استكمالًا لكلام ومقال هيكل الأسطورة... إن الذى تظنه سرًا يا صاحب الجلالة لم يعد سرًا. لم يعد سرًا - ولم يكن طوال العام الماضى سرًا - أنهم دفعوك يا صاحب الجلالة إلى أن تبتعد عن أصدقائك القدامى، الذين حملوك فوق رؤوسهم وقدموك على أنفسهم، وجعلوا منك - رغم ظلمات القرون الوسطى التى تتكاثف من حولك - قائدًا وزعيمًا يمضى بهم ومعهم فى موكب القومية العربية إلى النور الجديد الصاعد. صوّروا لك يا صاحب الجلالة أن الموكب تفرق أشتاتًا، وتشرد شراذم لا تقوى على شىء. صوّروا لك يا صاحب الجلالة أنه خير لك أن تهرب من جانب مصر قبل أن يتم عزل مصر وتعزل أنت أيضًا مع مصر. وصوّروا لك يا صاحب الجلالة ما هو أكثر من هذا - صوّروا أن زعامة العالم الإسلامى لك، وحقك، أو لنسم الأشياء بأسمائها يا صاحب الجلالة - هى نصيبك من الغنيمة. هكذا يا صاحب الجلالة تباعدت، وهذا حقك إذا كنت رأيت فيه سلامتك. ولكن الذى ليس حقك يا صاحب الجلالة هو أن تحاك المؤامرات باسمك، وتدبر جرائم القتل، قتل الأفراد وقتل الشعوب، فى سراديب قصرك، وتصدر بها الأوامر والتعليمات على أوراق مكتبك الخاص. إن الذى تظنّه سرًا - يا صاحب الجلالة - لم يعد سرًا. لكى تعرف يا صاحب الجلالة أنه لم يعد فى كل ما جرى سرا، أو شبه سر، سأروى لك أكبر أسرارك.. ذلك الذى كنت تظن أن علمه لم يصل إلى أحد، ونبأه لم يتسرب إلى مخلوق. ما الذى جرى فى اتفاقية قاعدة الظهران يا صاحب الجلالة؟! هذا هو ما حدث، وأنا أقبل قسمك، إذا وقفت أمام الكعبة، فى قداسة بيت الله الحرام، وأقسمت أنه غير صحيح. لقد كانت هناك مفاوضات فى العام الماضى بتجديد اتفاقية قاعدة الظهران. وكان رئيس وزرائك، وولى عهدك، الأمير فيصل يفاوض باسمك للوصول إلى اتفاقية يوقعها مع الحكومة الأمريكية. ووصل الأمير فيصل إلى اتفاقية معقولة تقوم على أساسين: أولهما: أن تدفع الحكومة الأمريكية مبلغ 500 مليون دولار، إيجارًا للقاعدة فى خمس سنوات، بواقع 100 مليون دولار كل سنة. ثانيهما: أن يكون استعمال القاعدة مقصورًا على تسهيل نزول الطائرات الأمريكية وصعودها وتموينها وصيانتها، وأن تكون مهمتها مقصورة على الأغراض المدنية وحدها، ثمّ اقترح السفير الأمريكى بعدها أن يكون دفع الإيجار السنوى للقاعدة وقدره 100 مليون دولار على النحو التالى: 50 مليون دولار تدفع نقدًا كل عام. 50 مليون دولار تدفع على شكل أسلحة للجيش السعودى. ودرس الأمير فيصل هذا العرض ثم رأى أن يصر - فى مفاوضته مع السفير الأمريكى - على ضرورة دفع المبلغ كله نقدًا، ولجأ السفير الأمريكى إلى الملك - إليك مباشرة - يا صاحب الجلالة - فصدر أمرك الملكى بالقبول. ثمّ جاءت شروط التسليح على النحو التالي: 1 - أن يكون تحديد نوع السلاح بمعرفة السلطات العسكرية الأمريكية. 2 - ألا تستعمل فى أغراض حربية ضد إسرائيل. 3 - أن تتولى بعثه أمريكية عسكرية توزيع هذا السلاح، وتنظيم التدريب عليه، وتحديد أماكن تجمعه. ورفض الأمير فيصل - رئيس وزرائك وولى عهدك وشقيقك - قبول هذه الشروط يا صاحب الجلالة. ثمّ كانت زيارتك الرسمية لأمريكا. وكان اتفاق القاعدة الذى توصلت إليه. وهذا هو الاتفاق يا صاحب الجلالة: 1 - إيجار القاعدة فى السنوات الخمس هو: 500 مليون دولار. 2 - تقدم 250 مليون دولار منها، منحه خاصة لجلالتك. 3 - باقى المبلغ، وهو 250 مليون دولار بواقع 50 مليون دولار كل سنة تصرف كما يلى : 5 ملايين دولار تدفع للحكومة السعودية. 45 مليون دولار ترصد للإنفاق على البعثة العسكرية الأمريكية وعلى شراء الأسلحة التى ترى شراءها. هذه هى شروط الاتفاق المالية. تبقى شروطه السياسية وهى ثلاثة أيضًا يا صاحب الجلالة : 1 - ألا يستعمل السلاح الأمريكى ضد إسرائيل. 2 - أن تدار القاعدة بمعرفة السلطات الأمريكية تستعملها كما تشاء. والسلطات الأمريكية تستعملها اليوم مخزنًا للقنابل الذرية، وتقوم منها يا صاحب الجلالة دوريات القنابل الهيدروجينية كل يوم تطوف آفاق الشرق الأوسط. 3 - أن تتعهد الحكومة الأمريكية بحماية العرش السعودى ضد أى خطر يهدّده من الخارج أو من الداخل. هذا هو السر الذى لم يعد سرًا يا صاحب الجلالة وبقيت قصة سفرك المفاجئ الغامض إلى بادن بادن، هذا السفر الذى قلت فى تبريره كل الأسباب، إلا السبب الوحيد... السبب الحقيقى! لقد سألتك السلطات الأمريكية يا صاحب الجلالة : «كيف ترى أن يتم التصرف فى نصيبك من الاتفاقية؟». ورأيت جلالتك أن يدفع المبلغ وقدره 250 مليون دولار، لحسابك فى ألمانياالغربية. وقال مدير البنك الألمانى: «إن هذا المبلغ، مبلغ ضخم، لا عهد للبنك به فى المعاملات الشخصية غير التجارية، إلا فى الحسابات المقيمة باسم الحكومات، ومن ثم فإنه من الضرورى أن يحصل البنك على خطاب من وزير المالية السعودية وذلك حتى يتم الإيداع، وفقًا للإجراءات القانونية والمالية». وضغط الملك على وزير ماليته فأرسل ذلك الخطاب للبنك ولكن المسؤولين فيه عادوا وطلبوا توقيع الملك شخصيًا - توقيعك - يا صاحب الجلالة أمام خبراء التوقيعات فى البنك. هكذا كانت سفرة بادن بادن. سفرة ألمانياالغربية - يا صاحب الجلالة. تلك كلها أسرار لم تعد أسرارًا يا صاحب الجلالة. كلها كانت خطوات فى الطريق الطويل الذى سرت عليه طوال العام الأخير ثم كانت النهاية مأساة المؤامرة الأخيرة، أو فجيعتها بتعبير أدق! مستشار بالسلك الدبلوماسى الأوربى Diplomatic Counselor Sameh Al-Mashad