لا غرابة علي الإطلاق أن يدشن نشطاء الإخوان ومؤيدوهم حملة شباب من أجل التصويت ب'لا' علي التعديلات الدستورية، قبل طرحها للاستفتاء بعد شهرين، ودون وجود منتج حقيقي 'الدستور المعدل ' بين أيدي المصريين للحكم علي فساد أو صلاح عمل لجنة الخمسين لتعديل الدستور أو لمقارنة الدستور الجديد في شكله النهائي بدستوري 71 و2012، ولا غرابة أن نجد انفسنا في خضم معركة قوامها الشائعات واجتزاء التصريحات تقودها مواقع إليكترونية بعينها أو يمررها شريط الأخبار أمام أعين محبي ومتابعي قناة الجزيرة، أخبار وتصريحات يمكن لمن يريد التاكد والوصول إلي حقيقتها أن يقوم بالرجوع إلي أصلها علي لسان أصحابها مباشرة لأنها ببساطة مسجلة علي مختلف المواقع الإليكترونية، لا غرابة في ان يحدث ذلك بالتزامن مع حرب حقيقية يخوضها الجيش المصري ضد الإرهاب في سيناء وفي كل شوارع مصر، حرب تستهدف قنابلها المدنيين والعسكريين علي حد سواء، حرب قوامها الرصاصة إلي جوار الشائعة لاستعادة كرسي الحكم بأي ثمن، لايخوضها الإخوان بمفردهم بل معهم جنود من كل دولة كان لها في الوطن مطمع وفي حدوده ملاذ، حرب تعتمد علي الغفلة لمن لا يريد ان يجهد عقله في التفكير والتأكد من صحة المعلومة لهدم الدولة الوليدة التي تخوض معركة ضخمة يستخدم فيها خصومها كل الأسلحة المتاحة.. وهو ما جعلنا نتوقف أمام شائعات بعينها قمنا برصدها كنموذج علي تلك الحرب، وهو مالا يفوتنا معه أن نؤكد علي عدم تحلي البعض بالمسؤولية في بعض تصريحاتهم التي لنا عليها بعض المآخذ، لكنها في كل الأحوال لن تخرج عن كونها تصريحات فردية، وستكون العبرة في النهاية بما سيتم اتخاذه من قرارات وليس بما يطلق من تصريحات. الخطة: أعلن نشطاء الإخوان عن خطة منظمة من 3 مراحل لتشويه الدستور للوصول إلي التصويت عليه ب'لا'، تبدأ بتدشين صفحات إلكترونية عبر موقع 'فيس بوك'بعنوان 'احمي دستور ثورتك'، لتشويه التعديلات، والشخصيات القائمة عليها، ثم استخدام بعض وسائل الإعلام التابعة للجماعة، للتحذير من كوارث تهدد مدنية الدولة في حال تمرير الدستور، ثم تأتي المرحلة الثالثة المسماة ب 'طرق الأبواب' لإقناع المواطنين برفض التعديلات في الاستفتاء، ولن نستبعد بالطبع دور النساء الجبار في التصويت بلا علي الدستور، ففي انتخابات مجلسي الشعب والشوري في اعقاب ثورة يناير، هن من كن يأخذن العهود بأغلظ الأيمان علي الناخبين بترشيح هذا أو ذاك، وهن اللاتي كن يقفن في طوابير اللجان ليؤكدن ان العلماء والمشايخ هم الذين يعرفون صالح الأمة وهم من يحددون لنا من ننتخبه او لا ننتخبة وبالتاكيد هن من سيؤثرن أيضا هذه المرة، والحقيقة ان الحملة تعتمد بشكل كبير علي التشويه باستخدام تاريخ بعض الأشخاص علي اعتبار انهم 'ضد الدين' أو استخدام بعض التصريحات لأعضاء من لجنة الخمسين أو بعض مسؤولي الدولة للتأكيد علي ان النظام الحالي معاد للإسلام. أما عن الذراع الرئيسة التي تعتمد عليها الخطة فهي مواقع اليكترونية بعينها وصحف في الداخل والخارج وفضائيات أهمها دون شك قناة الجزيرة التي تذهلك وهي تقدم لك عكس المعلومة المؤكدة التي تعرفها او شاهدتها بعينيك، ولعل ليلة واحدة قضاها الناس يتنقلون بينها وبين فضائية مصرية كانت تنقل مايحدث علي باب مسجد الفتح اثناء احداث ميدان رمسيس كانت كفيلة بفهم ماتفعله الجزيرة دون زيادة او نقصان فبينما كنا علي الفضائية المصرية نشاهد فتح مواطن من المختبئين داخل المسجد لطفاية الحريق وماخلفته من دخان كثيف كانت قناة الجزيرة تنقل لنا صرخات من بداخل المسجد متهمين الأمن بأنه ألقي عليهم قنابل الغاز، وبينما كنا نشاهد من بالداخل يلقون المقاعد وغيرها علي الأمن الواقف دون فعل اي شيء بالخارج كنا نشاهد من بالداخل يصرخون ان محاولات اقتحام المسجد تتم الآن، وهي مرة من المرات النادرة لنقل الحدث في نفس التوقيت علي قناة الجزيرة بينما ينقل علي فضائية مصرية. الكذب صنعة: لعل أبرز ماجاء في مجال صناعة الأكاذيب في الأيام القليلة الماضية، مانقلته قناة الجزيرة نقلا عن الدكتور مصطفي حجازي من أنه أكد أن' الإسلام في طريقه إلي الزوال' وهو عنوان لفيديو منشور علي اليوتيوب نقلا عن القناة، وهو خبر دون شك صادم ويضع 'إن صح'الدكتور مصطفي في خندق أعداء الإسلام، بينما من يشاهد الفيديو الحقيقي الذي يتحدث فيه الدكتور مصطفي لبرنامج الحياة اليوم علي قناة الحياة يتأكد ان الرجل يتحدث عن استغلال الإسلام لأغراض سياسية، بل واكد أن الإسلاموية ليست هي الإسلام، وأن تنظيم الإخوان إبن عصر الصناعة الذي نشأت فيه الفاشية والنازية والشيوعية والرأسمالية في تجلياتها المختارة موضحا أنه في ذلك العصر نشأت فكرة تنميط العقل الذي يصبح في حالة عسكرية يسمع ويطيع فقط'إنسان بلا عقل' مؤكدا أنه تنظيم خارج الزمن وان اليمين المتطرف الموجود في كل أنحاء العالم سيخرج صيغا جديدة وسيختفي التنظيم التقليدي وربما تظهر منه صيغا اكثر عنفا كتنظيم القاعدة، نافيا إمكانية أن يبقي هذا التنظيم الذي يدعي أنه في حالة من التعايش مع المجتمع، لأنه حاول أن يتعايش مع المجتمع وعندما وصل إلي لحظة تصور فيها انه ممكنا غلبته سيكولوجيته وراي نفسه 'يا أنا يا الدولة'، مؤكدا أن فكرة الإسلاموية المشابهة لتلك الأفكار التي نشأت في عصر الصناعة في طريقها للزوال بالكلية، بينما الإسلام كفكرة وفكرة ان أحيا حياتي في كنف الإسلام بشكل يقترب من الفكرة الأم التي هي الإسلام نفسه، سيكون لها صيغ جديدة هذه الصيغ ممكن ان تسمي تديين السياسة او منظومة قيمية مصدرها الإسلام وهناك صيغ منها موجودة مثل تلك التي تمارس في حالة مثل ماليزيا وهيحالة ليس اسمها الإسلاموية وانما هي منظومة قيمية تضبط حركتهم وفقا لدين الإسلام متسائلا من قال أن من يريد أن يحيا وفقا لتلك المنظومة سيكون خارج إطار الفهم؟، ومؤكدا أنه ومقدم البرنامج ينتميان للمنظومة القيمية الخاصة بالإسلام، وان الإسلاموية شيء مختلف عن الإسلام, وان الإسلاموية تسمي أحيانا الإسلام السياسي.. والفيديو موجود علي اليوتيوب ولا يطعن نهائيا في الإسلام وانما يطعن فيمن يستغلونه بل ويؤكد فيه الدكتور مصطفي انتمائه لمنظومة قيم الإسلام، ويمكن الرجوع للفيديو علي الرابط، http: //www.youtube.com/watch، feature=player-embedded&v=Bci0LIso--0 وهو مايفضح أساليب تلك القناة في اثارة البلبلة والشبهات حول رموز الدولة والتأكيد علي أكاذيب من شأنها إقناع الجميع ببعدهم عن الدين بل ومعاداتهم للدين وهو مايستدعي رفض واستعداء كامل للدولة الوليدة بكل رموزها. الخبر الثاني الذي كان أيضا لافتا كان من تصريحات للمخرج خالد يوسف في اجتماع للمثقفين بالمجلس الأعلي للثقافة وهو الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام الموالية لتنظيم الإخوان بأشكال مختلفة كلها تصب في اتجاه واحد خلاصته' في تأكيد جديد علي المخاوف من أفكار وتوجهات عدد من أعضاء لجنة تعديل الدستور التي شكلتها الحكومة المؤقتة, أعلن المخرج اليساري خالد يوسف أحد الأعضاء باللجنة, أن مصر ليست جزءا من الأمة الإسلامية, علي حد وصفه' هذا بالطبع إضافة إلي تحقيقات ومناقشات وتصريحات نشطاء حول الموضوع، والتصريح الذي ادلي به المخرج خالد يوسف صحيح مائة بالمائة، وهو يعبر عن رأيه الذي أفاض في شرحه في الفيديو مؤكدا أن 'أي أمة أو القوميات لها مقومات، منها، نظرية الأمن الواحدة، وحدة اللغة، وحدة