" من أجمل المظاهر الاحتفالية لأهل القرى والنجوع بمصر وبخاصة في الصعيد والوجه البحري هو قراءة القرآن وإقامة السهرات الرمضانية ليلا بالمنادر والمضايف الخاصة بالعائلات وبعض الموسرين من أهل تلك القرى . وتلك العادة الجميلة والمحببة إلى النفوس التواقة إلى الأجواء الروحانية والاجتماعية مازالت موجودة إلى الآن ولكن بنسب قليلة عن السنوات الماضية بسبب الكثير من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي قلصت من وجود تلك العادات التراثية الجميلة الموروثة عبر الآباء والأجداد ناهيك عن حياة المدينة وانتشار وسائل الترفيه المختلفة من راديو وتليفزيون وقنوات فضائية أصبحت تقدم الكثير من البرامج الدينية والثقافية والترفيهية في حتى أصبحت سببا رئيسيا وراء تغير تلك العادات وقلة تواجدها على عكس الماضي ، ورغم ذلك مازالت منادر ومضايف العائلات بالقرى والنجوع تفتح أبوابها أمام الزائرين خلال شهر رمضان من أبناء عائلات تلك القرى وأبناء العائلات الأخرى من القرى المجاورة الحريصين على تبادل الزيارات الرمضانية من خلال تلك المنادر التي مازالت موجودة إلى الآن وظلت تؤدي وظائف متعددة للعائلات كإقامة مراسم التعازي بها وإقامة حفلات الزفاف ، واستقبال بعض الرموز الوطنية خلال مناسبات الانتخابات في مصر ، إضافة إلى إقامة السهرات الرمضانية من خلال مقرئ معروف عادة ما يكون من أهل تلك القرية أو من مقرئي القرى المجاورة يقوم كل ليلة وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح بقراءة ما تيسر من القرآن أو من قصار السور أو الآيات المتعلقة بالصوم والزكاة والصدقات خلال تواجد الزائرين ثم يقوم خلال الشهر الكريم بختم القرآن الكريم ، ومن حوله أهل المندرة الذين يقومون بالخدمة وتقديم المشروبات الساخنة والباردة للزائرين ، وقديما كان الشيخ يجلس على دكة مرتفعة ويقوم في أغلب الأوقات بتجويد القرآن بدون الاعتماد على مكبرات الصوت التي لم تكن متوفرة فيما مضى بسبب عدم وجود الكهرباء في كثير من القرى في ستينات وسبعينات القرن الماضي وكان الاعتماد فيها على إنارة لمبات الجاز وما يسمى بالكلوب خلال شهر رمضان ، حتى أصبحت تلك السهرات الرمضانية وبما يتبعها من تجمعات العائلات وفرحة أطفال القرية لوجود أكثر من مندرة تخص كل عائلة بها من أهم المظاهر الاحتفالية بشهر رمضان ، ومازالت بعضها عامرا وباقيا إلى الآن والكثير منها كان طريقه للزوال وسط كبار السن من الذين حضروا تلك المناسبات ويتحسرون على ما انقضى وفات . وفي قرية بني قريش بمحافظة الشرقية رصدنا تلك الظاهرة التي وجدناها مستمرة إلى الآن ولكن بنسبة أقل عما كانت عليه تلك القرية في الماضي والتي كان يحرص فيها العائلات بها على إقامة تلك السهرات الرمضانية وقراءة القرآن كعائلة الجهلان وعائلة عيد وسمن بجهة أخرى من القرية وفي الجهة الأخرى كانت منادر عائلة الفقي وعمارة وعزام ورخا والنجارين وغيرها من العائلات والأفراد ، وضمن تلك المنادر كانت مندرة الحاج عبد البديع عزام التي مازالت وإلى الآن حريصة على فتح أبوابها للزائرين لحرص صاحبها على استمرارية تلك العادة الموروثة من أجداده ولهذا فقد أقامها في منزل وعلى نفقته الخاصة ويتردد عليها الزائرين خلال شهر رمضان من القرية والقرى المجاورة مع وجود بعض المنادر القليلة الأخرى . وفي تلك المندرة حرص صاحبها على اختيار مقرئ شهير من أهل القرية وهو الشيخ محمد عامر عطية من مواليد 1953م وشهرته " الشيخ نجيب " نسبة إلى الرئيس محمد نجيب ، ويعتبر من أقد المقرئين بالقرية وقد حفظ القرآن على يد الشيخ سامي عيد وغيره من كبار المشايخ بالقرية التي تشتهر بقراءة القرآن وتحفيظه عبر علماء أجلاء وبما يميزها عن القرى المجاورة ، وقد عمل الشيخ نجيب كمقيم شعائر قبل خروجه من الخدمة بالمسجد الشرقي التابع لوزارة الأوقاف بقرية بني قريش ومازال يؤدي الصلوات بالمسجد ومنها أدائه لصلاة التراويح خلال شهر رمضان ، ثم يقوم بالقراءة بالسهرة الرمضانية الخاصة بالحاج عبد البديع عزام وبخاصة خلال قدوم الزائرين وسط الإنارة والزينات التي علقت خصيصا لتلك المناسبة الجميلة في وسط القرية مما جعلها مظهر من مظاهر احتفال تلك القرية بالشهر الكريم ومازالت منتشرة في الكثير من القرى بالمحافظة والمحافظات الأخرى بالوجه البحرية ، وقرى محافظات الصعيد وإن قلت عن سابق عهدها بالماضي .