بقول واحد صار الكاتب الأستاذ مصطفي بكري جبرتي هذه المرحلة, بعدما راكم عبر كتابه الجيش والإخوان الذي بدأت طبعاته المتعاقبة في الظهور منذ أيام إضافة جديدة تكمل الطريق الصعب الطويل الذي بدأه في كتابه السابق الجيش والثورة, وقد استخدمت وصف( الجبرتي) ليس علي نحو بلاغي, أو من باب إسراف التعبير, وإنما تأثرا بالطريقة الكرونولوجية( طرح الأحداث والوثائق طبقا لترتيبها التاريخي) التي التزمها بكري مثلما كان تاريخ الجبرتي يفعل. نحن أمام نص كاشف يطرح فيه المؤلف علي الضمير الوطني لوحة دقيقة لما جري منذ أحداث يناير2011 حتي الآن, معتمدا علي تنوع المنصات التي تحرك عليها في حضوره العام( صحفي/ نائب برلماني/ مناضل شوارع إذا جاز التعبير), ومتكئا علي اقترابه وصلته بعشرات من صانعي القرارات داخل النظام السياسي, قدم مصطفي بكري في نصه وثائق حوارية, ومحاضر لمناقشات جمعته بكل محركي الأحداث التي شهدتها مصر في المرحلة الانتقالية, وقام بتوثيق شهادته بنصوص القرارات والقوانين, وتواريخ الجلسات, وساعة وقوع أي حدث, علي نحو جعل من كتابه مرجعية حقيقية لا يمكن لمن يريد تناول تلك الفترة أن يفعل دون الرجوع إليه. وبتواضع وموضوعية قدم الأستاذ مصطفي بكتابه قائلا: إنه حاول التزام( الحياد) ما استطاع إلي ذلك سبيلا, والحقيقة أنه بلغ معدلا قياسيا للحياد في كتابه الذي يبدو فريدا وسط النصوص التي أفرزتها انتقاضة يناير, والتي حاول أصحابها أن يخترعوا تاريخا غير ذلك الذي جري, وبيقين فإن إحدي نقاط التميز الكثيرة في كتاب الجيش والإخوان كانت قدرة المؤلف علي النفاذ إلي عقل القوات المسلحة, وتبين ردود أفعالها علي المستجدات, أو علي أقل تقدير طرح روايتها ورؤيتها للأحداث. وقائع اليوم الأخير للرئيس مبارك في الحكم, ومحاولة اغتيال عمر سليمان, واحتداد الفريق سامي عنان علي الرئيس, والحالة المعنوية التي كان مبارك عليها في كل مراحل الحدث, والالتباسات القانونية والدستورية التي طرحت نفسها علي المجلس العسكري منذ بدء إدارته للبلاد, وصولا إلي الانتخابات الرئاسية, ثم إلي إقالة القيادات العسكرية بعد حادث رفح, وهو الفصل الذي تضمن رواية تفاصيل غير مسبوقة, هذا الكتاب(452 صفحة) هو بمثابة خارطة طريق يمكن بمعونتها قراءة كل المتغيرات علي الساحة الوطنية بإدراك عميق لخلفياتها. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع