إن ما يثير الدهشة حقا هو هذا الجدل العقيم الذي يتم تداوله في أجهزة الاعلام وفي الاوساط التي احترفت السياسة أخيرا فيما يتعلق بربط اسم السلمي أحد اعضاء حكومة الدكتور شرف بوثيقة المبادئ الدستورية الحاكمة. ان هذا الذي يجري سلبا وإيجابا حول هذا الربط بالحديث عن هذه الوثيقة أمر يتسم بالجهل سواء كان متعمدا أو غير متعمد. ليس خافيا ان الدكتور السلمي لا علاقة له بهذه الوثيقة سوي أنه قد تم تكليفه بتسويقها والترويج لها. كل الدلائل تشير الي أن جوهر وفكر مضمونها والهدف من وراء اصدارها من الامور التي ينطبق عليها المثل العامي الذي يقول: »ودنك منين ياجحا«.. حيث من المعروف أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة المنوط به ادارة شئون الدولة المصرية حتي تسلم مقاليدها للسلطة المدنية المنتخبة.. هو صاحب فكرة هذه الوثيقة. هنا يثور السؤال.. ولماذا يقدم المجلس علي هذه التعديلات وكانت امامه فرصة تضمنيها في الاستفتاء الدستوري. خاصة وأن الافكار التي احتوتها تعد من المبادئ الدستورية العامة التي لا يخلو منها أي دستور؟! الجواب أن المجلس قد وقع في خطأ جسيم عندما أعطي الضوء الاخضر للجنة التي اعدت الاستفتاء رغم ما أحاط بها من شبهة تحيز لاتجاه بعينه. في إطار هذا التوجه تم الاقرار بأن تكون انتخابات مجلسي الشعب والشوري اولا ثم يليها اختيار الجمعية التأسسية التي تضع الدستور ثم تجري بعد ذلك الانتخابات الرئاسية. نعم.. تم التورط في هذا الخطأ رغم تحذيرات علماء القانون الدستوري من خطورة الاخذ بهذا المنطق المقلوب حيث كان الاجراء الطبيعي تشكيل لجنة تأسيسية ممثلة لكل قوي الشعب تتولي اعداد الدستور الجديد باعتباره الاساس السليم والطبيعي لبناء الدولة الديمقراطية المصرية. ان هذا الدستور ومبادئه وفق ما يتم الاتفاق عليه.. كان سيحدد الاسس التي تتم علي أساسها انتخابات مجلسي الشعب والشوري وكذلك انتخاب الرئيس وتحديد سلطاته. ان الدافع وراء تبني المجلس الاعلي للقوات المسلحة لمشروع وثيقة المواد الحاكمة في الدستور الجديد هو احساسه بأنه خدع وتورط بموافقته المتسرعة علي السير قدما في اجراءات الاستفتاء الدستوري. كان واضحا منذ البداية أن جماعة الأخوان المسلمين كانت تقف وراء هذا التدبير. لقد ظهر جليا أنها نجحت في ركوب موجة ثورة 52 يناير وتسخيرها لخدمة اهدافها. لهذه الاسباب جندت الجماعة كل قواها واطلقت تهديداتها الداعية الي رفض ما جاء في هذه الوثيقة التي اعتبرتها من مكتسباتها. حدث ذلك رغم أن أهم ما جاء في البند الرئيسي للوثيقة مضمون المادة الثانية في الدستور الملغي والتي تؤكد ان مصر دولة اسلامية وان الدين الاسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع. ولقطع الطريق علي المعترضين علي الوثيقة فيما يتعلق بموازنة القوات المسلحة فإنه وابداء لحسن النية تقرر تعديلها ليتولي شأنها مجلس الدفاع الوطني. أنه وبعد أن اتضح أنه لا توجد بالوثيقة اي مواد تستحق هذه الضجة المثارة حيث انها متوافقة تماما مع المبادئ الدستورية المعمول بها في كل دساتير الدول الديمقراطية يعود التساؤل عن الاسباب وراء الاعتراض عليها خاصة من جانب التحالف الذي تقوده جماعة الاخوان المسلمين. كل الحقائق تؤكد ان غضب الاخوان المسلمين انما يعود اساسا الي حرمان مجلس الشعب الذي تعتقد انها سوف تسيطر عليه ومن حقه تشكيل لجنة الدستور . لقد كانت تعتمد علي المميزات المتوافرة لها دون غيرها لتحقيق هذه السيطرة خاصة فيما يتعلق بعامل قصر الوقت حيث لن تكون هناك فرصة امام المنافسين للاستعداد. لهذا السبب ونظرا لصدمة المفاجأة التي لم تكن في حسابها فقد اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين والسائرين في ركابها من أجل الحصول علي الفتات المتبقي منها. ان ما حدث هو بمثابة تحول أدي الي افشال مفعول الانقلاب الذي خططت له. انهم لا يريدون أن يقتنعوا بأن المجلس العسكري أراد بهذه الوثيقة تعديل المسار في عملية بناء الدولة المصرية المدنية الحديثة نحو الاتجاه الصحيح وبما يتفق مع رأي غالبية الشعب المصري. لاجدال انه قد هال هذه الاغلبية ما وصل اليه حال الوطن وما ينتظره من مستقبل غامض يدفع به الي سيطرة تيار بعينه يزيد من الاعتقاد بأنه سيكون بديلا للحزب الوطني »وكأنك يا أبوزيد ما غزيت«.. ان هذا يعني في رأيه من أنهم يرون أن هذا التعديل سوف يتيح الفرصة لابتلاع الجماعة لثورة 52 يناير ومبادئها الداعية الي الاصلاح والتغيير. بعد هذا التحليل أرجو ان اكون قد وفقت أن أوضح ان وثيقة المبادئ الدستورية ليست وثيقة السلمي وانما هي وثيقة المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي اراد اصلاح خطأ وقع فيه. المهم الآن هو ان يتمسك المجلس بموقفه وبوثيقته وعدم الخضوع للتهديد والابتزاز. لابد ان يكون علي ثقة بأن الشعب كله وراء كل ما يحقق سلامة المسيرة الديمقراطية ويرفض تسليم أموره لأي جهة تسعي الي الانفراد بالسلطة والهيمنة والتسلط علي مقدراته.