وقد وصل الأمر لرفع دعوي قضائية لإلزام الأزهر ودار الإفتاء والكنيسة بإصدار فتوي شرعية تحدد الشخص الذي يستحق أن يطلق عليه لقب شهيد ولمحاولة تحديد من هو الشهيد، تستطلع الأخبار رأيي علماء الدين في البداية.. يقول الدكتور محمد الشحات الجندي. عضو مجمع البحوث الإسلامية: لقد وجدنا في هذا المشهد طوائف متعددة من أبناء المجتمع المصري عبرت عن نفسها بطريقة تتوافق مع الحق في التعبير السلمي وتحقيق المطالب المشروعة لثورة 52 يناير، لكن وجد في ذات المشهد والمشاهد التي سبقته في أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود أشخاص آخرون لهم مآرب خبيثة ونوايا غادرة أسفرت عن مآس لحقت بالوطن وألحقت خسائر فادحة في جنود مصر سواء في التضحية بأرواح غالية يحتاجها الوطن، أو في إحراق التراث العلمي كما حدث في المجمع العلمي المصري، والإتلاف المتعمد للممتلكات العامة كما حدث لهيئة الطرق والكباري.. وأدت إلي اشتباكات دامية راح ضحيتها أفراد منهم المحق في مطلبه وفي الهدف الذي يسعي إليه، ومنهم المبطل الذي يريد الشر بهذا الوطن وتدمير ثرواته وإرجاعه إلي الوراء والإيقاع بين الشعب والجيش وإجهاض مسيرة ثورة 52 يناير في تحرير شعب وإنهاء حقبة من الفساد والظلم كانت بحق خصماً من رصيد الوطن. وفي ضوء ذلك لا يجوز التعميم في الحكم وإطلاق لفظ الشهيد علي كل من راح ضحية لهذا الحدث المأساوي الذي خسرت بسببه مصر من دماء أبنائها ومن استقرار شعبها ومن ممتلكاتها الكثير الذي يصعب تعويضه. لذلك فإن هؤلاء الأشخاص الذين شاركوا في هذه الأحداث الجسام تختلف وضعيتهم تبعاً لمعتقدهم ونواياهم في هذه المواجهات. فمن خرج وشارك في هذه التظاهرات قياماً بحق مصر واستهدف من وجوده هناك نصرة مسيرة الوطن واستمراراً للمطالب العادلة وحرصاً علي مسيرة الحرية والديمقراطية والعدالة في البلاد ولقي حتفه فيها، فهو شهيد. ومن خرج من أجل إغوائه للآخرين بالمال أو بحافز من الحوافز لتقويض المسيرة وإحداث الفوضي وإشاعة عدم الاستقرار في البلاد فلا يمكن أن يطلق عليه وصف الشهيد، بل إنه يوصف بأنه معتد وباغ. وهناك فريق ثالث خرج مغرراً به مثل الصبية والأحداث الصغار.. وهناك وآخرون ممن لم يتبينوا حقيقة الأمر، وشاركوا في الاشتباكات وراحوا ضحية لذلك لكنهم لم يقصدوا التخريب والعدوان وإنما اعتقدوا بسبب مزاعم خاطئة أنهم يدافعون عن الثورة فهؤلاء حسابهم عند الله، لكن لا يوصفون بكونهم شهداء ولا معتدين. وأما الفريق الذي تعمد الإحراق والتدمير وتنفيذ المخططات الخبيثة، فإنهم معتد أثيم وأشبه بالمحارب الذي ارتكب جريمة الحرابة وهو حد من حدود الله سيحاسبه عليه إذا قتل فحسابه عند الله كبير جزاء وفاقاً علي عدوانه وتخريبه وتدميره لأموال عامة تمثل حق الله سبحانه وتعالي فضلاً عن بثه الرعب والضرر بالمجتمع وبالوطن. وينبغي أن نلفت النظر بأنه لا يجوز إلقاء اللوم والخطأ علي فريق بعينه وإنما كل من شارك في الاعتداء وأزهق روحاً إنسانية بريئة أو لم يمنع حدوث الحريق والتدمير مع قدرته علي ذلك فإنه يكون مداناً قانوناً ومذنباً شرعاً يستحق العقاب، سواء كان من المدنيين أو العسكريين، تطبيقاً للمبدأ الإسلامي في قوله تعالي »كل نفس بما كسبت رهينة«.. وفي كل الأحوال فإن علي كل طرف سواء كان المجلس العسكري أو الحكومة أو الأحزاب أو الفلول من الخونة للوطن أو حتي الثوار أن يكف الجميع عن المواجهات الدامية ويعلموا أن الله سيحاسبهم علي تجاوزاتهم وإضرارهم بمصالح البلاد والعباد ولن تنسي الأجيال هذا الصنيع المؤذي الذي يجر البلاد للخلف، وفي ذات الوقت فلا يجوز منع من يمارس حق التعبير السلمي والتظاهر المشروع متي كان لا يعطل مصلحة في المجتمع ولا يعوق المرور ولا يتلف أيا من الممتلكات العامة أو الخاصة.