ظلت مصر لحقبات طويلة من الزمن تحت حكم حكام غير مصريين وغير عرب ولا ينتمون إلى مصر بأى صفة ولا آصرة قربى سوى أنهم جاءوها غزاة تحت ذرائع كثيرة فمنهم من حكم مصر باسم الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية العثمانية التى أسسها )عثمان آرطغل( ومنهم من حكم مصر باسم تخليصها من الحملات العسكرية.وذلك فضلًا عن المستعمرين على مدى التاريخ ومصر تمتلك من الأصالة التاريخية ما تفتقده كثير من شعوب العالم، وربما خفى على الكثيرين أن تاريخ مصر لم يبدأ منذ سبعة آلاف سنة وإنما بدأ قبل عشرات الملايين من السنوات أى منذ الجد الرابع لأبى البشر آدم )عليه السلام( وأن المصريين جميعًا )مسلمين ومسيحيين( هم من أصل واحد وأب واحد هو «قبط بن مصرايم بن مواكيل بن داويل بن عرباب بن آدم» وأن كلمة )أقباط( لا تعنى مسيحيين فحسب وإنما تعنى جميع المصريين فالمصريون «مسلمين ومسيحيين» أقباط من أبيهم الأول «قبط» ولذلك مقالة خاصة فى دراسة مطولة للتاريخ المصرى الأقدم.. أما العصور المتأخرة جدًا والتى تؤرخ بتاريخ مولد المسيح عيسى وما قبل مولده فقد حكم مصر قبل حوالى أربعة آلاف سنة حوالى ثلاثين أسرة فرعونية بدأت بحكم الأسرتين الأولى والثانية من عام 3200 ق.م إلى عام 2780 ق.م وهو ما عرف بالعصر الطينى إلى أن وصل إلى حكم الأسرات الفرعونية السادسة عشرة والسابعة عشرة والمعروف بحكم «الهكسوس» ثم الحكم الصاوى ثم الحكم الآشورى لمصر من )العراق( ثم حكم الإغريق لمصر من اليونان ثم حكم البطالسة مصر بعد حكم الإسكندر الأكبر عام 323 ق.م ثم حكم مصر الرومان من إيطاليا من 30 ق.م إلى عام 641 ميلادية أى نحو 671 سنة كاملة وهكذا تداولت على حكم مصر ثلاثون أسرة فرعونية من جنسيات متعددة ومختلفة لا يجمع بينها سوى مطامعها فى خيرات مصر والفراعنة أنفسهم لا يرجعون إلى أصل مصرى فالفراعنة ليسوا مصريين صرحاء.، وإنما هم غزاة شأنهم شأن من جاءوا إلى مصر وغزوها واستقروا بها عقودًا طويلة من الزمن فلا يعنى نزولهم أرض مصر لفترات من الزمن أنهم مصريون مثل بنى إسرائيل ونبيهم يوسف والذين دخلوا مصر مهاجرين إليها بسبب القحط والمجاعة التى أصابتهم فى بواديها وقد نزحو إلى مصر فى عهد فرعونها )أمينوس( عام 1430 ق.م ثم طردهم الفرعون رمسيس الثانى حوالى عام 1230 ق.م . وتوالى الغزاة يحكمون مصر عشرات الآلاف من السنوات إلى أن غزاها الأتراك ومماليكهم وحكموها واستوطنوا بها واستلم زمام الحكم فيها مئات من الحكام الدخلاء غير المصريين على سبيل المثال لا الحصر: «قنصوة الغورى -ومحمد على -والمعز لدين الله الفاطمى -ثم الخديوى إسماعيل وغيره من الخديوات والملك فؤاد ثم ابنه الملك فاروق» وجميعهم أتراك ومماليك وأرمن ليس فيهم مصرى أصيل واحد. أما سعد زغلول فلم يكن حاكما لمصر وإنما كان رئيس حكومة فى دولة يملكها تركى... ثم جاء الاحتلال الفرنسى والإنجليزى.... حتى جاء رجل مصرى أصيل من صعيد مصر لا لبس ولا التباس فى أصوله المصرية هو جمال عبد الناصر. والحديث عن هذا الرجل يستغرق مساحة من الكتابة والزمن بقدر عظمة هذا الرجل الذى كان أول قائد ثورة حقيقية مصرية أصيلة منذ عهود وعصور. وعبد الناصر تقاس قامته بما أنجز وقدم لمصر ولشعبها فلم تعرف مصر مجانية التعليم والصحة إلا بدءًا بعهده وما استرد الفلاحون أصحاب الأرض مزارعهم من الملاك الأجانب من الاقطاعيين الأتراك والأرض والمماليك وغيرهم إلا فى عهده ولم تكن قناة السويس لتعود مصرية إلا بعد أن حررها عبد الناصر من الاستعمارين الفرنسى والإنجليزى. والحديث عن عبد الناصر لابد أن يكون بمثل عظمة هذا الرجل وبمثل قامته فهو زعيم مصرى صريح أصبح زعيما عالميا بمواقفة البطولية وبلغ شأنًا عظيمًا وعندما مات لم يترك خلفه أرصدة مالية فى البنوك ولا قصورًا، وإنما ترك إرثًا من نظافة ذات اليد والعزة والمجد لبلاده مصر حتى أعداؤه الذين حاربوه ثمانية عشر عامًا دانوا له واعترفوا له بصدقه وإخلاصه لمصر وأرسلوا وفودهم لحضور جنازته التى خرج إليها ملايين المصريين مودعين رجلًا عظيمًا عاش فقيرًا مخلصًا ومات فقيرًا ما بدل عهدًا ولا قيمة تبديلًا.