لقد رفض «الأسطورة هيكل»، بإصرار، وتصميم، أن يستجيب لجميع التدخلات الوطنية، من وطنيين، أرادوا الصلح والإصلاح، ودوا لو أن هذه العواصف، والبراكين، والزلازل مرت بتوابعها، دون خسائر على جميع الأطراف، فى صراع الحيتان، فى بطون البحار، وحدث بالفعل أن قام وزير الدولة، لشؤون الرئاسة المصرية، بالاتصال بالأستاذ، ليعلمه أنه قام بإعداد جناح خاص، يتكون من غرف خمسة، فى «قصر عابدين» من أجل البدء فى جدول أعماله السياسي، بعد منحه منصب، «مستشار رئيس الجمهورية»، ولكن «هيكل»، فاجأ الجميع، فقال لمندوب رئيس الدولة، بكل صرامة: لن أذهب إلى «عابدين»، ولكن السادات، اعتبر ذلك تحديا لرمز الدولة المصرية، فأراد أن يرد على هذه الإهانة فى «الأهرام». كيف رد السادات على إهانة هيكل؟ بعد ظهر نفس اليوم، أصدر السادات، قرارًا جمهوريا، بتعيين «على أمين»، مديرًا لتحرير الأهرام، وسقط القرار، على جميع الأوساط الصحافية، كالقنبلة، أما الصاعقة الداخلية، فحدثت داخل الأهرام، وهى الرفض التام، لوجود «على أمين»، كمدير تحرير، ولكن السادات من جانبه، أراد أن يؤكد تأييده العميق، للكاتب الصحفى «على أمين»، فأصدر فرمانه الرئاسي، بترقيته إلى رئيس تحرير، فى يوم 8 فبراير 1974. جرت عجلة التاريخ، وتوالت الأحداث، وتبدلت الأحوال، وتغيرت الظروف، ولم يتصور أحد، أن الزلازل قوية، والعواصف عاتية، والجدالات متوالية، والمصائب متتالية، والأحداث مسرعة، لدرجة أنه فى أسبوع واحد، خرج «مصطفى أمين»، من السجن، وخرج «هيكل»، من الأهرام، ودخل «على أمين»، الأهرام، رئيسًا لتحريرها، ولكن تحرك الزلزال، وانفجر البركان، وقوى الصدام بين على أمين، ورؤساء الأقسام، وقيادات «الأهرام»، فأحدث ذلك شرخا كبيرا، وجرحا عميقا، ما لبث السادات أن قدم الدواء، لتضميد الجراحات، قبل مرور أربعة أشهر، فأعاد «على أمين»، إلى داره، دار «أخبار اليوم»، رئيسًا لمجلس إدارتها، وبصحبته توءمه، «مصطفى أمين»، رئيسًا للتحرير. وكانت بداية تاريخ جديد، فى مصر المحروسة، تبدلت فيه الأحداث، وتعدلت بعده السياسات، وتغيرت فيه المواقف، وكانت عودة «التوءمين أمين» إلى بلاط صاحبة الجلالة المصرية، بمثابة نقطة الانطلاقة، لواحدة من أبشع الشرارات، وأشنع الحملات، للتشهير بالزعيم البطل، «جمال عبدالناصر»، نالت كل عهده، وجميع إنجازاته، التى حولها المضللون، إلى مصائب، وكافة قراراته بلا استثناء، تحولت إلى نكبات، حتى نشبت هذه الحملة المأجورة، وهذه التشويهات المغرورة، فطالت السد العالي، وطالب بعض هؤلاء المسعورين، لغباءاتهم، وتهوراتهم، فى حمأة ذلك السعار، ونكبة هذا الفكر، بهدم السد العالي. كانت هذه الحملة الأولية، بداية حملات التشهير، التى انطلقت بعد إطلاق سراح أمين، وفور تعيينه رئيسا لتحرير «أخبار اليوم»، فكانت هذه الحملة الظالمة، الجائرة، الضالة، المضلة، ضد نظام، وإنجازات، وسياسات، وقضايا، الزعيم الراحل، حيث ركزت هذه الهمجيات، والهجمات المسعورة، على تفاصيل لا يعقلها عاقل، أولها اتهام الزعيم بالجنون، فقتل الدكتور أنور المفتي، الذى اكتشف جنونه، كما نالت هذه الحملة الواهمة، الواهية، «القطاع العام»، حيث اعتبروه نكبة، واعتبروا «التصنيع»، كارثة، وقدموا علاقة مصر القوية، بالإتحاد السوفيتي، إلى «استعمار»، ولم تتوقف الحملة، ولم تكتف بالسفاهة التى نالت من عبد الناصر، ولكنها وصفت مساندة «حركات التحرر الوطني» ب«السفه»، وقدموا الزعيم على أنه ديكتاتور، وطاغية، وصوروا عهده على أنه أبشع من عصر النازية. ولم ينج هيكل من هذه المفرقعات، فكان له نصيب الأسد، من مدافع مصطفى أمين الثقيلة، ولكنهم نسوا أو تناسوا، أن الأستاذ هيكل، لدية حصانة تاريخية، وصدادات قوية، لهذه المدافع المتهاوية، ولديه الحماية الكافية، التى تكفى لصد الأعداء، ورد كيدهم فى نحورهم، وهذه الحصانة، والحماية، والصدادة، هى فقط أنه الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، فلم تنل منه، ولم تغتله صحافيا، أو سياسيا، أو تاريخيا، ولكن ذهب الجميع، ورحل الراحلون، وبقى اسم، وتاريخ هيكل، هو الشاهد عليه، حيا وميتا.