رغم مواجهة الرئيس المخلوع حسني مبارك لاتهامات عديدة قد تصل عقوبة بعضها إلي الإعدام، وتسريب مئات الملفات عن تورط أعضاء النظام السابق في قضايا فساد وتربح، إلا أن ما سبق لم يمنع من وجود متعاطفين مع مبارك تظاهروا لمنع محاكمته والعفو عنه، يأتي ذلك بعد أن طالب عشرات الأفراد بعدم تقديم مبارك للمحاكمة لما قدمه من إنجازات كبيرة للبلاد بحسب قولهم، خلال فترة حكمه والتي بلغت 30 عامًا، مهدَّدين بالاعتصام لحين تحقيق مطالبهم، وهذا هو ما أثار اهتمام خبراء نفسيين أعتبروا أن مناصريه مرضي بحاجة إلي العلاج. حيث أعتبر الدكتور عبد الرحمن سعفان أستاذ الطب النفسي المتعاطفين مع مبارك مجرد مرضي، قائلاً: "حالة التعاطف التي يشعر بها البعض مع مبارك، هي مرض نفسي معروف يسمي "متلازمة ستوكهولم" ولتوضيح ذلك، يجب إلقاء الضوء قليلاً علي ما حدث في صيف 1973 في مدينة ستوكهولم في السويد، حينما حاول سجين هارب بمشاركة بعض اللصوص سرقة بنك، وعلي أثر ذلك احتجزوا أربعة موظفين كرهائن، حيث ظلوا رهن الاختطاف لمدة ستة أيام، المدهش أنه حينما حاول رجال الأمن إنقاذهم من أيدي المختطفين قاوموا رجال الأمن ودافعوا عنهم، بل ورفضوا أن يتركوا الخاطفين، والأغرب أنهم حينما تحرَّروا، جمعوا التبرعات لتوكيل محام للدفاع عن الخاطفين أمام القضاء". ويقول سعفان إن هذه الحادثة شديدة الغرابة دفعت علماء النفس لتحليل مشاعر المخطوفين، وكيف تعاطفوا مع جلاديهم، رغم ما تعرضوا له من خطف وترهيب وتهديد طوال ستة أيام متواصلة. وبعد دراسة حالات المختطفين وحالات أخري شبيهة، توصل العلماء إلي توصيف لتلك الحالة الغريبة، وهو ما أطلقوا عليه اسم "متلازمة ستوكهولم"، وهي ظاهرة نفسية تصيب المخطوف أو الشخص الذي تعرض للاعتداء، بحالة من التعاطف مع جلاده أو خاطفه، بحيث يبدي اقتناعًا بآراء الخاطف والمبادئ الذي من أجلها خطفه واعتدي عليه، رغم إمكانية تعرضه لأنواع من التعذيب البدني والنفسي علي يد هذا الخاطف. ويقول سعفان بإن تفسير تلك الظاهرة يتعلق بأنه في أثناء عملية الخطف يصاب المختطف بالرعب الشديد من الخاطفين، فتبدأ لديه حيلة نفسية غير واعية، تجعل المخطوف يتعاطف مع خاطفه ويقترب منه، ويعد أي فعل لين من الخاطف عطاء سخيًّا يستلزم محبة له، رغم أن الخاطف سلبه حريته وانتهك آدميته، إلا أنه يظن أن الخاطف منّ عليه بتلك المعاملة اللينة أثناء الاختطاف، ومن ثم يحاول المخطوف إرضاء الخاطف في المرحلة التالية لمرحلة إعجابه به، فيتودد له ويحاول إرضاءه حتي ولو كان ذلك علي حساب حريته وإنسانيته، ثم ينتقل لمرحلة تالية يري فيها من يحاول إنقاذه يهدده بخطر كبير، هو خطر كسر حالة الاستقرار الحاصلة بينه وبين الخاطف، ثم يصل إلي المرحلة الأخطر وهي مرحلة الإنكار الذي تضع المخطوف بين الحيرة لما حدث له والإعجاب بالخاطف، فلا يستطيع أن يكره خاطفه أو يلقي باللوم عليه، بل يلقي باللوم أولاً علي المنقذين الذين حرروه من أيدي الخاطف، وعندئذ يلجأ المخطوف إلي الحيل الدفاعية النفسية والتي تمنعه من تقبل أي خيارات أخري للتعامل مع هذه الأزمة النفسية. ويستطرد سعفان قائلاً: "إذا رأينا حجم التعاطف الذي يبديه بعض المصريين نحو حسني مبارك الرئيس المخلوع، والهجوم الذي يتلقاه الثوار يوميًّا من الذين استمرؤوا الذل ورضوا بالمهانة سبيلاً لحياتهم، يمكننا تفسير ذلك وفق تلك المتلازمة التي سميتها "متلازمة حسني مبارك" ونظامه، فالكثير من المصريين تعلقوا بجلادهم وخاطفهم، ودخلوا في حالة من التناغم بينهم وبينه، جعلتهم أشد تعلقًا بالجلاد من المخطوفين الذين يعذبون ليل نهار، أحس هؤلاء بحالة القوة التي تبدو في حديث مبارك فتعلقوا به، وقدموا له فروض الولاء والطاعة، واعتبروا الخروج عليه إهانة لرجل كبير في السن، بخلاف الذين اعتبروا