخزون في الاختفاء، وقد يتوقف الإنتاج، وللأسف حتى يعمل مرة أخرى يحتاج إلى 3 أو 4 شهور. كيف ترى أداء الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة؟ أداؤه لم يظهر بسبب تفاقم الأزمات التي يسعى إلى حلها؛ بسبب توليه وزارة مهلهلة وملفاتها كثيرة، ولكنه نجح في ملفات عديدة، مثل ملف فيروس سي، وسبقه الدكتور عادل العدوي.