مجلس أمناء الحوار الوطني يتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتوصياته    مدرب البنك الأهلي: لن أخوض مباراة زد قبل مواجهة سموحة    بسمة وهبة تتنقد تقصير شركة شحن تأخرت في إرسال أشعة ابنها لطبيبه بألمانيا    برواتب تصل ل11 ألف.. 34 صورة ترصد 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة    ملفات شائكة يطالب السياسيون بسرعة إنجازها ضمن مخرجات الحوار الوطني    بنها الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للتقديم المبكر للالتحاق بالكليات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 1 يوليو 2024    13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل    برلماني يُطالب بإعادة النظر في قانون سوق رأس المال    مع بداية يوليو 2024.. سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم    التطبيق من 6:00 الصبح .. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المطاعم والكافيهات ب القليوبية    اتحاد العمال المصريين في إيطاليا يكرم منتخب الجالية المصرية في موندياليتو روما 2024    4 جنيهات ارتفاعًا في سعر جبنة لافاش كيري بالأسواق    رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة يبحث مع العاملين مستوى النظافة بالعاصمة    بدء محادثات الأمم المتحدة المغلقة بشأن أفغانستان بمشاركة طالبان    الرئيس الكيني يدافع عن تعامله مع الاحتجاجات الدموية في بلاده    رودرى أفضل لاعب فى مباراة إسبانيا ضد جورجيا فى يورو 2024    زيلينسكي يحث داعمي بلاده الغربيين على منح أوكرانيا الحرية لضرب روسيا    انتخابات بريطانيا 2024.. كيف سيعيد ستارمر التفاؤل للبلاد؟    بحضور 6 أساقفة.. سيامة 3 رهبان جدد لدير الشهيد مار مينا بمريوط    يورو 2024 – برونو فيرنانديز: الأمور ستختلف في الأدوار الإقصائية    رابطة الأندية تقرر استكمال مباراة سموحة ضد بيراميدز بنفس ظروفها    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي يورو 2024    عاجل.. زيزو يكشف كواليس عرض بورتو البرتغالي    بسيوني حكما لمباراة طلائع الجيش ضد الأهلي    بسبب محمد الحنفي.. المقاولون ينوي التصعيد ضد اتحاد الكرة    من هي ملكة الجمال التي أثارت الجدل في يورو 2024؟ (35 صورة)    امتحانات الثانوية العامة.. 42 صفحة لأقوى مراجعة لمادة اللغة الانجليزية (صور)    حرب شوارع على "علبة عصير".. ليلة مقتل "أبو سليم" بسبب بنات عمه في المناشي    مصرع 10 أشخاص وإصابة 22 فى تصادم ميكروباصين بطريق وادى تال أبو زنيمة    صور.. ضبط 2.3 طن دقيق مدعم مهربة للسوق السوداء في الفيوم    إصابة 4 أشخاص جراء خروج قطار عن القضبان بالإسماعيلية    شديد الحرارة والعظمى في العاصمة 37.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بالصور والأرقام | خبير: امتحان الفيزياء 2024 من أسئلة امتحانات الأعوام السابقة    التحفظ على قائد سيارة صدم 5 أشخاص على الدائري بالهرم    تحالف الأحزاب المصرية: كلنا خلف الرئيس السيسي.. وثورة 30 يونيو بداية لانطلاقة نحو الجمهورية الجديدة    بالصور.. أحدث ظهور للإعلامي توفيق عكاشة وزوجته حياة الدرديري    ربنا أعطى للمصريين فرصة.. عمرو أديب عن 30 يونيو: هدفها بناء الإنسان والتنمية في مصر    عمرو أديب في ذكرى 30 يونيو: لولا تدخل الرئيس السيسي كان زمنا لاجئين    «ملوك الشهر».. 5 أبراج محظوظة في يوليو 2024 (تعرف عليهم)    محمد الباز يقدم " الحياة اليوم "بداية من الأربعاء القادم    في أول أعمال ألبومه الجديد.. أحمد بتشان يطرح «مش سوا» | فيديو    مدير دار إقامة كبار الفنانين ينفي انتقال عواطف حلمي للإقامة بالدار    من هنا جاءت فكرة صناعة سجادة الصلاة.. عالم أزهرى يوضح بقناة الناس    تعاون بين الصحة العالمية واليابان لدعم علاج مصابي غزة بالمستشفيات المصرية    علاج ضربة الشمس، وأسبابها وأعراضها وطرق الوقاية منها    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    وزير الري: الزيادة السكانية وتغير المناخ أبرز التحديات أمام قطاع المياه بمصر    رئيس الوزراء: توقيع 29 اتفاقية مع الجانب الأوروبي بقيمة 49 مليار يورو    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    فيديو.. حكم نزول دم بعد انتهاء الحيض؟.. عضو بالعالمى للفتوى تجيب    اعرف الإجازات الرسمية خلال شهر يوليو 2024    جامعة القاهرة تهنئ الرئيس والشعب المصري بثورة 30 يونيو    أبوالغيط يبحث مع وزير خارجية الصومال الأوضاع في بلاده    محافظ الإسكندرية يطلق حملة "من بدري أمان" للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرسي سأل رئيس المخابرات العامة هل تعرف أن مصطفي بكري التقي المشير طنطاوي في دار المشاة؟

تنشرالزميلة 'الوطن '، فصول من كتاب 'سقوط الإخوان.. اللحظات الأخيرة بين مرسي والسيسي' للكاتب الصحفي الزميل مصطفي بكري. ويتضمن الكتاب الذي ستصدر قريباً طبعته المصرية عن الدار المصرية اللبنانية، وطبعته الخليجية عن 'مركز المزماة' بدبي، وقائع وأسراراً تُنشر للمرة الأولي عن حقيقة ما جري خلال فترة حكم الإخوان التي استمرت لمدة عام، وأيضاً تفاصيل الحوار الذي جري بين الفريق أول عبد الفتاح السيسي والرئيس المعزول محمد مرسي خاصة في الأيام الأخيرة من حكم مرسي. وفي هذا العدد تنشر 'الوطن' أحد فصول الكتاب، والذي يحمل عنوان 'خطة الشيطان' تتضمن معلومات غاية في الأهمية حول كيفية إدارة شئون الحكم في البلاد، وتدخلات السفيرة الأمريكية آن باترسون وحوارها مع خيرت الشاطر وتتضمن الحلقة وقائع وتفاصيل اللقاء الذي جري بين الفريق أول عبد الفتاح السيسي وعدد من أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة مع الرئيس 'المعزول' محمد مرسي في قصر القبة يوم 22 يونيو 2013 وكذلك ما تضمنه تقرير 'التقدير الاستراتيجي' الذي أعدته القوات المسلحة وحذرت فيه من مخاطر ما تشهده البلاد في هذا الوقت. وتكشف 'الحلقة الأولي' عن محاولات الإخوان لاختراق الأجهزة الأمنية والسيطرة عليها عبر مستشار الرئيس للشئون الأمنية أيمن هدهد وخيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان.
