على نحو مفاجئ، رفض الناخبون في كولومبيا اتفاق سلام مهم بين الحكومة والحركة المسلحة الثورية اليسارية الكولومبية (فارك) اليسارية، خلال استفتاء عام. نتائج الاستفتاء دعي أكثر من 34.8 مليون ناخب، بينهم خمسة ملايين و990 ألفا يقيمون في الخارج، إلى الرد ب"نعم" أو "لا" على سؤال "هل تؤيد الاتفاق النهائي لوقف النزاع وإقامة سلام ثابت ودائم؟"، وهو عنوان وثيقة مؤلفة من 297 صفحة تشكل خلاصة محادثات متنقلة في كوبا. وجاءت نتيجة الاستفتاء الكولومبي على اتفاقية السلام بالرفض، بفارق ضئيل في نتيجة الاستفتاء؛ 50.24% صوتوا ب"لا"، مقابل 49.76% صوتوا لصالح الاتفاق. أهمية الاستفتاء يوم الاثنين الماضي، وقع الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، الاتفاق مع زعيم فارك، رودريغو لوندونو الملقب ب"تيموشينكو"، بعد مفاوضات شاقة استمرت حوالي أربعة أعوام استضافتها العاصمة الكوبية هافانا في مدينة كارتاخينا، في محاولة لوقف الصراع الدائر منذ 52 سنة، أدى إلى سقوط أكثر من 260 ألف قتيل، إضافة إلى 45 ألف مفقود و6.8 مليون نازح، ولكي تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ، ينبغي أن تنال موافقة الناخبين الكولومبيين، وهو الأمر الذي لم يحدث في نتائج الاستفتاء أمس الأحد. وكان سانتوش حذر من رفض الكولومبيين للاتفاق، قائلا "لا توجد خطة بديلة، ولو رفض الكولومبيون الاتفاق، ستواجه البلاد مزيدا من سفك الدماء"، وتعد نتيجة التصويت انتكاسة سياسية كبيرة بالنسبة للرئيس الكولومبي الذي تعهد منذ انتخابه عام 2010 بإنهاء النزاع مع المتمردين، ولو جاءت نتائج الاستفتاء ب"نعم"، لتحولت "فارك" التي تأسست عام 1964 من انتفاضة للفلاحين وما تزال تضم 5765 مقاتلا، إلى حزب سياسي بعد أن تسلم أسلحتها تحت إشراف الأممالمتحدة. مضمون اتفاقية السلام يحدد الاتفاق بين الحكومة الكولومبية وفاراك كيفية التخلي عن السلاح والضمانات الأمنية للمتمردين وكيفية مكافحة المنظمات الإجرامية، حسب النص الذي تلاه الوسيطان الكوبي والنرويجي. وينص اتفاق السلام الكولومبي-الكولومبي على تحول حركة فارك من حركة مسلحة إلى حزب سياسي، على أن يشارك المتمردون السابقون في الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في عام 2018، وينص الاتفاق أن فارك ستنال حصة مضمونة من المقاعد في البرلمان الجديد تبلغ 10 مقاعد على الأقل في دورته الأولى. أسباب الرفض يرى مراقبون أن معارضي الاتفاق يعتقدون أن الاتفاق متساهل أكثر مما يجب مع متمردي فارك، التي مازالت الولاياتالمتحدة تعتبرها منظمة إرهابية، من خلال السماح لهم بالاندماج في المجتمع مرة أخرى وإنشاء حزب سياسي والإفلات من أحكام بالسجن، حيث يشعر أصحاب هذا المعسكر بالغضب للسماح لزعماء الحركة اليسارية بدخول البرلمان دون أن يسجنوا جراء الجرائم التي اقترفت إبان الحرب. حلول لمنع انهيار الاتفاق أقر الرئيس الكولومبي اليوم بنتيجة الاستفتاء الرافضة لاتفاق السلام بين حكومته وجماعة (فارك) الماركسية، قائلا إنه سيلتقي كل الأحزاب السياسية اليوم؛ لإيجاد سبيل لتقدم عملية السلام, خصوصا التي صوتت ب"لا"؛ من أجل الاستماع إليها وفتح آفاق للحوار واتخاذ قرار بالطريق الذي سيتبعونه، مؤكدا أن هذا التصويت لن يؤثر على استقرار كولومبيا. في المقابل، عبرت حركة فارك عن أسفها الشديد لرفض أغلبية المشاركين اتفاق السلام، وفي تصريح صحافي لزعيمها قال إن الحركة تأسف بشدة "لكون القوة التدميرية لأولئك الذين يزرعون الكراهية والاستياء قد أثرت على رأي الشعب الكولومبي"، مؤكدا أن القوات المسلحة الثورية لا تزال راغبة في السلام وتكرر استعدادها لاستخدام الحوار فقط وسيلة للبناء في المستقبل، بحسب تعبيره. أما حركة التمرد الأخرى في كولومبيا "جيش التحرير الوطني"، فدعت إلى مواصلة السعي إلى حل تفاوضي للنزاع المسلح في كولومبيا، ويقول محللون إنه حال إبرام السلام مع "القوات المسلحة الثورية في كولومبيا"، فلا يعني هذا نهاية الصراع في البلد، التي يواصل فيها "جيش التحرير الوطني"، حركة التمرد الثانية، والعصابات الإجرامية المنبثقة من المجموعات السابقة شبه العسكرية، تحديهم للحكومة الكولومبية. ورغم الدعوات الإيجابية التي انطلقت من الأطراف المتصارعة في كولومبيا ردًا على نتائج الاستفتاء، بما فيها دعوة الرئيس الكولومبي الذي أكد على ضرورة "الوقف النهائي لإطلاق النار والأعمال الحربية من الجانبين سيبقى قائما وساريا"، كما كان معمولا به منذ دخوله حيز التنفيذ في 29 أغسطس، الذي تم التوصل إليه في هافانا في 24 من نفس الشهر، إلا نتيجة الاستفتاء أحدثت حالة من الغموض على مستقبل عملية السلام، ولا أحد يعرف كيف ستسير الأمور بعد رفض الاتفاق الذي كان ينظر إليه على أنه خطوة حاسمة لإنهاء صراع استمر عقودا وكبد البلاد خسائر بشرية ومادية كبيرة.