كتاب (فلسفة الثورة)، كتاب يحمل أفكار الرئيس جمال عبد الناصر، قام بتحرير هذه الأفكار وصياغتها، الأستاذ الأسطورة محمد حسنين هيكل، صدر عام 1954، الكتاب من القطع الكبير، 111 صفحة، أثار ضجة كبيرة، وأقاويل كثيرة في تلك المرحلة، فلم يكن كتابا بمعنى كلمة كتاب، وإنما كان كتيبا صغيرا على شكل ثلاث مقالات أو أحاديث، وهي: 1- ليست فلسفة، 2- العمل الإيجابي، 3- بعد غيبة ثلاثة شهور. الكتاب عبارة عن خواطر دورية استكشافية لنتعرف على الأدوار التاريخية، في الماضي والحاضر، وما يجب أن نقدمه في المستقبل، لتحقيق كافة الأهداف والطموحات التي تعمل على البناء والتطوير وكشف الغموض وإزاحة الستار عن اللبس الذي يحيط بنا من أجل البناء والتنمية، وتحرير مصر والعرب من جميع الأغلال والسلاسل التي تحيط برقبتها. كتاب فلسفة الثورة، يوضح وجهة نظر الزعيم عبد الناصر عن الثورة ومفهومها وأنواعها على المستويين السياسي والاجتماعي، وكأنه يشرح للعالم بأسلوب هيكل البسيط السهل الممتنع، كيف حدثت الثورة؟ ولماذا حدثت؟ وماذا حدث بعد الثورة؟. لم يتعمقا ناصر وهيكل بفلسفتها، وإنما كتبا خواطرهما المشتركة عن الثورة، وهذا ما ورد على لسانه في الكتاب، حين قال: إنها خواطر من الأفكار كانت تعصف بعقله وتجتمع مع الأحداث في وقتها لتكتمل الصورة وتصبح واضحة جلية. أيضا استوقفني هذا السؤال: «ما هو دورنا الإيجابي في هذا العالم المضطرب، وأين هو المكان الذي يجب أن نقوم فيه في هذا الدور ؟». كما أعجبني مقولة الزعيم: «إن القدر لا يهزل، وليست هناك أحداث من صنع الصدفة، ولا وجود يصنعه الهباء، ولن نستطيع أن ننظر إلى خريطة العالم نظرة بلهاء لا ندرك بها مكاننا على الخريطة، ودورنا بحكم المكان.. أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة عربية تحيط بنا، وأن هذه الدائرة منا ونحن منها.. امتزج تاريخها بتاريخنا، وارتبطت مصالحنا بمصالحها حقيقة وفعلاً لا مجرد كلام ؟.. أيمكن أن نتجاهل أن هناك قارة إفريقية شاء لنا القدر أن نكون فيها، وشاء أيضا أن يكون فيها اليوم صراع مروع حول مستقبلها، وهو صراع سوف تكون آثاره لنا أو علينا سواء أردنا أو لم نرد؟.. فليس عبثاً أن بلدنا يقع في شمال شرق القارة السوداء التي يدور فيها اليوم أعنف صراع بين مستعمريها البيض وأهلها السود من أجل مواردها التي لا تحد.” في نهاية كتاب فلسفة الثورة، أعجبتني أيضا ثقة الزعيم عبد الناصر المرتفعة بنفسه عندما قال: «ذلك هو الدور، وتلك هي ملامحه، وهذا هو مسرحه، ونحن وحدنا بحكم المكان نستطيع القيام به». ناصر كما لم أعرفه من قبل، استطاع أن يقرأ الواقع و التاريخ و المكان بهذا التصور، قراءة لا تزال صالحة للتعقيب والتدريس والفهم اليوم بعد مرور أكثر من ستين عاما، فقد شرح لماذا لم تنجح الثورة و تحقق كامل أهدافها، استطاع أن يضع يده علي مواطن الضعف والوهن والمرض و حاول قدر الإمكان علاجها، فهو كتاب مبهر رغم حجمه الصغير وبساطة سرد أحداثه. فهذا الكتاب أثبت صدق مقولة جمال حمدان: «الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون، أنت مصري إذن أنت ناصري، حتى لو انفصلنا عنه». وأتذكر محمد كمال تأكيدا على أنه ليس أدل من هذا المفهوم على وعي هذا المصري المخلص الذي استأثر بقلوب الملايين لأنه أدرك القيمة الحقيقية لهذا الوطن؛ فجعله في أيدي المصريين بعد طول غياب، فإذا تأملنا مفهومي الجمالين (حمدان وعبد الناصر)، سنجد أن مصر بقدرها المحتوم تقع داخل دائرة سلوكية إجبارية في هذه المنطقة من العالم على المحاور الجغرافية والتاريخية والسياسية، بما يلقي عليها دوماً عبء القيادة والحماية كوطن يملك كثيراً من معطيات النبل والفروسية، وقد ثبت هذا عبر حقب متعاقبة استطاعت مصر خلالها أن تغيث الملهوفين من صنّاع الأفكار وأصحاب الرسالات النبوية وضحايا التنكيل والقهر، مثلما احتضنت المريدين والعاشقين لحضارتها الإنسانية وأهلها الطيبين وعقيدتها الوسطية السمحة. بيد أن هذا الدور التاريخي لم يكن فعالاً إلا في ظل حاكمية يقظة ووعي شمولي لزعماء من أمثال عبد الناصر الذي أيقن أن التصدي للقرصنة الغربية لن يفلح إلا بتماس مصر مع مجالاتها المحيطة بها عربياً وآسيوياً وإفريقياً عبر دوائر متعاشقة رسمت وجه الشرق، فإذا كان مصدر القوة يأتي من ذلك الإلتحام الوجوبي الذي لا فكاك منه، فإنه بالضرورة يحمل في نسيجه أيضاً قواسماً روحية ومعرفية مشتركة، مثل العقيدة والإبداع، لذا فمن المدهش أن نتوجه ثقافياً صوب الغرب فقط، وهو الذي لم يكف يوماً عن التعامل معنا بلغة فوقية تحفها القرصنة، بينما ندير ظهورنا لحدودنا الشرقية والجنوبية، كعمق استراتيجي يحتاج منا لإقامة الكثير من الجسور معه علي كل الأصعدة. مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي Diplomatic Counselor Sameh Al-Mashad