كان الشعب الغاضب ينتظر اللحظة، إنها لحظة الحسم، لحظة الخلاص وتقرير المصير، كانت مصر علي فوهة بركان، معارك تندلع في أكثر من مكان، شهيد في الفيوم وآخر بالمحلة الكبري وإحراق لمحلات في مركز فوّة بكفر الشيخ، تهديدات لا تتوقف، ومؤتمرات حاشدة تنذر وتهدد، طارق الزمر يعلن من مليونية رابعة العدوية أن من سيخرجون في الثلاثين من يونيو سيُسحقون جميعاً، وعاصم عبد الماجد يحدثنا عن رؤوس أينعت وحان قطافها، 'الرئيس' يعلن في حديث لأخبار اليوم السبت 22 يونيو 2013 أنه لن يمر وقت طويل حتي يكشف عن حقائق جديدة عن المؤامرات التي تحاك ضد البلاد!
يوم الخميس 20 يونيو 2013، كان الأستاذ محمد حسنين هيكل يحذر وينذر، في حديثه مع الإعلامية لميس الحديدي علي قناة 'سي بي سي'، ويؤكد أن أيام النظام الحالي باتت معدودة، وأن أحداً لن يستطيع أن يتصدي ويواجه حركة الجماهير التي تنذر بالثورة.
الأصوات تدوّي في كل مكان، تقارير للصحف الأجنبية تشير إلي أن الأيام المقبلة هي الأخطر في تاريخ مصر منذ انطلاق ثورة 25 يناير، ألمانيا تعتبر أن النظام المصري يدعم الإرهاب، وال'واشنطن بوست' تتهم محمد مرسي بأنه يسعي إلي خلق أفغانستان جديدة في سوريا، خطاب الرئيس وسط أهله وعشيرته يوم 15 يونيو شكّل نقطة تحول، إنه يزايد علي الجميع، يفتح الطريق أمام حظر جوي علي بلد عربي، يقطع العلاقات مع سوريا، ومستشاره خالد القزاز يؤكد أن كل من سيذهبون للقتال في سوريا لن يتعرضوا للمساءلة في مصر، مرسي يريد إرضاء الأمريكيين فيلجأ إلي المزايدة وسط عشيرته، إنه يبعث برسالة إلي الخارج، القرار هو قرار التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ودور الرئيس هنا هو تلاوة القرارات.
في هذا اليوم العاصف استمع الرئيس السابق بأذنيه إلي كلمات من بعض الشيوخ الحاضرين تتهم كل من سيخرج يوم 30 يونيو بالكفر، قالها الشيخ السلفي محمد عبد المقصود، وقالها آخرون تهجموا علي الشعب المصري في وجوده، وكان محمد مرسي سعيداً للغاية، انقسم المجتمع إلي قسمين: الشعب في جانب، وأهله وعشيرته في جانب آخر.
الأحداث تتداعي سريعاً، الأزمة تتفاقم، معلومات تتردد عن سرقة سيارات شرطة ومخازن أسلحة في قلب العاصمة، تدريبات عسكرية علي أعمال القتل والاغتيال، تهديدات تنطلق باختطاف رموز المعارضة والإعلاميين ووضعهم في مكان أمين.
خطة تتكشف عن حصار لمدينة الإنتاج الإعلامي واقتحامها، قرار يصدر فجأة بتغيير صلاح حمزة، رئيس ال'نايل سايت'، واستبدال شخص مقرب من جماعة الإخوان به، يبدو أن خطة التشويش علي الفضائيات يوم 30 يونيو قد بدأت.
هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً، الشعب غير الشعب، والناس غير الناس، إصرار وتحدٍّ، إرادة لا تلين، غضب يعتمل في النفوس، شعور يصل إلي حد الاختناق. مضيت علي رأس مظاهرة كبري في شوارع 'فوّة' بكفر الشيخ، كانت المدينة كلها تتظاهر، تنطلق أكثر العبارات حدّة ضد الرئيس وجماعته، السيدات يصفقن من نوافذ البيوت الفقيرة، حتي من أعطوا أصواتهم لمحمد مرسي أصبحوا الآن في الخندق الرافض، أنظر إلي وجوه الناس، الألسنة تصرخ والقلوب تئن وتضج، إنها مشاعر غريبة علي المصريين، استطاع محمد مرسي وجماعته أن يصلوا بالناس سريعاً إلي حد لم يصلوا إليه من قبل، لقد ضيّقوا الخناق علي كل البشر، فأصبح خيار الناس الواحد والوحيد 'ارحل'!
العالم يتابع المشهد المصري عن كثب، تقارير السفارات تتدفق إلي الخارج، أمريكا تحذر رعاياها، ودول أخري عديدة تنصح بعدم السفر إلي مصر، السفيرة الأمريكية آن باترسون تطلق تصريحاً في لقاء لها بمركز ابن خلدون تقول فيه 'إن أمريكا لا ترحب بعودة الجيش مرة أخري للحكم في مصر'، تتحدث عن الرئيس المنتخب الذي جاء بالصندوق وتحذر من الانقلاب عليه، الكلمات تثير استياءً واسعاً بين المصريين بجميع اتجاهاتهم.
مصدر عسكري كبير صرّح لقناة العربية، الخميس 20 يونيو 2013، بأن القوات المسلحة لا تقبل الضغوط أو التدخل في شئونها الداخلية من أي أطراف خارجية بذريعة الديمقراطية.
لقد أكد المصدر أن قرار القوات المسلحة بالدفاع عن مقدرات الوطن وتطلعات الشعب المصري نابع من مبادئ عملها الوطني وأنها تلتزم في ذلك بمعايير الشرعية إلا في تعارضها مع إرادة الشعب ورؤيته نحو التغيير والإصلاح.
المصدر العسكري كان يرد تحديداً علي مطالبة 'باترسون' بعدم تدخل الجيش وإبعاده عن العملية السياسية عندما راحت تقول: 'إن الجيش المصري له علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية وكان علي قدر المسئولية في مرحلة ما بعد الثورة، ولكنه تعرض لكثير من الإهانة، وهو ما خلق حالة من الخوف ورغبة في ألا يضعوا أنفسهم في نفس الموقف مرة أخري، خاصة أن واشنطن لا توافق تماماً علي الحكم العسكري، ومصر يجب أن تكون دولة مدنية'!
كان رد فعل الجيش المصري قوياً وحاسماً، 'آن باترسون' حاولت عبر هذا التصريح إظهار تأييد الإدارة الأمريكية لجماعة الإخوان وممثلها في الرئاسة محمد مرسي. في الحادية عشرة من صباح الخميس 20 يونيو كانت باترسون تتجه إلي 3 شارع مكرم عبيد بمدينة نصر، حيث مكتب خيرت الشاطر، كان اللقاء مطولاً، لقد استعرضت خلاله مع الشاطر السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، اتجهت باترسون إلي الرجل الذي يحكم من خلف ستار، إنها الوجهة الصحيحة، هنا منبع القرار، وهنا من يقرر نيابة عن الآخرين.
لقد نصحت 'باترسون' خيرت الشاطر بتقديم تنازلات سياسية للمعارضة حتي يمكن إنهاء الأزمة سريعاً، وهي لا تدرك أن الشعب قد اتخذ قراره، وأنه لم يعد يقبل أنصاف الحلول، خياره الوحيد في هذا الوقت كان إما 'نحن' وإما 'هم'.. الشعوب لا تموت ولا تنقرض سريعاً، الجماعة هي التي يمكن أن تمضي غير مأسوف عليها. الشاطر قال للسفيرة: 'ليس لدينا ما نقدمه إلا الاتهامات للمعارضة'، حمّلها مسئولية كل ما يحدث، أدركت باترسون أن الصدام قادم لا محالة، أبلغت إدارتها، حاولت أن تلتقي بعض رموز المعارضة، لم تجد آذاناً مصغية، قبل هذا اللقاء كانت قد التقت اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع، فأسمعها درساً عنيفاً في ضرورة الالتزام بدورها الدبلوماسي دون تدخل في الشئون الداخلية للبلاد.
لقد زاد موقف السفيرة الأمريكية من غضب الشارع وإصراره، أدرك الجميع أن واشنطن تحمي مرسي وجماعته، وأن هناك تدخلاً سافراً في الشئون الداخلية المصرية لم يصل إلي هذا الحد من قبل.
في ذات ليلة اللقاء بين خيرت الشاطر والسفيرة الأمريكية كان الأستاذ هيكل يعلن في حديثه التليفزيوني أنه إذا كان مبارك جرّف مصر فإن مرسي قد عرّاها، وتجاوز حدود الأمن القومي، وقال إن الجيش آخر حائط في أمان هذا الوطن!
كان موقف الجيش يثير مخاوف الإخوان، حاولوا ابتزازه والضغط عليه أكثر من مرة لكنهم فشلوا، هددوا وتوعدوا، كان آخرهم محمد البلتاجي في مليونية رابعة العدوية، وجّه إهانات بالغة إلي الجيش، أثارت غضباً عارماً، تساءل الضباط والقادة والجنود: إلي متي؟ كان الناس ولا يزالون يتساءلون: هل يتركنا الجيش للإخوان؟ هل يلتزم الصمت أمام ما يجري؟ هل يختار البعد عن الأحداث بعد أن عاني الأمرّين في الفترة الماضية؟
وكان قادة الجيش وضباطه وجنوده يدركون حقائق ما يحدث علي الأرض، إنهم علي يقين من أن هناك مخططاً يستهدف إسقاط الدولة وتفتيت الجيش، حتي يتمكن الإخوان من البقاء أبد الدهر علي رأس السلطة في البلاد.
كان الاعتقاد السائد في هذا الوقت أن القوات المسلحة لن تبقي صامتة، خاصة إذا ما استمرت التظاهرات والاعتصامات عدة أيام، هنا سيكون أمامهم أحد خيارين:
- إما إقناع الرئيس بتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية والموافقة علي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع ضمانات بعدم الانتقام.
- وإما في حالة الرفض أن يتدخل الجيش ليحسم الأمر ويعهد إلي رئيس المحكمة الدستورية بإدارة الفترة الانتقالية لحين إجراء انتخابات رئاسية، علي أن يبقي الجيش هو الضامن الأمني الأساس لإجراء هذه الانتخابات بحرية ونزاهة مع وضع دستور جديد للبلاد.
لقد شكك البعض في موقف الجيش، غير أن القادة كانوا يعرفون أن الجماهير لن تعود إلي بيوتها مرة أخري، وأن الشعب سيخرج عن بكرة أبيه، وأن استمرار قادة الجيش في التردد في حسم الموقف قد يجرُّ مشكلات عديدة علي الجيش نفسه، بل إنه قد يدفع الجماهير إلي تحميله مسئولية الانهيار والحروب المعرضة لها البلاد، وهو أمر يدركه قادة الجيش الوطنيون ويعرفون مخاطره وأبعاده.
ولم يكن الأمر يختلف كثيراً بالنسبة للشرطة، لقد شهدت هذه الفترة مواقف وتصريحات عديدة لرجال الشرطة أكدت وطنيتهم مجدداً ورفضهم أخونة الدولة علي يد الجماعة وممثلها في القصر الرئاسي، لقد شهد اجتماع الضباط والأفراد في نادي الشرطة، السبت 15 يونيو، هتافات عارمة تطالب بسقوط حكم المرشد، كما أن الآلاف منهم قرروا القيام بتظاهرة من أمام مبني وزارة الداخلية باتجاه القصر الرئاسي في الاتحادية، وخلال اجتماع وزير الداخلية بضباط الأمن المركزي، السبت 22 يونيو، كانت الثورة عارمة ضد الإخوان، لقد حمّلوهم المسئولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع في مصر.
أدرك رجال الشرطة أنهم كانوا أول من سيدفع الثمن، الآن تتكشف مؤامرات جماعة الإخوان ضدهم، لقد سعوا ولا يزالون إلي هدم الجهاز الوطني لصالح الميليشيات، أدرك الضباط أن الجماعة تريد أن تضعهم وجهاً لوجه في مواجهة المتظاهرين، أعلنوا رفضهم الصريح، وكان موقف وزير الداخلية واضحاً، لقد قال في اجتماع مجلس الوزراء في منتصف يونيو: 'لن نتورط، ولن نعيد إنتاج سيناريو 28 يناير، لن نحمي مقرات الإخوان أو أي من الأحزاب، سنحافظ علي المظاهرات وسلميتها، ولن نسمح بالاعتداء عليها'، اجتماع مجلس الوزراء شهد مشادّة عنيفة بين الوزير محمد إبراهيم ووزراء الإخوان في الحكومة، لقد وجّه إليه 'يحيي حامد' وزير الاستثمار اتهامات بالتقصير والتردد وعدم الحسم في مواجهة من سماهم بالمخربين، رفض الوزير هذه الاتهامات وحمّلهم مسئولية ما يحدث، وآخرها حركة المحافظين الأخيرة، التي اعتبرها وزير الداخلية تزيد النار اشتعالاً، وهو ما حدث بالفعل.
تجسدت التعليمات الصادرة من وزير الداخلية في القرارات التي تم إبلاغها، قصر الاتحادية مسئولية الحرس الجمهوري، نحن سنحمي المتظاهرين ولن نصطدم معهم، واجهوا بكل حسم أي محاولة للاعتداء عليهم من تيارات تريد إشعال الحرب في البلاد.
لقد استهدفت خطة الإخوان عزل وزير الداخلية وتفكيك جهاز الأمن الوطني، لكن ذلك لن يتم إلا في أعقاب إقدام الرئيس علي إعلان حالة الطوارئ.
في هذا الوقت كانت قضية اقتحام السجون التي كانت تنظرها محكمة جنح الإسماعيلية برئاسة المستشار خالد محجوب قد أوشكت علي نهايتها وإصدار الحكم فيها.
كانت مرافعة النيابة قوية وصادمة.. لقد قال ممثل النيابة العامة هيثم فاروق أمام هيئة المحكمة إنه 'ثبت في يقين هيئة المحكمة نفي أي تواطؤ أو مؤامرة تُنسب إلي رجال الشرطة في إطلاق سراح المسجونين'، وتساءل في حسرة: 'لمصلحة مَنْ يُهان القائمون علي حماية البلد وتوفير الأمن علي يد أناس وفئات ضل سعيهم في الحياة الدنيا'؟
وقال ممثل النيابة، في مرافعته التاريخية، إن القضية المنظورة وما تحتويه من وقائع أقل ما توصف به أنها تسطر صفحات من نور، ليعلم الشعب ما حاق به من مكائد علي يد من يدّعون أنهم أبناء هذا الوطن وهم عملاء لخارجه، لذلك كان علينا أن نقرع الأسماع وندق نواقيس الخطر، ليعلم الجميع أي جرم وقع وتم فعله. وأضاف أن المأساة الحقيقية التي تضمنتها أوراق تلك الدعوي كانت حين تبين أن الدعاوي المحركة للمؤامرة، وهي اقتحام السجون وتهريب السجناء، نبعت من قلوب مريضة أطلقتها خمر السلطة فأبت أن تفيق من سكرتها.
واستشهد ممثل النيابة بأقوال الرائد محمد عبد الحميد نجم الذي قرر أنه خلال استقبال 34 من قيادات تنظيم الإخوان وإيداعهم سجن وادي النطرون دار حوار بينه وبين القيادي الإخواني حمدي حسن الذي أكد له 'أنهم سيخرجون اليوم أو غداً، وأنهم هنا لتشكيل الحكومة الجديدة وتولي سلطة البلاد والقضاء علي جهاز الشرطة'.
وقال ممثل النيابة: 'من أجل ذلك ارتكبوا تلك الأفعال، من أجل ذلك قتلوا وسفكوا الدماء، من أجل ذلك راحت حمرة الخجل والحياء، حرام علي هذا الوطن بعد اليوم أن يطعمهم من ثماره أو ترويهم قطرات مائه أو يحملهم ترابه، هؤلاء الذين يدّعون الإسلام والعلم بأحكامه تناسوا قول الرسول 'صلي الله عليه وسلم': 'لست أخاف علي أمتي غوغاء تقتلهم ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف علي أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم''.
لقد تناول ممثل النيابة الوقائع وأكد أن إطلاق سراح المتهمين الجنائيين من السجون المصرية كان أيضاً ضمن هذا المخطط، بهدف إشاعة الفوضي في البلاد، ولذلك طالب بإحالة محمد مرسي العياط وعصام العريان وسعد الكتاتني وسعد الحسيني وصبحي صالح وحمدي حسن وأبوشعيشع الهاربين من السجن والضالعين في المخطط ضمن ال34 من قيادات الجماعة إلي النيابة العامة، ومعاقبتهم طبقاً لنص المادة 138 من قانون العقوبات.
وفي صباح اليوم التالي، الأحد 23 يونيو، كان الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة والذي أكدت حيثياته: اتهام محمد مرسي و34 آخرين بالتخابر والتحريض علي القتل والهروب، واتهامات أخري عديدة.
وكان الخطير في الأمر هو اتهام حركة حماس بالمشاركة في هذه الخطة من خلال تسلل عدد من عناصرها بمشاركة جماعة الإخوان وعناصر من حزب الله في تنفيذ هذه الخطة الإجرامية.
لم يعطِ مرسي اهتماماً لهذا الحكم التاريخي الذي كان من أهم العوامل التي دفعت فئات اجتماعية عديدة للانضمام إلي ثورة 30 يونيو بعد أن أدركت حجم الخيانة من رئيس يحكم البلاد.
وربما لهذا السبب حاول مرسي وجماعة الإخوان منذ بداية حكمه السيطرة علي الأجهزة الأمنية واختراق القضاء.
لقد عُين المهندس أيمن هدهد مستشاراً للرئيس للشئون الأمنية، كانت مهمته متابعة نشاط وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني، كان يوجد في مبني الوزارة والجهاز بشكل شبه مستمر، بل كان يشارك في الاجتماعات في بعض الأحيان، ويتولي الاتصال المباشر بمديري الأمن ليُصدر إليهم التوجيهات.
كانت قيادات وزارة الداخلية تتعامل معه بمنطق 'التقية'، لا يبلغونه بما يريد من المعلومات، وفي أحيان كثيرة كانوا يراوغون معه، ولا يمنحونه كل ما يريد.
ورغم حدوث خلافات ومشادات عديدة بينه وبين هذه القيادات، وتحديداً خلال الفترة الأخيرة التي سبقت ثورة 30 يونيو، إلا أن الحصيلة النهائية تؤكد أنه لم يتمكن من الحصول علي ما يريد من ملفات للمعارضين، وإجراءات حاسمة في مواجهتهم والتجسس علي البعض منهم وأيضاً اتخاذ إجراءات لحماية مقرات الإخوان والتصدي لخصومهم.
لقد سعي خيرت الشاطر في أوقات سابقة إلي محاولة اختراق جهاز الأمن الوطني، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، ورغم رهانهم علي اللواء خالد ثروت، رئيس الجهاز، الذي كان مسئولاً سابقاً عن ملف الإخوان، ورغم أن مرسي هو الذي أصدر قرار تعيينه والتقاه من خلف ظهر الوزير، إلا أن اللواء ثروت ظل حتي اللحظة الأخيرة محافظاً علي أسرار الجهاز، لم يتوانَ عن إصدار تعليماته بمتابعة كافة الأنشطة المتطرفة، وفي المقدمة منها نشاط جماعة الإخوان والجماعات السلفية والجهادية والإسلامية.
وعندما أصدر خيرت الشاطر تعليماته لقيادات هذه الجماعات بمحاصرة مبني الأمن الوطني في مدينة نصر بحجة أنه عاد إلي أساليب أمن الدولة 'القديمة' في استدعاء الإسلاميين وحبسهم، كان يريد أن يرفع الكارت الأحمر للجهاز، بأنه يستطيع أن يكرر سيناريو اقتحام أمن الدولة 'مارس 2011' مرة أخري، إذا لم تنصع قيادة الجهاز إلي تعليمات مكتب الإرشاد.
وكان جهاز المخابرات العامة يعاني ذات الإشكالية، كانوا يدفعون مصادرهم إلي إبلاغ اللواء رأفت شحاتة رئيس الجهاز أو قيادته بمعلومات علي جانب كبير من الخطورة، ثم ينتظر الرئيس من اللواء شحاتة ما إذا كان سيبلغها له أم لا.
كان اللواء شحاتة يعرف أبعاد اللعبة، وكان يدرك أن هذه المصادر مدفوعة إليه من قبَل جماعة الإخوان ولذلك كان يسارع بإبلاغ الرئيس بهذه المعلومات التي كانت تصل إليه، وهو يعرف أنها معلومات غير صحيحة وليست سوي بالون اختبار!!
عندما التقيت المشير حسين طنطاوي في دار المشاة خلال شهر فبراير 2013، استدعي الرئيس مرسي رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة، وقال له: هل تعرف أن مصطفي بكري التقي أمس الجمعة المشير طنطاوي في دار المشاة؟
قال رأفت شحاتة: نعم أعرف ذلك.
قال الرئيس: لكنك لم تبلغني بذلك.
رد رأفت شحاتة: هذا لقاء عادي، مصطفي بكري له علاقة خاصة بالسيد المشير وذهب للسلام عليه بعد صلاة الجمعة.
قال الرئيس: ومن أدراك أن الأمر اقتصر علي ذلك؟ لقد علمت من مصادري أنه أجري معه حديثاً صحفياً، وأن المشير يريد أن يظهر علي الساحة مرة أخري، وهذا خطر كبير.
قال رئيس المخابرات: المسألة أبسط من كده بكتير، كل ما في الأمر أن مصطفي بكري وجدها فرصة وحصل منه علي بعض التصريحات الصحفية، ولا أظن أن المشير يريد الظهور أو لعب أي دور سياسي أو حتي إعلان العداء ضد النظام، أنت تعرف أن المشير لا يسعي إلي ذلك.
قال مرسي: لقد أردت فقط أن أقول لك: مهما حاولت أن تخبئ بعض المعلومات فنحن لدينا مصادرنا التي ترصد كل شيء!!
لقد حاول مرسي ابتزاز رئيس جهاز المخابرات العامة وإرهابه وإثارة الشكوك لديه وإبلاغه برسالة تقول: 'لا تخبئ عنا شيئاً، لأننا نعرف كل شيء'!!
كان رئيس المخابرات يعرف أن هناك جهازاً موازياً للرقابة علي الأجهزة يتولي إدارته أيمن هدهد، مستشار الرئيس للشئون الأمنية، وكان يعرف أن هذا الجهاز له عيونه في مناطق متعددة، وأن المعلومات تصل إليه من كافة كوادر الإخوان، حتي تحول غالبيتهم إلي مصادر ترصد المعلومات والتحركات وتبلغ بها مكتب المستشار الأمني للرئيس بعد أن يقوم مكتب الإرشاد بتجميعها.
