صدمة وإحباط شديدان أصابا الشارع المصري بعد القرار الذي صدر بالسماح بسفر الامريكيين والأجانب المتهمين في قضية اختراق السيادة المصرية من خلال التدخل بالتمويل غير المشروع وغير القانوني في أنشطة سياسية.. وإذا كان ما حدث قد هز وجدان جماهير الشعب فإن من حق القضاة ورجال القانون وعلي ضوء مبادئ استقلالية القضاء أن ينظروا إلي هذا الاجراء باعتباره طعنة ضد السيادة المصرية قبل ان يكون ضد استقلالية القضاء. ليس من وصف لعملية السماح بسفر هؤلاء الامريكيين الذين كانوا يعيشون داخل السفارة الامريكية رافضين المثول امام المحكمة سوي أنها.. »تطليع لسان للسيادة المصرية« بما يؤكد الاستهانة وعدم الخضوع للقانون رغم وجود جريمة تم ارتكابها ومازالت منظورة أمام القضاء. لقد كان من الممكن ان يصدر القضاء اذا ما رأي قرارا بعدم القبض علي هؤلاء الامريكيين مع منع سفرهم حتي يتم البت في تهمتهم الكبيرة القائمة علي الضرب عرض الحائط بالسيادة المصرية وبالقوانين المصرية. ان عدوانهم لم يقتصر علي تقديم المال غير المشروع ولكن شمل ايضا اقامة جمعيات وتنظيمات داخل الارض المصرية دون اتخاذ الإجراءات القانونية بما يعني ان مصر اصبحت »سداح مداح« بالنسبة لهم. لا توصيف لهذه المسرحية سوي ان الامريكيين الذين يتحدثون عن العدالة وسيادة القانون وحقوق الانسان والديمقراطية الحرة استكبروا خضوع رعاياهم لهذه المباديء وممارسة مصر لسيادتها. من المؤكد ان ما حدث ما كان يمكن ان تقبل به الولاياتالمتحدة لو ان الامر تعلق بقوانينها وسيادتها وأمنها. إنني مع القضاة ورجال القانون قلبا وقالبا في ثورتهم وغضبهم علي هذا التجاوز الذي استهدف كرامة وسيادة مصر. هنا لابد ان اتذكر العبارة التي قالها الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء عندما قال في مناسبتين احداهما في مؤتمر صحفي والأخري في مجلس الشعب تعليقا علي الضغوط الامريكية »مصر لم ولن تركع«!!. إن ما جري يؤكد ركوع مصر وتهاونها ليس في كرامتها وسيادتها فحسب ولكن في توقيع شيك علي بياض بحق أمريكا في التدخل في شئوننا الداخلية والعمل حتي لو كان بغرض نشر الفوضي ودفعنا الي حالة الضياع الذي نحن فيه الآن. لقد استطاعت واشنطن من خلال الاستجابة المهينة لضغوطها وتدخلاتها في هذه القضية- المتهمة فيها أجهزتها- أن تثير فتنة جديدة بمصر تضاف إلي العديد من الفتن الأخري. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماهو السر وراء هذه الصفقة الشائنة التي تتسم برائحة كريهة؟! لا يمكن ان تكون هذه الخطوة قد تمت بدون حالة من التوافق السياسي بين المسئولين عن ادارة شئون البلاد حاليا سواء من الناحيتين التشريعية أو التنفيذية. هل كان الهدف الحصول علي هذه الكفالة التي لا تساوي شيئا. حتي يصدر هذا القرار الغريب والذي يمس سيادة وكرامة مصر واستقلال قضائها. وما هو موقف محمد كامل عمرو وزير الخارجية الذي أعلن عدة مرات في مواجهة الضغوط الدبلوماسية الامريكية ان القضية في يد القضاء وان لا أحد يمكن ان يتدخل!! وفي مواجهة الاتهام بالتواطؤ يتعمد الإخوان المسلمون المسيطرون علي المقدرات التشريعية والسياسية في البلاد الاعلان عن براءتهم من هذا الفعل المشين؟!! لا جدال ان التحية مستحقة للقاضيين اللذين توليا مهمة التحقيق في القضية وهما المستشاران سامح ابوزيد واشرف العشماوي وكذلك هيئة المحكمة التي تولت نظر هذه القضية في جلستها الاولي برئاسة المستشار محمد محمود شكري. ليس من مبرر لهذا الاجراء من جانبهم سوي ان القضية أصبح لا معني لها بعد التدخل بالافراج عن المتهمين بعد ضجة التحقيق الذي كان يدور حول تهمة تتعلق بالامن القومي المصري. هنا وبعد سفر المتهمين الامريكيين باعتبارهم العنصر الرئيسي في القضية يثور التساؤل عن موقف ومصير العناصر المصرية المتهمة بل ومصير القضية نفسها؟ ليس هناك ما يقال سوي أن ما جري ماهو الا جزء من المسلسل المأساوي الذي تعيشه مصر وهو ما يدفعنا الي ان نرفع صوتنا قائلين »لا حول ولا قوة الا بالله«.