تقف الحكومة والحركات المتمردة في كولومبيا على بعد خطوة واحدة لوقف الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من نصف قرن في البلاد، حيث وقع الجانبان على اتفاق سلام يقضى بوقف إطلاق النار من المفترض أن يعرض على البرلمان للتصديق عليه، وذلك بعد 6 أسابيع من رفض الشعب، من خلال استفتاء، اتفاقا قديما بفارق بسيط، بسبب ما رآه محللون بأنه يحابي المتمردين بشكل كبير. وقالت الحكومة وجماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك"، واللتان تتفاوضان على اتفاق في هافانا منذ 4 سنوات، إنهما أدمجتا تغييرات اقترحتها قطاعات مختلفة من المجتمع في الاتفاق، وقال الجانبان، في بيان: "توصلنا لاتفاق نهائي جديد لإنهاء الصراع المسلح يدمج تغييرات وتوضيحات ومقترحات اقترحتها قطاعات مختلفة من المجتمع". واستغرق التوصل إلى اتفاق السلام التاريخي السابق، الذي تم التوقيع عليه في سبتمبر الماضي كان من المفترض أن ينهي 52 عاماً من الحرب الأهلية، 4 سنوات من المفاوضات في العاصمة الكوبية هافانا، إلا أن ناخبي كولومبيا رفضوه بهامش ضئيل خلال الاستفتاء الذي بلغت نسبة الإقبال فيه 37 بالمائة. وشارك الرئيس الكولومبي السابق، الفارو أوريبي، الذي قاد حملة التصويت ب"لا" على الاتفاق الأول، في جولة المفاوضات الأخيرة بهدف تعزيز فرص نجاحه، لا سيما وأنه من غير المتوقع أن يطرح الاتفاق الجديد للاستفتاء شعبي، بل سيطرح أمام البرلمان. وكانت المجموعة المعارضة للاتفاق قد أبدت رفضها بسبب الأحكام المخففة التي منحت للمسلحين الذين اعترفوا بارتكاب جرائم، إذ كان يفترض إعفاء البعض من قضاء أي مدة في السجون، ورفض كذلك معارضو الاتفاق خطة حكومية لدفع منح شهرية لمقاتلي فارك، بعد تسليم أسلحتهم، وتقديم مساعدة مالية لأولئك الراغبين في تأسيس مشاريع تجارية، ويقول مراقبون إن الاتفاق الجديد راعى هذه الاعتراضات. وكان قد سبق الاتفاق التاريخي مجموعة من الاتفاقات، فقد فشلت 3 اتفاقات قبل ذلك في الأعوام 1984- 1991- 1999، وفي شهر يوليو عام 2015 أعلن المتمردون وقف إطلاق النار من جانب واحد، فيما أوقفت الحكومة عمليات القصف الجوي، كما وقع الجانبان عدة اتفاقات حول مكافحة الإتجار بالمخدرات أو لتعويض الضحايا. وفي شهر مايو الماضي، توصل مفاوضون يمثلون الحكومة الكولومبية ومتمردو "فارك" اليسارية، إلى اتفاق على نقل الأطفال خارج معسكرات المتمردين وعودتهم إلى الحياة المدينة، واتفق الطرفان على عدم فرض أي عقوبة على أعضاء "فارك" الذين تقل أعمارهم عن 14 عامًا، بينما يجب أن يتم تبرئة أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عامًا من أي اتهامات ضدهم، ويعتبر حوالي من 20 إلى 30% من مقاتلي الحركة المتمردة هم من الأطفال تحت سن ال18 عامًا. تمرد فارك تاريخ قوات كولومبيا المسلحة الثورية "فاراك" مليء بالحروب والاشتباكات المسلحة، فمنذ تأسيسها عام 1964 أصبحت الجناح العسكري للحزب الشيوعي الكولومبي وحركة عسكرية تعتمد حرب العصابات كاستراتيجية لها، وفي ثمانينيات القرن الماضي تورط التنظيم في تجارة المخدرات؛ مما أدى إلى حدوث انفصال بينها وبين الحزب الشيوعي، وتقدر أعداد المنضمين إلى الحركة حسب التقديرات الحكومية الكولومبية بما بين 6 آلاف و8 آلاف جندي، ويسيطر التنظيم على 15 إلى 20% من أراضي كولمبيا. أدرجت المنظمة على لائحة الإرهاب الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبرلمان أمريكا اللاتينية وكندا سنة 2005، بينما ترفض كل من فنزويلاوكوبا هذا التصنيف، وطالب الرئيس الفنزويلي شافيز، باعتبار الحركات اليسارية الثورية قوات محاربة؛ لأن ذلك من شأنه أن يضطر الحركة إلى ترك أعمال الخطف والإرهاب من أجل احترام اتفاقيات جنيف. في بداية مارس 2008 قامت القوات الكولومبية بالهجوم على أحد معسكرات "فارك" داخل الأراضي الإكوادورية، وقتلت راؤل رييس، الرجل الثاني في التنظيم والمتحدث الرسمي باسم الحركة؛ مما تسبب في أزمة دبلوماسية حادة بين الإكوادور وكولومبيا، وبين فنزويلاوكولومبيا، وكاد الهجوم أن يتسبب في حرب إقليمية، وتبع ذلك اغتيال إيفان ريوس، أحد قادة الحركة على أيدي أحد أتباعه، وشكلت هذه الأحداث أكبر ضربة عسكرية للحركة في الأربعة عقود الماضية. وتعلن حركة "فاراك" نفسها كحركة سياسية عسكرية ماركسية لينينية يقودها مانويل مورلاندو، و6 آخرون من بينهم راؤل رييس، الذي تم اغتياله، وتزعم الحركة أنها المدافع عن الفقراء في الريف الكولومبي ضد الطبقات الأكثر ثراء، وتحارب النفوذ الأمريكي في كولمبيا، والشركات متعددة الجنسيات وخصخصة الموارد الطبيعية؛ وذلك من أجل التمهيد لثورة يسارية مسلحة، وتمول الحركة عملياتها العسكرية من عمليات الخطف والابتزاز وتجارة المخدرات. التحرير الوطني رفضت منظمة جيش التحرير الوطني، الحركة المتمردة الثانية، المشاركة في المباحثات، في وقت تقول تقارير إنها صعدت هجماتها، بالرغم من محادثات السلام في كوبا بين فارك والحكومة الكولومبية، ومن بين أهدفها الجيش والشركات متعددة الجنسيات التي تقول المنظمة إنها تسعى لمنعها من الاستيلاء على الموارد الطبيعية من منطقة آروكا الكولومبية. ورغم رفضها المشاركة في المحادثات السابقة فإن الرئيس الكوبي الذي يدعمه قسم كبير من اليسار الكولومبي منهم ضحايا الحرب الذين وثقوا في خطته لإنهاء النزاع، سعى إلى بدء مفاوضات أخرى مع حركة التحرير الوطني، وأعلن الجانبان بالفعل بدء مفاوضات سلام قريبًا. وينهي الاتفاق مع حركتي التمرد اليساريتين اللتين تأسستا في 1964 أقدم نزاع مسلح في أمريكا اللاتينية، أدى وفق الأرقام الرسمية إلى مقتل 260 ألف شخص، وتسبب في اختفاء 45 ألف شخص، وتشريد 6,6 مليون شخص منذ أكثر من نصف قرن.