جلال دويدار ليس من مجال لإنكار أننا نواجه أزمة ذات طابع سياسي تدعو إلي القلق. إنها ولاجدال تدور حول استئثار مجلس الشعب الذي تسيطر عليه جماعتا الإخوان المسلمين والنور بتشكيل اللجنة التأسيسية التي ستقوم بوضع دستور كل المصريين. هذه الخطوة التي تتسم بالتسلط تعكس نزعة الاحتكار من جانب هاتين الجبهتين علي المقدرات الوطنية. ان من سمح بهذه الحلقة المأساوية يتحمل وحده المسئولية الكاملة في فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الفوضي والصدام. هذه التداعيات تعود بدايتها إلي السقطة الكارثية في اختيار لجنة الدستور المؤقت ذات الاتجاه المعين وهو ما كان ظاهرا ومكشوفا للجميع. السقطة الثانية بدت جلية وواضحة عند ممارسة اللجنة لأعمالها في إعداد الإعلان الدستوري والاستفتاء عليه بما يخالف كل الأعراف والقواعد القانونية والدستورية.. كانت بداية الأخطاء بهذه اللجنة الاقرار بأن تكون انتخابات مجلسي الشعب والشوري أولا وليس الدستور الذي هو الأساس الذي تقوم عليه كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية ومنها هذان المجلسان بالاضافة إلي رئيس الجمهورية نفسه. وجاءت السقطة الثالثة في تعمد وضع المادة رقم 06 في الإعلان الدستوري بصورة غامضة.. مبهمة.. فضفاضة.. تسمح بالجنوح لما حدث من لغط وخلاف في عملية اختيار أعضاء لجنة إعداد الدستور الدائم. تركز الهدف في ضمان أن تكون أغلبيتها ممثلة للتيار المعين بما يتيح له ممارسة كل أنواع الخداع وتجهيز المسرح للسيطرة والهيمنة بما في ذلك تشكيل لجنة الدستور وفقا لما كان متفقا عليه ومخططا له منذ البداية في اطار سياسة المرحلية. لم يكن خافيا انه كان هناك هدف محدد ومعلوم مسبقا عندما تقرر أن تكون انتخابات مجلسي الشعب والشوري قبل إعداد الدستور وبأسرع وقت ممكن. تم تبرير ذلك بالضغوط التي مارستها ثورة 52 يناير بسرعة تسليم السلطة للمدنيين!! بدلا من السير في التسلسل الطبيعي بالبدء فورا في انتخابات اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور. اعتمدوا في هذه الاستراتيجية علي عوار الاعلان الدستوري المتفق عليه والذي يسمح بذلك. وضعوا في الاعتبار ان جهازية الإخوان والنور من خلال تنظيماتهم لهذه الانتخابات. ساعدهم علي ذلك نجاحهم في ركوب الثورة واقصاء الذين قاموا بها. ليس من تفسير لسير الأمور بهذا الشكل سوي انه كان هناك توافق وتواطؤ من جانب الجهة التي أسندت إليها مهمة إدارة شئون الوطن بعد سقوط النظام السابق. بعد هذه السقطات المتعمدة اكتشفت هذه الجهة وقوعها تحت رحمة الإخوان الذين فرضوا عليها كل ما يريدون وهو ما تجلي بصورة واضحة فيما شهدته اللجان التي تم تشكيلها من أجل تحقيق التوافق السياسي. ظهرت هذه الحقيقة بصورة واضحة عندما فكرت الجهة التي أعنيها وهي المجلس الأعلي للقوات المسلحة في تدارك سقطاتها المفضوحة والسعي لانقاذ ماء الوجه وصورتها الوطنية. تمثل تحركها في تكليف الدكتور علي السلمي بإعداد وثيقة المواد الحاكمة للدستور بهدف عمل التوازن الذي أصبح مفقودا!! ولكن الأمر انتهي ونتيجة لاستفحال نفوذ وهيمنة جماعة الإخوان إلي تقويض أعمال هذا التكليف بل طي صفحته باستقالة وزارة الدكتور عصام شرف وبالتالي الدكتور علي السلمي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء. إن ما حدث يتعارض مع إمكانية تغيير الأغلبية في أي انتخابات قادمة وفقا لمبدأ تداول السلطة وبالتالي كان ذلك سيؤدي إلي تغيير الدستور.. ان عدم توقع ذلك يعني ان الاخوان خططوا للبقاء الأبدي في السلطة أي أننا نتحرك إلي مرحلة استنساخ جديد للحزب الوطني!!.