خلق الله سبحانه الكون فى تناسق كامل وتوافق فى وظائفه، ولولا هذا التوازن الذى خلقه جل شأنه لفسدت الأرض ولطغى مخلوق على آخر.. وقد يسخر الإنسان ويهزأ أو يحتقر مخلوقًا صغيرًا ضعيفًا. لكن الله سبحانه جعل فى كثير من المخلوقات الصغيرة والتى قد لا تُرى بالعين المجردة جعل فيها قوة تستطيع بها أن تهزم مخلوقات أكبر حجمًا منها وأشد قوةً.. فالفطريات مثلًا كائنات صغيرة جدًا لا يمكن رؤيتها إلا بالعدسات المجهرية، لكن الله أودع فيها قوة بها تستطيع قهر الإنسان الذى يدعى القوة والجبروت.. أليست الأمراض الخطيرة سببها فيروسات صغيرة جدًا وجراثيم وبكتيريا وفطريات حجمها أصغر من حجم حبة رمل آلاف المرات؟! ففى أحد القصور لملوك أوربا منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا كانت إحدى الحفلات تقام فى ليالى أحد الشتاءات، وكان فى كل ليلة وقبل نهاية الحفلة يسقط عدة أشخاص قتلى دون أن يتم التعرف على القاتل، وتكرر اكتشاف عدة قتلى كل ليلة بعد الحفل.. وأخيرًا وردت أنباء وتقارير من الجهات الأمنية للقصر تتحدث عن حالات تسمم غريبة فى القصر، وأحيط الأمر بالكتمان حتى يمكن التوصل إلى المجرم الحقيقى والقضاء عليه ونشط رجال الأمن ودخلوا القصور متنكرين لعلهم يكتشفون سر السم أو يكتشفون القاتل، واستمر ذلك لفترة سنوات دون أن يتم اكتشاف السر أو القاتل.. وكان السفاح القاتل يختار فصل الشتاء من كل عام لكى يوقع ضحاياه فى مخالبه وشددت الحراسة على القصور، وتم التأكد من الشخصيات التى تدخلها.. ورغم ذلك كان يحدث التسمم وبدأت الأقاويل تنتشر والإشاعات تروّج، فتارة يتهمون صاحب قصر من القصور، ولكن السفاح يدخل كل قصر من قصور النبلاء.. ومرة يتهمون الأطباء.. ووصل الأمر إلى اتهام رجال الأمن وإلى الخدم.. وهجرت القصور فى فصل الشتاء من كل عام.. وفى يوم من الأيام دعا أحد النبلاء عالمًا من العلماء على عشاء شتوى وبعد حفلة العشاء أخذ العالم يطوف القصر فاستوقفته إحدى صور لرسوم زيتية معلقة على إحدى جدران القصر ونظر إليها هذا العالم متفحصًا بدقة فوجد شيئًا أشبه بالعَتة.. فمد يده وأخذ جزءًا من الصورة المرسومة بالزيت ثم أسرع إلى بيته وفحص العينة جيدًا فوجد خيوطًا من نسيج تكاد تتمزق من اللمس ثم أخد خيطًا منها وشمها وانبعثت منها رائحة غريبة ثم وضعها تحت الميكروسكوب ونظر إليها فى حيرة فأدهشه ما رأى، وعلى الفور أخذ حقيبته وأسرع إلى بيت النبيل صاحب الصورة الزيتية ودخل إلى قاعة القصر وهو يصرخ «افتحوا الأبواب والنوافذ أيها الأمراء والنبلاء.. لقد عرفت المجرم القاتل الذى قتل العشرات بالسم..»، وتوجه إلى الصورة الزيتية قائلًا: «إن القاتل والسفاح يكمن فى هذه الصورة وضغط بأصبعه على الصورة فسقطت قطع صغيرة من الصورة وصدرت منها رائحة الزرنيخ، فقد كانت هذه الصورة قد دهنت بدهانات يدخل فى تركيبها أكسيد الزرنيج، وتعتبر هذه الصورة طعامًا شهيًا لبعض الفطريات رغم احتوائها على الزرنيخ.. ففى الشتاء عندما تغلق الأبواب والنوافذ يتجمع بخار الماء على الحائط وعلى الصور والدهانات فتقوم الفطريات بتحويل مركبات الزرنيخ إلى حالة أخرى وينطلق منها غازات سامة تتراكم فى الجو المغلق.. وهكذا يحدث التسمم البطئ بفعل الفطريات.. فسبحان الله الذى جعل الخطر فى أصغر مخلوقاته مثل هذه الفطريات -وهى قصة حقيقية حدثت منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا فى أوربا-.. ثم أليست القنبلة الذرية ثم النووية تدمر مدينة كاملة وهى مركبة من ذرة ونواة ذرة لا يمكن رؤيتها لصغر حجمها إلا بالمجاهر الإلكترونية؟! يقول المولى جل فى علاه: «وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين» صدق الله العظيم (سورة يونس - الآية 61)