يشرفني حضوركم اليوم للاحتفال معا بالذكري الخمسين لإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية / الاتحاد الأفريقي، والتي كانت عبر العقود الماضية بمثابة القلب النابض لمسيرة العمل الأفريقي المشترك ، والآلية الجامعة لجهودنا ومساعينا في سبيل تلبية تطلعات شعوبنا نحو الوحدة والحرية والازدهار. ومما يضيف إلي خصوصية هذا اللحظة، أن الاحتفال يجري هنا في القاهرة، التي كانت دوما حاضنة للقضايا الأفريقية، ومنبرا للدفاع عن مصالح القارة، وداعما رئيسيا لكافة المناضلين في سبيل حرية القارة الأفريقية وتقدمها. وإذ ننظر اليوم إلي تلك المسيرة الحافلة من العمل الأفريقي الجماعي، وما أنجز خلالها، فلابد لنا أن نقدم تحية إجلال وتقدير للآباء المؤسسين لمنظمتنا العريقة، الذين آمنوا بالمستقبل وعملوا من أجله بصدق وإخلاص. وسيتذكر التاريخ دائما الملحمة التي خاضتها الشعوب الأفريقية، والتضامن فيما بينها، للتخلص من وطأة الاستعمار ونيل استقلالها، واستعادة السيطرة علي مقدراتها وثرواتها. السيدات والسادة، لقد كانت مصر في القلب من هذه الملحمة منذ بدايتها، حيث سخرت كافة إمكاناتها لدعم قضية استقلال القارة، ووقفت بكل عزم، ومن خلال كل المحافل وعلي رأسها حركة عدم الانحياز، لتكوين رأي دولي عام داعم لشعوب القارة المتطلعة إلي الاستقلال، كما استضافت علي أرضها حركات التحرر الأفريقي ودعمتها بكافة السبل، وانطلقت الإذاعات من القاهرة باللغات الأفريقية تدعو شعوب القارة للثورة والتحرر. كذلك شاركت مصر في مؤتمرات التضامن بين الشعوب الأفريقية، بدءا من المؤتمر الأول في أكرا عام 1958 واستضافت القاهرة المؤتمر الثالث في عام 1961 وهي المؤتمرات التي بلورت روح التضامن بين الشعوب الأفريقية، وأفضت إلي تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية. ولعل تولي مصر رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية ثلاثة مرات، واستضافتها ثلاثة قمم أفريقية كان آخرها عام 2008، دليلا علي التزام مصر بدعم المنظمة. وقد حرصت مصر دائما علي المساهمة في تحقيق الأمن والسلم في مختلف أنحاء قارتنا الأفريقية، حيث تضع مصر - انطلاقا من قناعتها بمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية - كامل إمكاناتها لتطوير قدرات الاتحاد الأفريقي في إدارة وتسوية النزاعات، وتدعيم آليات التنمية وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاعات. كما لا يفوتني أن انتهز هذه المناسبة لأوجه التحية لجنودنا في بعثات حفظ السلام في أفريقيا، والذين يضربون لنا المثل في التضحية والفداء من أجل السلام. كذلك فإن مصر تعتز دوما بكونها إحدي الدول الخمس المؤسسة لمبادرة النيباد، باعتبارها الإطار الأفريقي الأشمل لتحقيق التنمية في القارة وفقا لأهداف وأولويات أفريقية. وسوف تمضي مصر في دعم برامج ومشروعات النيباد في مختلف المجالات، خاصة المشروعات التي تتولي مصر مسئوليتها في إطار مبادرة تنمية البنية التحتية في أفريقيا، لإنشاء مجري ملاحي نهري للربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وكذلك لاستكمال الجزء الخاص بالربط بين مصر والسودان في إطار محور التنمية القاهرة - كيب تاون، وصولا لتحقيق كافة أهداف المبادرة بالقضاء علي الفقر وتعزيز معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية لكافة شعوب القارة. لقد كانت قضية التنمية البشرية في أفريقيا دوما في مقدمة اهتمامات مصر، ولا يفوتني ميسور أنوه في هذآ الإطار ألي الدور آلذي يقوم بة الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا من خلال المساهمة في اعداد الكوادر الأفريقية وتأهيل في مختلف المجالات بما يؤهلها للنهوض بأعباء التنمية، حيث درب الصندوق منذ إنشائه ما يزيد عن 8000 متدرب من الكوادر الأفريقية، كما أوفدت مصر من خلال الصندوق ما يقرب من ثمانية آلاف خبير في مختلف المجالات لتقديم الخبرات المصرية المتميزة للعديد من الأشقاء في أفريقيا. كما تحرص مصر علي مواصلة دعمها لمسيرة التكامل الأفريقي، وفي هذا الإطار تأتي استضافة مصر للقمة المرتقبة للتكتلات الإقليمية الثلاثة، الكوميسا والسادك وتجمع شرق أفريقيا، لتحقيق التجانس بين سياساتها وبرامجها، وبما يمثل خطوة هامة علي صعيد تحقيق الاندماج الإقليمي وإقامة السوق الأفريقية المشتركة. السيدات والسادة، اسمحوا لي أن أؤكد لكم، أنه بالرغم من كل ما تحقق عبر مسيرة العمل الأفريقي المشترك، فإننا علي وعي تام بأن التحديات التي تواجه شعوبنا اليوم لا تقل جسامة عن تلك التي واجهتها فجر استقلالها. ولعل مما يدعو إلي الثقة في قدرة القارة علي تجاوز كافة هذه التحديات، أن القارة تستقبل الخمسينية الجديدة من عمر المنظمة والنسبة الأكبر من سكانها هم من الشباب الذين يمثلون أهم موارد القارة وثرواتها، كما تمكنت أغلب دولها من تحقيق معدلات تنمية تبلغ في المتوسط 5% وتتجاوزها في بعض الحالات، بالرغم من الاضطرابات التي شهدها الاقتصاد العالمي، مما جعل العالم الآن ينظر إليها علي أنها القارة الصاعدة في مجال النمو الاقتصادي، بعد أن كانت تعتبر حالة ميئوسا منها اقتصاديا منذ أعوام قليلة. وختاما، أود أن أشير إلي أنه كان من أهم انعكاسات ثورة 25 يناير المجيدة إعادة التأكيد علي الأولوية التي تستأثر بها القضايا الأفريقية في مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية المصرية. ومن هذا المنطلق، فقد حرصت مصر خلال الفترة الماضية علي تعزيز التواصل مع أشقاءها الأفارقة، وتكثيف الاتصالات والتنسيق بشأن كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك. مع خالص تهنئتي لكم جميعا في هذه المناسبة الخاصة، آملا في أن تكون فرصة لتجديد عزمنا علي العمل معا لما يحقق تطلعات وآمال شعوبنا للمستقبل الأفضل الذي تستحقه. أشكركم جميعا.