وكان هذا الجهاز يطلق عليه 'الرصد الشعبي'، وكان له وجود في كافة مؤسسات الدولة، حيث يتولي الإبلاغ عن كافة المعلومات ثم يقوم الجهاز بعد ذلك بتوزيع هذه المعلومات علي الجهات المختلفة ومقارنتها بالمعلومات التي كانت تصل إليهم من الأجهزة الأمنية والرقابية المختلفة.
كان جهاز 'الرصد الشعبي' هو البديل الذي يجري إعداده ليحل محل الأجهزة المعلوماتية في حال الفشل في اختراقها كاملاً، وكان يجري تدريب عناصر هذا الجهاز في ألمانيا وباكستان وقطر وتركيا.
لقد تم إرسال وفد من عناصر هذا الجهاز الإخواني إلي ألمانيا للحصول علي خبرة الألمان في تفكيك الأجهزة الأمنية كما حدث بعد انهيار ألمانيا عام 1989، كانت تتم الاستعانة في هذا الجهاز وتحركاته الخارجية ببعض العناصر الإخوانية التي عاشت في الخارج لفترة طويلة، خاصة أن كثيراً من هذه العناصر التي حصلت علي جوازات سفر أجنبية تكون لبعضهم بالتبعية علاقات بأجهزة الاستخبارات في هذه البلدان، حيث كانت الجماعة تستغل هذه الخبرة لصالح هذا الجهاز الجديد.
لقد تردد في هذا الوقت أن الحكومة القطرية أدخلت إلي جماعة الإخوان أجهزة 'تنصت' متطورة للغاية بلغت قيمتها 120 مليون دولار استخدمتها الجماعة للتنصت علي الأجهزة المختلفة وعلي كبار المسئولين بالدولة وعلي المعارضين أيضاً.
ولم تكن الأجهزة الأمنية 'الأمن الوطني والمخابرات العامة والمخابرات الحربية' غائبة عن متابعة ما يجري، لقد حكي لي مسئول أمني أن الضباط كانوا يسمعون شتائمهم بآذانهم وبأقذع الألفاظ خلال تنصتهم علي تحركات جماعة الإخوان لمتابعة تحركاتهم وإدخالهم الأسلحة والاتصال بالعناصر الإرهابية في الداخل والخارج، كانوا يكرهون الجميع ويصفونهم بصفات منحطة أخلاقياً ويتوعدون بالقضاء عليهم الواحد تلو الآخر.
وكانت ميليشيات الإخوان تتعمد استفزاز ضباط هذه الأجهزة في الشوارع واستدراجهم إلي إثارة المشاكل بقصد ممارسة المزيد من الضغوط علي هذه الأجهزة.
وفي شهر مارس 2013 كان أحد ضباط جهاز المخابرات العامة في لقاء مع أحد أصدقائه بنادي الصيد بالإسكندرية، وكان الضابط يحمل في سيارته سلاحه الشخصي: طبنجة وبندقية خرطوش، قام الضابط بتوصيل زميله، ثم عاد إلي منزله فوجد عدداً من عناصر الإخوان يحاصرون سيارته، فعرّفهم علي نفسه كضابط بالمخابرات العامة ظناً منه أن هذا سيردعهم، إلا أنه فوجئ بالتفافهم حوله ومحاصرته وظلوا يضربونه لمدة تقارب السبع ساعات علي مرأي من الجميع في الشارع.
وعندما علم اللواء رأفت شحاتة رئيس جهاز المخابرات العامة أجري اتصالات بوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وبالقيادي الإخواني ونائب محافظ الإسكندرية حسن البرنس الذي وعده بحل الموضوع، إلا أن التعليمات التي وصلت إليه أن يرفع يده عن الموضوع نهائياً.
أبلغ رئيس المخابرات العامة الرئيس مرسي بما جري، وساعتها أبلغه الرئيس بأن الموضوع في طريقه للحل وسيعاقَب مرتكبو الحادث، إلا أن ذلك لم يتم حتي عزل مرسي في 3 يوليو الماضي.
كانت ميليشيات الإخوان قد استولت علي كارنيه الضابط وسلاحه وتم إبلاغ قيادة الإخوان بالاستيلاء علي هذه المتعلقات، وساعتها خرج محمد البلتاجي ليؤكد لوسائل الإعلام أنه تم القبض علي ضابط مخابرات كبير، يملك كارنيه رقم '...'، وأنه تم العثور معه علي طبنجة وبندقية خرطوش في قلب المظاهرات السلمية، وكأنه أراد أن يقول إن المخابرات العامة هي التي تقتل المتظاهرين وهي الطرف الثالث، كما سبق له أن ردد هذه المعلومات وتحت قبة مجلس الشعب.
كانت أجهزة الأمن تحاول منذ البداية تحذير الرئيس من الإجراءات والقرارات التي من شأنها زيادة حدة الصراع المجتمعي في البلاد، خوفاً من انهيار الأوضاع، إلا أن الرئيس كان يرفض ذلك بإصرار ولم يكن يسمع سوي صوت واحد، هو صوت مكتب الإرشاد.
قبيل إصدار الإعلان الدستوري 'الانقلابي' في 21 نوفمبر 2012، أبلغ محمد مرسي اللواء رأفت شحاتة رئيس جهاز المخابرات العامة بأنه بصدد اتخاذ عدد من الإجراءات التي تستهدف حماية أمن الوطن ومن بينها القبض علي صحفيين وإعلاميين وبعض رموز القوي السياسية المعارضة، ولم يأتِ من قريب أو بعيد علي ذكر الإعلان الدستوري الذي كان ينوي إصداره بعد ساعات من هذا الحوار.
وعندما وصل اللواء رأفت شحاتة إلي مبني جهاز المخابرات العامة عقد لقاء مع كبار مساعديه لإعداد 'تقدير موقف' ورفعه إلي الرئيس يحذر فيه الجهاز من مخاطر هذه الإجراءات علي أمن البلاد.
