لم يكن من قبيل المفاجأة ما خرج به 'مصطفي بكري' في كتابه الجديد 'الجيش والإخوان أسرار خلف الستار' وهو أحد إصدارات الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة ويقع في 452 صفحة. أما لماذا لم يكن من قبيل المفاجأة، فلأن صاحبه عود القارئ علي أن يأتي بالدرر وما قد يستعصي علي الآخرين الإلمام به. الكتاب شهادة حية لمصطفي بكري الذي عايش الأحداث التي مرت بها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 حتي الآن. وبحاسة الصحفي القدير المتابع للأحداث والمحلل البارع لكل ما يجري وراء الستر نقل بحرفية روايات دقيقة تعكس ما كان يدور علي أرض الواقع، بل ما كان يجري في الكواليس بين الجيش والإخوان بعد أن نزل الجيش إلي ميدان التحرير في 28 يناير 2011، ولا شك أن ما ساعد 'مصطفي بكري' علي هذا هو علاقته الوثيقة بالمجلس العسكري ولقاءاته العديدة مع رموزه ومع الحكومة وكبار الساسة. الكتاب وثيقة تطهيرية وشهادة حق نطق بها 'مصطفي بكري' الذي عاصر الأحداث وكان أحد من شارك في صنعها. ومن ثم جاء الكتاب بشهادة موثقة كاشفة عن فترة زاخرة بالأحداث التي عاينها الكاتب عن كثب وشهد تداعيات فصولها المليئة بالثغرات والإحباطات ومراوغات الإخوان وخداعهم. لذا جاءت شهادته ناجزة راعي فيها الأمانة الكاملة في سرد المواقف ورؤي الأطراف. كان 'مصطفي بكري' حريصا علي تحري الصدق عندما أورد الحقائق المجردة دون أن يأبه بما قد يراه البعض جنوحا نحو الدفاع عن 'مبارك' من خلال تبرئته من قتل المتظاهرين، فمصطفي بكري لم يتعمد الدفاع عن 'مبارك' وإنما نطق بالحقيقة من خلال سرده لروايات أكدت براءة 'مبارك' من دم المتظاهرين. ولعل الشهادة التي أدلي بها كل من اللواء 'عمر سليمان'، المشير 'حسين طنطاوي' أمام محكمة جنايات القاهرة التي كانت تحاكم 'مبارك' قد جاءت في صالحه وليست ضده. بل لعل رفض 'مبارك' اقتراح 'عمر سليمان' بأن تكون له حصانة قضائية يدعم القول ببراءته عندما قال له: 'إنني لم أرتكب جريمة ومستعد للمحاسبة. وإن قبولي الحصانة يعني أن لدي شيئا أريد التستر عليه '. وبالتالي فإنه يحمد لمصطفي بكري أمانته في التعاطي مع الوقائع وشهادة الصدق التي أوردها ولم يخش في الحق لومة لائم. في الفصل الأخير من الكتاب يتطرق 'بكري' إلي خطايا ارتكبها الدكتور 'مرسي' وأولها الإعلان الدستوري الصادم الذي أصدره في 21 نوفمبر 2012 ومن خلاله هيمن علي كل الأمور وتمكن من تحقيق كل ما يريد.ولهذا جاءت الأحداث بعد ذلك لتؤذن بالصدام، فلقد جري تفكيك الدولة وصدر دستور غير توافقي، وثار المصريون ورفضوا الاعتداء علي القضاء وحصار المحكمة الدستورية وأخونة الصحافة ومحاصرة الإعلاميين وأحداث الاتحادية التي سقط فيها شهداء. الكتاب يسلط الضوء علي العلاقة الشائكة والاختلاف الواضح بين القوات المسلحة والإخوان، وهي علاقة شد وجذب أدارها الرئيس 'مرسي' بشكل مراوغ خادع فاجأ الجميع. ويكفي ما حدث في الانقلاب الناعم في 12 أغسطس 2012 الذي أطاح فيه بالمشير وبسامي عنان. كتاب 'الجيش والإخوان' موسوعي بالنسبة لتفاصيل الأحداث التي تضمنها. يأخذ القارئ لكواليس الصراعات المحمومة من خلال بيانات ومواقف عايشها الكاتب 'مصطفي بكري' الذي لا يستبعد حدوث صدام بين مؤسسة الجيش ومؤسسة الرئاسة، فكل البوادر والفعاليات الحادثة علي أرض الواقع تشي بذلك. ولهذا نجد الكاتب يتساءل: 'إلي متي سيبقي الجيش ملتزما بسياسة ضبط النفس'؟ الكتاب محاولة لإعادة قراءة تاريخ كل الوقائع المهمة التي شهدتها مصر في هذه المرحلة والتي يطرحها 'مصطفي بكري' بحرفية الصحفي والمحلل النابه وحنكة السياسي المدقق، في محاولة منه لرسم صورة دقيقة لما جري في هذه الفترة لعلها تكون خير معين للمرء لاستشراف المستقبل.