إعتادت أم جحا أن تضع المذياع المصري الصنع تحت رأسها وهي نائمة ضابطة الأثير علي محطة صوت العرب التي أسسها الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، وبينما هي مستغرقة في نوم عميق هبت فزعة بعد سماعها خبر مفاده أن الإقتصاد المصري يعاني معاناه شديدة، وذلك نتيجة للظروف السياسية التي تمر بها البلاد. خرجت الأم من غرفتها فوجدت إبنها جحا والفرحة تغمر وجهه، فسألته الأم الحزينة علي حال بلادها عن سر هذه الفرحة التي تغمره! الأم: 'بوجه حزين' مالي أراك فرحاً مسروراً يا جحا؟! جحا: 'متعجباً' ومالي أراك حزينة مغمومة يا أماه؟! الأم: 'بعصبية' ويحك يا جحا.. كيف لك أن تكلمني بهذه الطريقة؟ جحا: 'يقبل رأس أمه' أعتذر يا أماه. الأم: أعذرني أنت يا بني فقد تسببت في ضياع فرحتك. جحا: لا عليك يا أماه، ولكن ما سر هذا الحزن العميق الذي يملأ عيناك الجميلتان؟! الأم: 'بأسي' حزينة علي حال إقتصاد بلادنا. جحا: والله يا أماه إن الحل لمشاكلنا الإقتصادية بسيط جداً. الأم: وما هو هذا الحل؟ جحا: الحل يا أماه هو أن تصدر الحكومة أوراق نقدية كثيرة وتقوم بتوزيعها علي المواطنين. الأم: 'بغضب شديد' أهذا هو الحل؟!.. ثقلتك أمك يا جحا.. وإياك أن تردد مثل هذه التفاهات لأي شخص حتي لا تسيء إليُّ ولمكانتي العلمية.. أمك يا جحا أستاذة جامعية في الإقتصاد وتردد مثل هذا الكلام!. جحا: 'متعجباً' وما الخطأ في كلامي؟!.. لولا الأوراق النقدية يا أماه هل كنا نستطيع شراء شيء؟ الأم: يا جحا يا ولدي حل الأزمة الإقتصادية لبلادنا ليس في زيادة الأوراق النقدية في يد المواطنين، وليس في زيادة الحد الأدني للأجور، لأن هذا سيؤدي إلي زيادة نسبة التضخم وزيادة في سعر الصرف. جحا: تضخم وسعر صرف! ماذا تعني هذه الكلمات يا أماه؟ الأم: ليت أم جحا لم تلد جحا.. ألا تعرف معني هذه الكلمات يا جحا؟ ولكن دعني أكمل حديثي عن حل المشكلة الإقتصادية يا جحا.. فالحل أولاً أن تمنع الحكومة أي تظاهرة للإخوان، ثانياً زيادة الإنتاج وتشجيع الصناعة الوطنية. جحا: 'متعجباً' مالي أراك متناقضة مع نفسك يا أماه؟! تنكرين علي الإخوان الحق في تنظيم مظاهرات، وأنت أيام حكمهم كنت تشجعين علي التظاهر!. الأم: يا جحا يا ولدي التظاهر حق مكفول للجميع بشرط سلمية التظاهرات، نعم كنت أخرج في مظاهرات ضد النظام وليس الدولة، وفارق كبير بين النظام والدولة.. كنت أشارك في مظاهرات تندد بسياسة الإخوان، ولكني ما فعلت وما فعل من كان معي من المتظاهرين ما يفعله الإخوان في تظاهراتهم من حرق وسلب ونهب وإرهاب وقطع للطرق.. فشتان بيننا وبين الإخوان يا جحا، كنا نتظاهر بسلمية لأننا كنا نخشي علي هذا البلد، أما الإخوان بممارساتهم هذه فإنهم يريدون حرق البلد، وبالتالي سيؤدي ذلك إلي هروب الإستثمار الأجنبي.. ألم تستمع إلي تصريحات قادتهم في رابعة يا جحا؟!. جحا: أتفق معك في هذا يا أماه، لكن قلت في البداية أن الحد الأدني لن يحل المشكله، وماذا عن الحد الأقصي؟! الأم: تمام يا ولدي يجب علي الحكومة تطبيق الحد الأقصي، لكن تبقي هنا مشكلة وحلها مرهون بمدي وطنية من سيطبق عليهم الحد الأقصي حيث أنه من الممكن أن يترك هؤلاء وظائفهم والبلد في حاجة إليهم ويتوجهوا إلي الخارج الذي سيدفع لهم أكثر. جحا: نعم يا أماه فعلاً مشكلة كبيرة، لكن أي صناعة وطنية نقوم بتشجيعها؟! المستورد أرخص كثيراً من المحلي، فعلي سبيل المثال هذه الملابس الجديدة التي أرتديها مستوردة وخامات عالية الجودة، ومع ذلك زهيدة الثمن بالنسبة للمحلي!. الأم: الآن عرفت سر فرحتك وسعادتك يا أبله، فأنا برئية منك إلي يوم الدين لإقبالك علي المستورد وإعراضك عن المحلي.. ألم تسأل نفسك سؤالاً بسيطاً لاتحتاج إجابته إلي ذكاء وهو لماذا يأتينا المستورد بثمن بخس قد يكون أقل من سعر التكلفة؟!.. وأجابت قائلة: الهدف من هذا هو إغراق السوق والقضاء علي الصناعة الوطنية وعندما يحقق المصدرون هذا الهدف سيعوضون كل هذا ونكتوي بنيران أسعارهم وحينها لن نستطيع أن نعترض، وبالتالي ستضيع عملتنا الصعبة التي نستورد به إحتياجاتنا الاساسية وسترتفع قيمتها أمام الجنيه. جحا: 'يقبل رأس أمه' الآن يا أماه عرفت المقصود من التضخم وزيادة سعر الصرف. الأم: الحمد لله يا جحا.. ولهذا فإني أوصيك يا ولدي وأرجو أن تعلم وصيتي هذه لكل أصدقائك، وهي لكي نبني بلدنا صاحبة الفضل الكبير علينا جميعاً، فيجب علينا تشجيع الصناعة الوطنية، وترشيد الإستهلاك في كل شيء في المياه والكهرباء والطعام والطاقة، فلسنا أقل من المواطن الياباني الذي كان يأكل نصف ما يحتاجه من أجل بناء بلده. جحا: سأعمل بوصيتك يا أماه، وسأضعها حلقة في أذني، وسأعلم بها ليس أصدقائي فحسب، بل وأولادي الصغار أيضاً، لكن يبقي سؤال يا أماه. الأم: وما هو؟ جحا: أنت وضعتي المسؤلية كلها علي المستهلك، فماذا عن بعض رجال الأعمال الجشعين؟ الأم: تمام يا جحا.. الكل عليه دور تجاه هذا البلد، المستهلك عليه دور ورجال الأعمال عليهم دور مهم أيضاً، وهوتقليل هامش الربح مع الأخذ في الإعتبار الجودة العالية حتي يُقبل المستهلك علي المحلي ويُعرض عن المستورد، وبذلك يكون الجميع قد ساهم في بناء بلده. وفي النهاية يستأذن جحا أمه بعد أن قبل رأسها، وقال لها سأخرج الآن أستبدل بضاعتي هذه ببضاعة محلية الصنع كي أساهم في بناء بلدي كي تصبح أفضل بلد في العالم.. فأنا أحب وطني مصر لأنني لأ أملك وطناً غيره. الأم: 'بإبتسامة عريضة' بارك الله فيك يا ولدي.. الآن رضيت عنك.