أما بالنسبة للأطفال والصبية فالمسئول عنهم أهل الحل والعقد. لابد من إيداعهم في مؤسسات خاصة للتربية والأخلاق والدين ونأخذ بأيديهم ليعرفوا الحق من الباطل. ويوجه د. الجندي كلمة للمعتصمين بقوله: »علي المعتصمين طالما يجدون استجابة لأهدافهم ويجدون أن هناك إناسا مخلصين يعملون لتقف الدولة علي أقدامها وليسترد الاقتصاد عافيته يجب أن نعطيهم فرصة للبناء والتعمير وفتح أبواب الرزق للفقراء.. ولنعطي هدنة لاستعادة السياحة والاستثمار وتهيئة الأجواء للبلاد لاستعادة أنفاسها. ويوضح الشيخ عيد عبدالحميد المشرف العام علي الجامع الأزهر أن النبي صلي الله عليه وسلم يقول »إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي«.فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد.. وهذه الأعمال منوطة بالنية، فقد خرج النبي صلي الله عليه وسلم بجيش فلما كانوا في الصحراء قال لأصحابه »إن بالمدينة أقواماً ماسرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم في الأجر، حبسهم العذر«. ويضيف: في ميدان التحرير والعباسية والاسكندرية، نعلم أن هناك إناسا يخرجون علي مختلف نياتهم، فمن خرج من أجل إظهار الحق وهو لا يريد بخروجه إلا الحق فهو شهيد، مشيراً إلي أنه في موقعة صفين حينما كان القتال بين علي كرم الله وجهه وبين معاوية وحدثت مقتلة عظيمة بين الطرفين فصلي سيدنا علي علي الجميع ولم يكفر العدو. فلما سئل هل هؤلاء شهداء؟ قال كرم الله وجهه »من خرج يقاتل وهو لا يريد بقتاله إلا الحق فهو شهيد«. ويضيف الشيخ عيد: ومن خرج للتخريب والتدمير والهلاك يعتبر مخربا ومنحرفا عن جادة الصواب وينطبق عليه باب الحرابة. حيث يقول سبحانه وتعالي »إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا، أن يُقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض«. ذلك لأنهم خرجوا لسفك الدماء والتدمير للمنشآت العامة والخاصة للمواطنين وهناك من يخرج من أجل إظهار المنكر وللتكسب من حرام فهؤلاء يجب علينا أن نضرب علي أيديهم وأن نعزرهم ونحبسهم. وتوضح دار الإفتاء أن الشهيد ثلاثة أنواع: شهيد الدنيا والآخرة، شهيد الدنيا فقط، شهيد الآخرة فقط: فالأول: من قاتل لإعلاء كلمة الله تعالي فمات في قتال الكفار بسببه، سواء أقتله كافر مطلقاً أم مسلم خطأ، أم عاد سلاحه إليه، أم سقط عن آلة حربه ونحو ذلك. وهذا حكمه أنه لا يُغسل ولا يُصلي عليه، ويكفن في ثياب شهادته. والثاني: هو من قاتل الكفار للغنيمة مثلاً، وهذا حكمه أيضاً أنه لا يُغسل ولا يُصلي عليه، ويدفن في ثياب موته. والثالث: حكمه حكم غير الشهيد: يُغسل ويُكفن ويُصلي عليه، وأقسامه كثيرة، منها: الميتة في الطلق، والميت غريقاً، أو هديماً، أو حريقاً، أو غريباً، والمقتول ظلماً ولو هيئة، كأن استحق شخص حز رقبته فقده نصفين، والميت بالبطن »كالكبد الوبائي مثلاً«، أو في زمن الطاعون ولو بغيره »ومثله الإيدز مثلاً« لكن كان صابراً محتسباً، والميت في طلب العلم ولو علي فراشه. وقتل النفس التي حرم الله تعالي قتلها بغير حق من أعظم الكبائر وأشد الشنائع، فإن الله تعالي يقول: في محكم كتابه: »من قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما« النساء39،