وبينما كانت قيادات الجهاز تناقش هذا الموقف فوجئوا جميعاً بإصدار الإعلان الدستوري من خلال شاشة التليفزيون، ولم يصدقوا ما تردد من معلومات قبل هذا الإعلان، علي اعتبار أن الرئيس لم يذكر هذا الأمر من قريب أو بعيد خلال لقائه باللواء رأفت شحاتة.
كان الإعلان صادماً للأجهزة الأمنية والرقابية، ويبدو أن الرئيس تعمد عدم إبلاغ الأجهزة الأمنية أو قيادة القوات المسلحة بمضمون هذا الإعلان بناء علي نصيحة من مكتب الإرشاد.
وعندما علم اللواء شحاتة بأن الرئيس سيلقي خطاباً في اليوم التالي الجمعة وسط مجموعة من أنصاره حول هذا الإعلان وأهدافه، طلب رئيس المخابرات العامة من الرئيس أن يكون الخطاب مسجلاً وموجهاً لكل الشعب لشرح وجهة نظره من وراء هذا الإعلان الذي أثار صدمة في الشارع المصري.
غير أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية فوجئت بأن مكتب الإرشاد أعد مظاهرة للرئيس، احتشدت عند بوابة '4' بالقصر الجمهوري، تضم أهله وعشيرته من الإخوان وحلفائهم، فكان الخطاب الكارثة الذي أثار سخط الشارع المصري.
لم يكن مرسي ينصت إلي رأي الأجهزة الأمنية والرقابية، كانوا يقولون له: لا تدخل طرفاً في فكرة الحوار مع القوي السياسية، اترك حزب الحرية والعدالة يدير هذا الملف، أبعد مؤسسة الرئاسة عن أن تكون طرفاً، إلا أنه كان يرفض ذلك بكل شدة.
وكانت قيادة الجيش أكثر قلقاً من جرّاء التطورات التي بدأت تطل برأسها فتُحدث خلافات عميقة بين المواطنين، لقد أدرك الفريق أول عبد الفتاح السيسي منذ هذا الوقت أن الرئيس يمضي نحو إشعال الحرب الأهلية في البلاد، وأن مصر تمضي نحو الانقسام، وأن رئيس الدولة أصبح مجرد مندوب لمكتب الإرشاد في مؤسسة الرئاسة.
لقد حاول السيسي إقناع مرسي بتغيير نهجه ومراجعة الإعلان الدستوري والتوقف عن استفزاز مشاعر المصريين، إلا أنه صمم علي المضيّ في المخطط حتي نهايته.
كان محمد مرسي يصر دوماً علي حضور د.عصام الحداد 'مساعده للشئون الخارجية' ود.أحمد عبد العاطي 'مدير مكتبه' كافة الاجتماعات، وكان الاثنان عضوين بمكتب الإرشاد، ينقلان من الرئيس إلي الجماعة ومن الجماعة إلي الرئيس المعلومات والتوجيهات، ولم يكن مرسي يستطيع في هذا الوقت معارضة أي من هذه التعليمات.
كانت الاجتماعات التي تجري في مقر الرئاسة تُنقَل علي الهواء مباشرة بواسطة أجهزة تنصت إلي مكتب الإرشاد فوراً، وهو أمر اكتشفته الأجهزة الأمنية بعد الثورة مباشرة.
وفي مارس 2013، كان محمد مرسي يعقد لقاء خاصاً مع رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة بحضور د.عصام الحداد ود.أحمد عبد العاطي.. كان اللواء شحاتة يريد أن يعرض اقتراحاً علي الرئيس علي انفراد، إلا أنه لم يتمكن من ذلك خلال الاجتماع، فاضطر إلي أن يتحدث معه جانباً بعد نهاية الاجتماع وقال له: ما رأيك لو جعلنا من يوم 30 يونيو، وبمناسبة مرور عام علي تنصيبك رئيساً، يوماً للمصالحة بين الأحزاب والقوي السياسية، فسأل الرئيس: وكيف ذلك؟، فقال اللواء شحاتة: تعهد إلي القوات المسلحة بإقامة هذه الاحتفالية ودعوة كل من ساهم في الفترة التي تلت تنحي مبارك عن السلطة من الوزراء والرموز السياسية وكبار المسئولين السابقين والحاليين وقادة الأحزاب والقوي السياسية والشخصيات العامة.
ساعتها لم يعطِ الرئيس اهتماماً للأمر وقال: 'حنشوف'.
لم يكن الرئيس مفوضاً باتخاذ قرارات تتعلق بالشأن العام، كان يعرض الأمر علي د.عصام الحداد ود.أحمد عبد العاطي اللذين كانا حلقة الوصل بينه وبين مكتب الإرشاد، وعدا الحالات العاجلة كان يُعقَد كل أربعاء اجتماع يسمي اجتماع 'المركز' يتم داخل مكتب الإرشاد في المقطم.
وفي هذا الاجتماع تُتخذ القرارات الخطيرة وتُدبَّر المكائد والمؤامرات.
لقد اتخذ اجتماع 'المركز' قراراً بدعوة بعض رموز الأحزاب والقوي السياسية والدينية لحضور اجتماع لمناقشة تداعيات قرار إثيوبيا ببناء سد النهضة، ونقل اللقاء علي الهواء مباشرة، ولكن دون إخطار أي من الحاضرين سوي الرئيس ود.سعد الكتاتني ود.باكينام الشرقاوي وبعض المقربين.
كان الهدف هو 'حرق' القوي السياسية ورموزها أمام الرأي العام ليدللوا علي ضعف المعارضة التي لا تصلح أن تكون بديلاً، ولذلك لاحظ الناس في هذا اليوم صمت الكتاتني والتزام الرئيس بما أُملي عليه، بينما تُرك المجال مفتوحاً للآخرين، فأدلوا بآراء صادمة، حققت الهدف المراد وأساءت لأصحابها.