ذلك أمرًا محرمًا شرعًا، واعتبر هؤلاء الفتات الذي يلقيه حسني مبارك لهم عبر العلاوات السنوية كرمًا زائدًا، وتكرمًا من الرئيس لا ينبغي عليه أن يقدمه للشعب، بل وبرروا المليارات التي نهبها حسني مبارك، بأنه إذا كان مرتب بعض من يعملون في البترول بالملايين، فمن حق الرئيس أن يمتلك المليارات! ومن ثم انتقلوا إلي المرحلة التالية وهي مرحلة الهجوم علي من يحاولون إنقاذهم من جلادهم، واعتبروا كل من يهاجم حسني مبارك إما خائنًا أو عميلاً، رغم المعاناة اليومية التي كانوا يتحدثون عنها في مجالسهم. ويضيف سعفان: "حين انكسر القيد، وفتحت أبواب الحرية، وقامت الثورة الشعبية، وقع هؤلاء في مرحلة الحيرة والإعجاب، حيرتهم لما حدث لهم طوال ثلاثين عامًا من القهر والظلم، وإعجابهم بالجلاد وقوته في حكم هذا الشعب طوال تلك الفترة، فبدؤوا اللجوء إلي الحيل الدفاعية، فألقوا باللوم علي الثوار الذين أخرجوهم من السجن المظلم، وتركوهم أمام شمس الحرية التي تكاد تعمي أعينهم". وأكد سعفان علي أن من أصيبوا بمتلازمة مبارك بحاجة إلي الدعم والمساندة وإخراج المصاب من عزلته، كما يجب إعادة صياغة معاني السلوك الأخلاقي ومفاهيم الشر والخير لديهم ليواصلوا حياتهم بشكل سوي. ويري حسن عمر الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن المتعاطفين مع مبارك من المصريين، إما من علية القوم وهم فريق لم يشعر بالآلام التي تكبدها ملايين المواطنين، أو بعض المصريين العاملين في الخارج الذين لم يدركوا معني أن يتيه أكثر من 18 مليون شاب في متاهة البطالة والعوز، فترتفع نسب الجريمة في كل مناحي البلاد. ويضيف عمر: "لم يستشعر هؤلاء معاناة 22 مليونًا عاشوا أسفل خط الفقر لعشرات السنين، وأري ألا نتعاطف مع مبارك ولا نغلظ عليه، فقط علينا الالتفات إلي إعادة بناء مصر ونترك مبارك للقضاء يحكم في أمره، لكن ليس من العدل الحديث عن عدم جواز أو وجوب المحاكمة، فأثناء الثورة أتذكر رفضي ومعي كل العقلاء أن يتعرض مبارك للإهانات من المتظاهرين، رغم دعمي التام للثورة، لأنني فقط طالبت بأن نرتقي في خلافاتنا ونحفظ حق رجل جلس علي مقعد رئاسة مصر ثلاثين عامًا، وإن كان فاسدًا أو راعيًا لفساد ضربت جذوره كل المجالات، وأسهم في تجويع ملايين المصريين، وسمح لأسرته وشرذمة من المنتفعين عديمي الضمير أن يتحكموا في مصير هذا الشعب الأبي، لكن لا شرع ولا قانون يقران إهانته مبارك أو تعرضه لأي إيذاء، اللهم إلا أن يتقدم لمحاكمة عادلة، والجميع يثق في نزاهة القضاء المصري وقدرته علي تبيان الحقائق ومنح كل طرف حقه". ويتفق المستشار سعد زاهر مع تلك الرؤية فيقول: "فلماذا يستبق الغاضبون من محاكمة مبارك الأحداث ويصفونها بالبهدلة للرئيس السابق، لماذا يصدرون الحكم مسبقًا؟ أليس من الجائز أن يبرئه القضاء، أرجو ألا نستبق الأحداث وأن نترك القانون لمجرياته، فمبارك الآن مواطن مصري كغيره، بيد أنه متهم بضلوعه في عدة تهم بحق شعبه، حينما تولي أمرهم طوال ثلاثة عقود من الزمان منها رعايته وحمايته للفساد، ومسؤوليته عن قتل المصريين المتظاهرين في ميدان التحرير أثناء الثورة، فلنترك القضاء يقول الكلمة الفصل بحقه، وعلينا الامتثال لحكمه". وأضاف زاهر: "لم تعد محاكمة مبارك حلمًا بعيد المنال، بل أصبحت واقعًا، ولذلك ليس من المفترض أن يكون نقاشنا الآن حول جواز محاكمته من عدمه، بل النقاش الضروري يجب أن يكون حول طابع هذه المحاكمة ومغزاها، وهل يُحاكم علي جرائم منسوبة إلي شخصه فقط، أم علي مسؤوليته السياسية عن جرائم نظامه كلها أيضًا؟ فهذه محاكمة تاريخية بكل معاني الكلمة، ترسي مبادئ عامة وتفتح آفاقًا للمستقبل، وتؤطر لمرحلة جديدة سينعم فيها المصريون بالمشاركة الحقيقية في حكم بلادهم ومحاسبة أي مسؤول يتجبَّر عليهم مجددًا".