دائما ما يحيط نفسه بمجموعة من الاسلاك الشائكة منعا لدخول الصحفيين إليه لذا ستجده لاي واحد منهم إذا ما سأله: هل تقطن حي الزمالك؟! سيرد قائلا: بل داخل ثكنة عسكرية »ممنوع الاقتراب او التصوير«!.. تطلبه بالتليفون فيرد عليك ويرحب بك ثم يعتذر اذا ما طلبت منه اجراء اي حوار معه حتي ولو كان للمرة المائة!.. تلح عليه اذا ما حاولت بعد المرة المائة فيوافق مشترطا عليك ان تكون »القعدة« ليس لها اي صلة بالنشر.. إذا ما الفائدة؟!... محمد عبدالوهاب كما يخاف البرد والزكام يخاف ايضا من الحديث عن حياته الخاصة الا لعدد قليل من الصحفيين لا يتعدي اصابع اليد الواحدة سبق لهم الكتابة عنه ومنحهم من ثقته بلغة ارقام الشهادات الدراسية عشرة من عشرة.. ولذلك كثيرا ما فشلت في ان ألتقي به فأنا من ضمن الصحفيين الذين لا يثق عبدالوهاب في نشر ما يميلهم عليه من اجوبة- وقد اعترف لي بذلك استاذي الراحل رجاء النقاش.. وكان رئيسا لتحرير »الكواكب« التي كنت اعمل بها أيامها- وذلك لشقاوة قلمي وطول لساني وجرأتي.. معني هذا انه رافض تماما.. إذن ما المانع في ان اعرف كل شيء عنه- وكنا نعد العدة لاصدار عدد خاص عنه عام 0791- وذلك عن طريق آخر.. طريق أنجاله »تم تم« و»أش أش« و»فت فت« و»احمد« و»حمادة« وأيضا حفيدته زينب »7 سنوات أيامها« تلك التي تأكل نصف احرف كلمات الاجابة عند نطقها!... كانت الفكرة جيدة صفق لها كل من كان في اجتماع التحرير... قالت عن والدها والكلام ل »تم تم«.. بابا هاديء في البيت كما نسمة عصاري طرية في ليلة شديدة القيظ!.. »وكأنها اجابة لمصطفي المنفلوطي عندما سألته عن رأيه في عبدالوهاب« احيانا يتحول هذا الهدوء الي »زمجرة« او »زعبوبة« مثل »زعابيب« شهر أمشير اذا ما دخلت عليه حجرته دون استئذان وهو يلحن مثلا!.. أنيق جدا في ملبسه وكأنه »مانيكان« ايضا دائما ما تجده يساير الموضة خطوة بخطوة بالرغم من انه لايزال محتفظا بذلك الطربوش القديم الذي كان يرتديه من ايام »رصاصة في القلب«!.. في البيت يفضل ارتداء البيجاما والسير حافيا ووضع رجليه في »الشبشب« فقط عند دخوله الحمام!.. ابن بلد في جلساته الأنتيم مع اصدقائه المقربين وكثيرا ما يتكلم بأسلوبهم اسلوب مأمون الشناوي ومحمود السعدني وجليل البنداري ومحمد تبارك اذا ما كانوا في زيارته!.. نسيت ان اقول لك ان »بابا« اصلا من باب الشعرية!.. قالت عن والدها والكلام علي لسان »اش اش« بابا متحدث لبق وابن نكتة »ذهب لزيارة اسرة صديق له اشتهرت بتربية القطط والكلاب معها في البيت فاستغرب طابع الهدوء الذي شاهده عليهما معا رغم ما هو معروف من عداء بين القطط والكلاب فقال موجها كلامه لصاحب البيت وعائلته: غريبة يا اخي!.. اول مرة اشوف كلاب عايشة مع قطط«!.. والنكتة تحتاج لمن يفهم مغزي القصد حتي يضحك!.. قال »أحمد« رأيه في والده وجميع ما قاله كانت كلمة »دائما« ما تسبق الاجابة!.. دائما ما يأخذ رأيي في أي لحن جديد »ايه رأيك يا احمد مش »كويث« برضة؟! يتحول حرف ال »سين« علي لسان عبدالوهاب عند الكلام الي حرف ال »ثاء«!.. دائما يحب الاطمئنان علي خط سير المذاكرة بالنسبة لي ولجميع اشقائي واحيانا بخفة ظل كان يسألني عن حال »زيد« وهل يا تري مازال يضرب »عمرو« ام تصالحا محاولا السخرية من سؤال شهير في دروس قواعد اللغة العربية يطالب باعراب جملة »زيد ضرب عمرو«!.. دائما يخاف ركوب الطائرة والاسانسير والزكام »دخلت حجرته للاطمئنان عليه وكنت ساعتها مصابا بالبرد وقبل ان امد له يدي بالسلام خرجت غصبا عني »عطسة« من انفي ففوجئت به يجري من امامي محتميا ب »اللحاف« الذي غطي به كل جسمه وهو يردد: اخرج قوام يا ولد.. مش عاوزك تطمئن عليّ ولا عاوز اعرفك!.. والكلام مع »حمادة«. والدي كثيرا ما كان يفضل الجلوس معي ليحكي لي عن تجاربه العاطفية التي عاشها في شبابه »عارفك طالع لابوك شقي علشان كده باحكي لك«!.. نسيت ان اقول لك انه »أكول« جدا يفضل الطواجن »بامية او كباب حلة« و»فتة« الخل بالثوم وعلي وجهها اللحم المسلوق بجوار طبق الطرشي الحراق الذي كان يأتي به سيد اسماعيل زوج المطربة عايدة الشاعر من حي بين الصورين خصيصا!.. والكلام مع »زينب« حفيدته.. بعد جهد في محاولة للنطق استطعت ان افهم ما نطقت به جدو عبدالوهاب »حو« تقصد »حلو« »اتاني خمسة ساغ« تقصد »اعطاني خمسة صاغ« علشان أشتري »سيكولاتة« تقصد شيكولاتة!.. انا باحب »جدو« قد كده واشارت الي دولاب بجوارها باعتباره اكبر حجما من الكرسي الذي امامها!.. موسيقارنا الجميل الراحل.. في ذكري ميلادك نتذكرك وأعيد- بالمناسبة- ذلك الحوار الذي سبق نشره وقمت بإجرائه مع انجالك.. حتي لا تتهمنا بالجحود أو بأنه قد »هان الود« علينا وتناسينا ذكراك!..