■ ■
ظهر السبت 22 يونيو 2013، قرر الفريق أول عبد الفتاح السيسي مواجهة الرئيس مرسي بالحقائق كاملة وتحذيره من مغبّة سياسة العناد التي كان يصر عليها.
ذهب ومعه وفد يضم الفريق صدقي صبحي رئيس أركان القوات المسلحة واللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع واللواء محمود حجازي مدير المخابرات الحربية وقادة الأفرع الثلاثة للقوات المسلحة.
كان اللقاء في قصر القبة، لم يكن مرسي راغباً في هذا اللقاء، لكنه فوجئ بحضورهم وإجباره علي الاستماع إليهم.. لقد استمر اللقاء في هذا اليوم لأكثر من ثلاث ساعات كان الرئيس مرسي يبدو في أغلبها مستمعاً.
بدأ اللقاء بكلمة من الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي حذر من خطورة الموقف والأزمة التي تشهدها البلاد وطالب الرئيس بضرورة إيجاد حل عاجل وسريع للأوضاع المتردية.
وقال السيسي إن الجيش لديه معلومات تؤكد أن المظاهرات التي ستنطلق يوم 30 يونيو والتي تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لن تكون هينة، وإنه يتوقع نزول المواطنين بالملايين إلي الشارع، واسترجع السيسي العديد من المواقف السابقة التي حذرت فيها القوات المسلحة الرئيس مرسي من تجاهل المطالب الجماهيرية، فكان البديل هو استمرار الاحتجاجات وسقوط الشهداء وحدوث حالة من الانقسام لم تشهدها البلاد من قبل.
وتحدث الفريق صدقي صبحي وأكد أن هناك حالة غليان داخل الجيش بسبب موقف الرئيس من الأحداث في سوريا، وما يجري أيضاً علي أرض سيناء.
وقال: 'إن الجيش علي قناعة بأن الرئيس يمنع اتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة الإرهابيين الذين بدأوا يفرضون سيطرتهم علي أرض سيناء'.
وقال الفريق عبد المنعم التراس، قائد قوت الدفاع الجوي: 'إن البلاد تشهد انقساماً لم يحدث في التاريخ، وإن المؤسسات الكبري معرضة للانهيار بسبب إصرار الرئيس علي الاستمرار في سياسته ورفض الاستماع إلي آراء القوي السياسية الأخري بما فيها تحذيرات الجيش'.
وقدم اللواء محمود حجازي مدير المخابرات الحربية في هذا اللقاء استعراضاً مطولاً لتقديرات الموقف الاستراتيجي للأوضاع في البلاد استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة، حيث تناول فيه تطورات الموقف والأزمات المتفاقمة في البلاد وسبل التعامل معها، بهدف الخروج من المأزق الراهن.
وكان أبرز ما تضمنه هذا التقرير:
1- المطالبة فوراً بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة لإدارة المرحلة الحالية ولحين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، علي أن يُعهد لرئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة دون تدخل من الرئيس إلا فيما يتعلق بالوزارات السيادية، وبحيث تلقي الحكومة قبولاً شعبياً.
2- أن يُصدر الرئيس قراراً فورياً بعزل النائب العام 'المعين' المستشار طلعت إبراهيم وأن يعهد لمجلس القضاء الأعلي بترشيح ثلاث شخصيات قضائية مقبولة يختار من بينها الرئيس نائباً عاماً جديداً.
3- أن تشكل لجنة محايدة لإجراء تعديلات دستورية تتوافق عليها القوي الوطنية في البلاد، علي أن يصدر الرئيس قراراً بتجميد العمل بالمواد المرفوضة ويعرض الأمر علي الاستفتاء في فترة زمنية معقولة.
4- أن يوافق الرئيس علي إجراء استفتاء جماهيري علي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتولي لجنة قضائية عليا الإشراف علي هذا الاستفتاء.
واستعرض التقرير الأحوال الأمنية وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وحذر من أن استمرار هذه الحالة من شأنه أن يقود إلي انهيار الدولة ومؤسساتها.
وبعد مناقشات مطولة، كان رد الرئيس مرسي: هذا كلام جيد ومعقول جداً ويستحق الدراسة.
قال الفريق السيسي: لكننا نحتاج إلي إجراءات حاسمة وعاجلة.
قال مرسي: لا بد من دراسة الأمر، وأنا أتابع الموقف جيداً، مصر بخير، والشعب يقدر الشرعية، وأرجو عدم التهويل مما هو متوقع في 30 يونيو.
قال السيسي: الأمر جد خطير، والجيش لن يصمت أمام ما يجري.
قال مرسي: المسألة ليست بهذه الخطورة.. اسمعوا كلامي!! أنا أطلب منكم الاستعداد لاستقبال أفواج من الجيش السوري الحر لتدريبهم علي أرض مصر، الموقف في سوريا خطير وأنا تعهدت بالوقوف مع السوريين حتي إسقاط نظام بشار.
قال السيسي: لقد جئنا لنتحدث عن الوضع الخطير في مصر وسيادتك بدلاً من أن تجد حلاً للأوضاع المتأزمة في البلاد، نجدك تحدثنا عن تدريب الجيش السوري الحر.. يا سيادة الرئيس، الجيش المصري لن يتورط أبداً في التآمر علي سوريا ولن يكون أداة في يد أحد، سوريا هي أمننا القومي وما يجري هناك نحن نعرفه جيداً.. أنا أدعوك مجدداً إلي أن تكون رئيساً لكل المصريين وأن تقف مع شعبك.
قال مرسي: أنا رئيس جئت بصندوق الانتخاب ولن أقبل أبداً بإجراء استفتاء علي شرعيتي، أما بقية المطالب فدعونا ننظر فيها بعد إجراء الانتخابات البرلمانية بعد عدة أشهر.
■ ■
أدرك الفريق أول السيسي أن مرسي مصمم علي موقفه، وأنه لا يريد الاستماع إلي أحد سوي صوت جماعته، فقرر الانصراف ومعه بقية القادة العسكريين، بعد أن فقدوا الأمل في إثناء الرئيس عن عناده وجبروته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.