الجغرافيا، والتاريخ، وليس من بينها الدين، فالدين يخلق تجمعات قائمة علي الهوية، وتابع: لم نجد أحدًا يطلق علي الولاياتالمتحدة، او أوروبا الأمة المسيحية رغم ديانتهما المسيحية'، وهو رأي رآه الرجل لا يعني علي الإطلاق ان تقره لجنة الخمسين أو ترفضه، بدليل ان نفس المخرج اليساري هو من صرح علي فضائية صدي البلد أن الاقتراب من المادة الثانية في الدستور خط أحمر، مؤكدا أن هذه المادة صارت جزءا من الوجدان المصري والشعب استقر عليها، مضيفا لابد أن يسعي الجميع لوحدة هذه الأمة وليس تفتيت الشعب، مؤكدا أن الشعب المصري خرج في 30 يونيو علي من تاجروا بالدين واصفا إياه بأنه شعب واع يؤمن الدعوة الإسلامية من الشطط والانحراف ويطالب دوما بالوسطية، فالرجل إذن يطرح وجهة نظر مأخوذ بها في دول اخري لا تحدد في دساتيرها الانتماء الديني أو العرقي ومع ذلك يشدد علي ان الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وهو نص المادة الثانية من الدستور، وهو مايعني دون شك ان هناك من يريد الحجر علي الأفكار ومن يريد تشويه التصريحات لتحقيق أهداف تخريبية. وبالمثل يمكن رصد شائعات مماثلة حول لقاء البابا تواضروس والزعم بأنه أصرعلي تعديل المادة الثالثة من الدستور التي تنص 'مباديء شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية' بزعم أن البابا طالب بأن تصبح المادة 'مباديء شراع المصريين من غير المسلمين' دون تحديد الدين، وهو ما أظهر البابا بمظهر المدافع عن أصحاب الملل التي لاتنتمي للديانات السماوية وكأن مصر بها هندوس مثلا أو غير ذلك من العقائد، وهو اتهام كان سيبني عليه بالضرورة اتهام أكبر للبابا وسيفسر علي انه إضاعة لمصر ولهويتها والمساهمة في تقنين وجود عقائد منحرفة أو فاسدة في مصر والهدف من كل ذلك لايخرج عن اشعال مزيد من الفتن والتأكيد علي محاربة الإسلام في مصر، لولا نفي صريح وواضح من السيد عمرو موسي رئيس لجنة الخمسين الذي اكد أن البابا لم يطلب أي تعديل في المادة الثالثة من الدستور. حكمة غائبة وكما كان علينا ان نناقش كيف يتم تشويه التصريحات وتحويلها إلي اكاذيب لخلق حالة من الرفض والاستياء تجاه الرموز ستنعكس في النهائية علي رفض كل ما ستأتي به تلك الرموز أوعلي الأقل اتخاذ موقف سلبي من التصويت علي الدستور دون مناقشته بموضوعية حقيقية، ينبغي ايضا ألا نتجاهل الأخطاء التي ترتكب فتسهل مهام اصحاب الأغراض وتفتح أبواب تصديق الأكاذيب وتتسبب في تعثر الدولة ليس فقط وسط الحرائق التي يشعلها معارضوها علي الأرض وإنما ايضا باستقطاب مزيد من المعارضين بتصريحات لمسؤولين تفتقر للحكمة، وهي منطقة خطرة تشعل فتنا تمس أمننا القومي ولا تحتمل الاستخفاف أو الإفصاح عن كل مايجول بالخواطر، ويتجلي ذلك في تصريحات كاتب كبير تم نشر فيديو له يؤكد فيه ان تشكيل لجنة الخمسين يضمن حسم بعض القضايا مثل رفض نشأة الأحزاب علي أساس ديني مؤكدا أن هذا التشكيل يضمن التوافق علي ماستقرره اللجنة بنسبة تصل إلي 80 بالمائة، أخطر مافي هذا الفيديو ليس ما تداولته المواقع الموالية للإخوان من تعمد تشكيل اللجنة علي هذا النحو، ومايمثله ذلك من عوار إضافة إلي خلوها من الأقباط خلاف ممثلي الكنيسة، لكن المشكلة تكمن في تأكيد الكاتب الكبير أن اللجنة بها 'ناس مايعلم بيهم إلا ربنا ' في إشارة إلي تيار ديني ممثل في اللجنة، وهي تصريحات غير مسؤولة جملة وتفصيلا، فمهما كان رأي الكاتب في هؤلاء ومهما كان رأينا كمواطنين فيما اتخذه هؤلاء من مواقف إلا ان اللحظات الفارقة والمسؤولية الملقاة علي عاتق الجميع تستلزم حكمة أكبر دون شك، فبكفينا ما أصاب الوطن من كل هذا الطابور الطويل من المزيفين والكذابين والمغرضين.