في تصريحات سابقة لي بجريدة الأسبوع 7' / 1/ '2013 قدمت تأويلًا للمادة '230' وبمقتضاه لا يحق للأعضاء المعينين في مجلس الشوري مباشرة حق التشريع، ومن ثم.. فإن كل القوانين الصادرة من المجلس ' وفي مقدمتها قانون الانتخابات البرلمانية ' تعتريها شبهة البطلان الدستوري، وبالتبعية.. قد يكون من الحكمة تأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولكن الأمر مازال متصلًا ويطرح عدة أسئلة وعلي رأسها: هل قرار السيد/رئيس الجمهورية بتعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشوري تعتريه -هو الآخر- شبهة البطلان الدستوري؟ وهل تولي مجلس الشوري سلطة التشريع كاملة ولحين انعقاد مجلس النواب، يخلو من عوار دستوري؟ ولنبدأ بالسؤال الأول ولنستدعي الذاكرة في إجابته، والذاكرة تقول: إن المادة '189' مكرر أ في التعديلات الدستورية التي جري استفتاء الشعب عليها في 19 مارس 2011 ، كانت تتضمن فقرة تنص علي: 'يتولي رئيس الجمهورية وفور انتخابه استكمال شكل المجلس بتعيين ثلث أعضائه ' وعاد الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 ليؤكد هذه الفقرة في المادة '41' ، وهكذا: أ- التعديلات الدستورية والإعلان الدستوري المشار إليهما.. أكدا أن السيد/ رئيس الجمهورية ملزم بتعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشوري 'فور انتخابه '، ولقد كان الإعلان الدستوري 30' / 3/ '2011 هو مرجعية صريحة في ديباجة قرار الرئيس الصادر في 22 / 12 / 2012 بتعيين هؤلاء الأعضاء. ب- ومن ثم.. فإن حق السيد/رئيس الجمهورية في تعيين هؤلاء الأعضاء كان حقًا موقوتًا بتوقيت ولم يكن حقًا مرسلًا في الزمن وقتما يشاء سيادته. ولكن سيادته لم يلتزم بالتوقيت كما حددته التعديلات والإعلان، وبالتبعية.. يسقط حقه في التعيين 'فلقد أدي سيادته اليمين الدستورية رئيسًا للبلاد في 29 / 6/ 2012 وأصدر قرار التعيين في 22 / 12 / 2012 ، أي بعد حوالي ستة أشهر من مباشرته السلطة وليس 'فور انتخابه .' وكان من المفترض أن يقوم الإعلان الدستوري الذي أصدره سيادته في 21 نوفمبر 2012 بغض النظر عن الرأي في الإعلان بتحصين قراره في التعيين بعدما انقضي وقته ولكن الإعلان لم يفعَّل، ومن ثم.. فلم تعد هناك حصانة لقرار السيد/ رئيس الجمهورية بتعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشوري، خاصة: أ- أن الإعلان الدستوري للرئيس والصادر في 9/ 12 / 2012 ، والذي تقول مادته الأولي: 'يلغي الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر اعتبارًا من اليوم ويبقي صحيحًا ما ترتب علي ذلك الإعلان من آثار ' لايمنح حصانة لقرار الرئيس في التعيين، فلقد جاء قرار التعيين في 22 / 12 / 2012 . ب- ولو افترضنا -جدلًا- أن السيد/رئيس الجمهورية أصدر قرار التعيين قبل تاريخ 9/ 12 / 2012 لكان من الممكن الاحتجاج بالمادة '2' من الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 21 نوفمبر 2012 ، وهي المادة التي تحصن القرارات الصادرة من سيادته، ولكن قرار التعيين- مرة أخري- جاء بعد 9/ 12 / 2012 . وهكذا.. فقرار السيد/ رئيس الجمهورية بتعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشوري يبقي عاريًا من الحصانة ويشوبه البطلان الدستوري، فلقد كان علي السيد/رئيس الجمهورية -مجددًا- أن يصدر قراره بالتعيين 'فور انتخابه ' أو يحصن قراره بالتعيين في الإعلان الدستوري الصادر من سيادته.. ولكن سيادته لم يفعل. ويظل السؤال الثاني حول تولي مجلس الشوري سلطة التشريع كاملة ومدي مواءمته الدستورية، ومن حيث المبدأ.. فإن تولي المجلس التشريعي الثاني اختصاصات المجلس التشريعي الأول في حال حل الأخير.. يبدو مقبولًا، ولكن في ظل ثلاثة شروط: 1- إن المجلس الثاني له- بالفعل- اختصاصات تشريعية واضحة ومحددة وتدرجه تحت وصف 'مجلس تشريعي .' 