فى أول مرة دخل فيها د. عبدالقادر حاتم، الأهرام ظهر يوم السبت 2 فبراير 74 خلفا للأستاذ محمد حسنين هيكل كان وحده، أما فى نفس اليوم فى الخامسة والنصف مساء فقد دخل حاتم الأهرام يصحبه الأستاذ على أمين الذى كان ظهوره مفاجأة كبرى لم يتوقعها أحد. وكان أول لقاء مع حاتم ومعه على أمين فى غرفة الاجتماعات الخاصة بمجلس التحرير فى الدور الرابع. تحدث الدكتور حاتم فقال إنه جاء الأهرام بتكليف من الرئيس السادات فى مهمة لا يعرف كم ستستمر، وإن الرئيس كلف الأستاذ على أمين أن يكون مديرا لتحرير الأهرام، وإن على أمين هو الذى اختار هذا المنصب. بعد ذلك أشار حاتم إلى الأستاذ هيكل دون أن يقول اسمه قائلا: إن من الواجب ألا نطعن فى أى فرد خدم بلده فى أى موقع، وإن الأهرام كان وسيظل مؤسسة كبيرة ولها سمعتها واسمها. ومن هذه المقدمة انتقل حاتم إلى شرح موجز للسياسة العامة فى مصر فى ذلك الوقت منهيا حديثه بتأكيده عدم تغيير شىء أو التدخل فى أعمال التحرير فالأهرام ليس مصلحة حكومية وكفاءاته عالية، ويجب أن تنطلق بثقة. وبعد هذه الكلمة غادر حاتم القاعة وتبعه على أمين، وما إن وقفنا مستعدين للخروج حتى أشار لنا على أمين أنه سيعود بعد توصيل الدكتور حاتم ليواصل معنا الاجتماع. ولد على أمين وتوأمه مصطفى يوم 21 فبراير 1914 فى منزل سعد زغلول خال «رتيبة» التى تزوجت من محامٍ اسمه «محمد أمين يوسف». ولتنقلاته بين المنصورة ودمياط ومدن أخرى لممارسة عمله، بقيت رتيبة مع التوأم الذى أنجبته فى بيت خالها سعد وتربيا فيه وأصبحا يناديان سعد زغول بكلمة «جدى» وهى كلمة أسعدته كثيرا لأنه لم ينجب أولادا، وبالتالى ليس له أحفاد. وقد أتاح ذلك للتوأم مشاهدة نجوم رجال السياسة فى مصر والجلوس مع الكبار وقراءة الصحف والمجلات التى كانت تصل إلى زعيم الأمة إلى جانب مكتبته الكبيرة مما كان له أثره الكبير فى عشق الاثنين للصحافة وهما تلميذان. وقد سافر «على» إلى إنجلترا للحصول على بكالوريوس الهندسة من جامعة شيفيلد وتأثر بالصحافة الإنجليزية، وظل يحلم بإصدار صحيفة يحقق فيها مخزون أفكاره وهو ما تحقق عندما أصدر مع مصطفى صحيفة أخبار اليوم فى نوفمبر 1944 التى كانت ثورة فى الصحافة المصرية ومدرسة جديدة جعلها أكثر الصحف توزيعا. ارتبط على ومصطفى بأخبار اليوم، ولكن بعد تأميم الصحف عام 1961 تعرض الإخوان لحركة تنقلات بين أخبار اليوم ودار الهلال، وفى مايو 65 فى ظل سيطرة الشيوعيين على أخبار اليوم شكا على أمين لتلميذه هيكل من جو أخبار اليوم الخانق طالبا قبوله العمل فى الأهرام. وبالفعل فى مايو 1965 نشر الأهرام خبرا فى الصفحة الأولى عن تعيين على أمين مراسلا خاصا للأهرام فى لندن بالإضافة- هكذا قال خبر الأهرام- إلى كتابة عموده اليومى المشهور «فكرة». (انظر كتاب هيكل: بين الصحافة والسياسة) إلا أن الأحداث لم تتح لعلى أمين تنفيذ ما تعاقد عليه مع الأهرام. ففى 18 يوليو بعد حوالى شهر من سفره إلى لندن قبض على توأمه مصطفى الذى اتهم بالتجسس لأمريكا، وظل مصطفى تسع سنوات فى السجن إلى أن أفرج عنه السادات يوم 24 يناير 74 وأصدر عفوا عنه. أما على أمين فقد ظل فى لندن التى سافر إليها إلى أن أرسل رسالة إلى أنور السادات يطلب فيها العودة لمصر، فرد عليه السادات قائلا: «إننى لا أحرم مصريا من العودة إلى وطنه». وبالفعل عاد على أمين إلى القاهرة فى الأسبوع الأول من يناير 74 (قبل ثلاثة أسابيع من العفو عن مصطفى). وقد استقبله الأستاذ هيكل فى مبنى «الأهرام» فى منتصف شهر يناير (أيضا قبل الإفراج عن مصطفى) وصحبه فى جولة مر فيها على أقسام الصحيفة التى أبدى على أمين إعجابه بها. وفى 18 يناير 1974 فاجأ على أمين هيكل بزيارة ثانية فى مكتبه فى الأهرام قدم له فيها أول فكرة يكتبها لينشرها فى «الأهرام» التى عين على أمين نفسه كاتبا فيها، وكان موضوعها «أهرام هيكل»، ولكنها كانت من نوع العسل الغارق بالسم، ولهذا لم تر النور. ولم يكن هناك من يتصور أن عجلة الأحداث ستدور بسرعة، وأنه تقريبا فى أسبوع واحد سيخرج مصطفى أمين من السجن، ويخرج هيكل من الأهرام، ويدخله على أمين رئيسا لتحريرها! اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة