تاريخ أمريكا الأسود وممارساتها كفيلة بإثارة الشكوك حولها وحول مراميها بالنسبة لأي موقف تتخذه حيال مايحدث في المنطقة. لقد خرجت اليوم لمجابهة 'داعش' رغم أنها في الأصل هي التي صنعتها، فأمريكا هي التي أطلقت هذا المارد من عقاله وسلطته علي سوريا لإسقاط النظام ودعمته بالمال والسلاح والتدريب والعتاد والرجال. فتحت له الباب علي مصراعيه لاحتلال مناطق استراتيجية واسعة في شمال العراق ونحو ثلث الأراضي السورية. أمريكا هي التي زرعت هذه النبتة الشيطانية ونمتها وأمدتها بكل ماتحتاجه، استغلت ماسمي بثورات الربيع العربي لكي تطلق هذا الشيطان من عقاله نحو دول المنطقة سعيا للتخريب والتدمير والقتل علي الهوية. لم يأت دخول 'داعش' للمنطقة الكردية من فراغ وإنما جاء وفق سيناريو رسم بدقة، فالمنطقة خط أحمر بالنسبة لأمريكا لايمكن لأحد الاقتراب منها. واجتياح داعش لها أوجد الذريعة التي استغلتها أمريكا لتزويد البشمركة بالسلاح بدعوي مواجهة هذا التنظيم الارهابي. ويخشي الكثيرون أن يكون هذا طريقا للاعتراف فيما بعد بالكيان الكردي كدولة مستقلة في شمال العراق سياسيا واقتصاديا وعسكريا.وهو البداية نحو تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية. لاسيما وأن الحملة الجوية الأمريكية التي بدأت في يوليو الماضي علي العراق ألحقت بداعش بعض النكسات إلا أنها لم تعالج مشكلة أعمق هي الحرب الطائفية التي أذكتها داعش بهجماتها علي الشيعة. وفي مجال تصيد أمريكا للمواقف تتهيأ اليوم للتدخل في سوريا مستغلة الدعوة لمواجهة داعش. ولقد أكدت أمريكا ذلك من خلال تصريحات كل من وزير دفاعها ورئيس أركانها بضرورة مواجهة تنظيم داعش داخل الأراضي السورية للقضاء عليه. ودعمت هذا باستصدار قرار من مجلس الأمن رقم 2170 الذي دعا إلي حتمية مواجهة داعش باعتباره تنظيما إرهابيا. ومايخشاه المرء أن تدلف أمريكا إلي سوريا تحت هذه الذريعةلتنفيذ مؤامرتها في إسقاط الدولة. وتكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد.ويظل هذا أمرا واردا فيما إذا كانت الضربات العسكرية ستتم بدون ضوابط. ولهذا يجب أن يكون هناك تنسيق مسبق مع سوريا لضمان عدم انتهاك سيادتها وليتم الاتفاق علي الأهداف التي يمكن للطائرات الأمريكية أن تضربها بحيث لاتصبح العملية سداحا مداحا. لاسيما وأن قرار مجلس الأمن سالف الذكر لايعطي تفويضا لأحد بالعمل المنفرد ضد أي دولة. غير أن التعويل علي الغارات الجوية بمفردها لن يكون كافيا لدحر داعش، فهناك خطوات يجب اتخاذها لدعم هذا القرار ويتصدرها دعم الجيش السوري في حربه ضد داعش وكل المنظمات الارهابية الأخري مثل 'جبهة النصرة'، كما يجب العمل علي وقف دعم داعش بالسلاح والمال من جانب الغرب ودول إقليمية كقطر وتركيا، هذا بالاضافة إلي ضرورة الضغط علي تركيا حتي لاتصبح حدودها منفذا لعبور الارهابيين إلي سوريا وهو مايحدث حتي الآن. ولاشك أن سوريا سترحب بأي تعاون معها من أجل استئصال هذا التنظيم الآثم، شريطة أن يكون الغرب صادقا في نواياه وشريطة أن يعمل بعيدا عن تبني المعايير المزدوجة. ولابد في الوقت نفسه من إزالة حالة الانسداد السياسي القائمة حاليا بين دول عربية سوريا. وهذا لن يتأتي إلا بتحرك عربي فاعل يمد اليد لسوريا الدولة ويتضافر معها من خلال مقاربة سياسية جديدة ترتكز علي التسليم بالحفاظ علي النظام السوري عسكريا وسياسيا مقابل تنازلات تفسح المجال للمعارضة الوطنية في الداخل لتمارس دورا في العملية السياسية يصب بالايجاب في صالح الدولة بحيث يسود الاستقرار والأمن. أما الرهان علي تحقيق ذلك فيظل مرتبطا بانفراج الموقف وكسر الانسداد السياسي القائم حاليا بين سوريا والدول العربية، فهل تتحرك هذه الدول من أجل الوصول إلي ذلك؟