2- إن الاختصاصات التي يتفرد بها المجلس الأول 'مثل اقتراح القوانين الخاصة بالضرائب.. إلخ ' لا تنتقل إلي المجلس الثاني. 3- النص- صراحة وفي الدستور- علي أن المجلس الثاني غير قابل للحل. ولكن هذه الشروط الثلاثة غير متوافرة في الدستور، فلا يوجد نص صريح بأن مجلس الشوري غير قابل للحل، ولايوجد نص بأن هناك اختصاصات يتفرد بها مجلس النواب ولا يباشرها مجلس الشوري.. في حال حل مجلس النواب، وأجدها مناسبة لكي أقول.. إن الشأن المالي للدولة هو اختصاص منوط بمجلس النواب، ومن ثم.. فإنه لايحق لمجلس الشوري- من حيث المبدأ- اقتراح قانون ب 'صكوك مالية ' أو مناقشته. هناك -إذن- شرطان غير متوافرين، ولكن الأدهي.. أن الشرط المتبقي غير متوافر هو الآخر، فلا يوجد نص في هذا الدستور يمنح مجلس الشوري اختصاصًا تشريعيًا واحدًا، ولنتأمل معًا: 1- إنه مجلس لايملك ووفقًا للمادة '101' حق اقتراح القوانين. 2- إنه مجلس أحالت المادة '103' حقه في الموافقة أو عدم الموافقة علي مشروعات القوانين المقترحة من مجلس النواب إلي مجرد حق صوري ومنعدم ولا يعتد به، فوفقًا للمادة '103' فإن أي خلاف مستحكم بين المجلسين حول مشروع قانون يجري حسمه- في نهاية الأمر- بالأخذ برأي أغلبية أعضاء مجلس النواب 'ويلفت النظر.. أن الذين صاغوا هذه المادة والذين وافقوا عليها لم يهتموا- وذرًا للرماد في العيون- بالاحتكام إلي رأي ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب واكتفوا بأغلبيته .' 3- إنه مجلس تحول- وبالنص الدستوري- إلي مجرد ساتر تمويه لحجب تدخل السلطة التنفيذية ويدها القابضة في إدارة العلاقة مع رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية فجاءت المادة '202' التي تعطي للمجلس الحق في الموافقة أو عدم الموافقة علي تعيينات السيد/ رئيس الجمهورية لهؤلاء الرؤساء ولكنها تستبقيه حقًا منقوصًا.. فالمادة - أو أي مادة أخري- لم تذكر علي الإطلاق حق المجلس في مساءلة واستجواب وسحب الثقة من هؤلاء الرؤساء الذين وافق علي تعيينهم.. فأي مجلس تشريعي هذا!! فالمجالس التشريعية- وفي كل دساتير العالم- والتي يكون لها الحق في الموافقة أو عدم الموافقة علي تعيينات رئاسية، لابد -تلازمًا- أن يكون لها الحق في المساءلة والاستجواب وسحب الثقة إزاء الذين وافقت علي تعيينهم، وما عدا ذلك.. فإنها لا ترقي إلي أن تكون مجالس تشريعية. وعلاوة علي كل ما سبق.. فإن هناك مادة تضع كل النقاط فوق كل الحروف وتسدل الستار وهي المادة '115' التي تقول نصًا: 'يتولي مجلس النواب سلطة التشريع ' وبمقتضي هذه المادة وما سبق ذكره لايعود مجلس الشوري بمثابة مجلس تشريعي ولايجوز دستوريًا- وبالتالي- نقل سلطة التشريع كاملة إليه.. فهو مجرد مجلس منتخب بثلثي أعضائه ولو جاز نقل سلطة التشريع كاملة إليه.. لجاز نقلها أيضًا إلي المجالس المحلية.. فهي الأخري مجالس منتخبة!!! ويحضرني هنا ما نطق به أحد القيادات في حزب الحرية والعدالة في حوار صحفي لسيادته في إحدي الجرائد بتاريخ 27 ديسمبر 2012 ، عندما تلقي سيادته سؤالا عن اختصاصات مجلس الشوري في الدستور، فأجاب: بأن مجلس النواب لايشترط مؤهلًا عاليًا؛ حيث يقبل الحاصل علي الشهادة الابتدائية، إنما مجلس الشوري لايقبل بأقل من مؤهل عال، ولم يجد سيادته بعد ذلك أي اختصاص آخر لمجلس الشوري!! ويظل السؤال: ماذا يبقي؟ يبقي أن يرحل مجلس الشوري.. فلقد حان وقت الرحيل.