أصولي صعيدية من أسيوط ودرست الهندسة قبل الطيران المدني لم تمنعها نعومة أظافرها من تحقيق حلمها أن تفرد ذراعيها وتحلق عاليًا، داعبها حلم الطيران منذ الصغر، وشغل ذهنها في مرحلة الصبا، تحقق علي أرض الواقع حينما انتهت من دراسة كلية الهندسة، لتمضي في طريقها وتحلق عاليًا بطائرتها لتشق بها عنان السماء، وتجاور بها السحاب.. لم يكن لأحد أن يتوقع أن تكون أول مدربة طيران علي طائرة ركاب مصرية من أصول صعيدية، وسبق ذلك بأن تكون ثالث سيدة مصرية تتولي مركز القيادة علي الطائرة.. نهي عبد الرحمن إبراهيم ربما يكون اسما غير معروف لكثيرين لكنها حققت انجازًا كبيرًا جعلها نموذجًا ناجحًا للمرأة العربية وليست المصرية فقط، التقت » الأخبار » معها داخل منزلها لتتحدث عن الأسرة والمنزل وأحلام الطفولة التي قادتها للنجاح. • في البداية.. حدثينا عن نشأتك ومتي بدأ حبك للطيران؟ - أبي من أصول صعيدية، ولد في مركز البداري قرية كوم سعدة بمحافظة أسيوط، وبدأ حبي للطيران منذ الصغر في سن الرابعة، واكتشفت ذلك عندما أتي لأخي الأصغر لعبة طائرة، وأنا بالتأكيد عروسة، إلا أنني قررت استبدالها معه، ووافق أخي علي ذلك خاصة أن العروسة كانت أجمل. أيضًا عندما كنت طفلة كانوا يسألون ماذا تحبين أن تفعلي كنت أقول.. أحب أن »أفرد جناحي» وأحلق في الهواء، ودائمًا ما كنت أحب مشاهدة الطيور وهي تطير والأفلام التي بها طيران ، اقتنيت صور الطائرات وعندما ذهبت لمعرض الكتاب كنت أشتري الكتب الخاصة بالطيران الذي استطاع أن يجذبني لذلك قررت أن أتعلمه. ولماذا درستِ الهندسة أولا بدلًا من الطيران؟ كنت أحب الرياضة، ووالدي كان يعرف بحبي للطيران، ولكنه صمم علي دراستي للهندسة أولا قبل أن أتعلم الطيران، كان متخيلًا أن الطيران قد يمنعني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي، لذلك درست الهندسة قسم ميكانيكا باور، وآخر سنة كنت أريد التحويل لقسم هندسة الطيران، ولكن القسم وقتها كان مغلقًا، انتهيت من دراسة الهندسة سألت نفسي ماذا أريد أن أفعل الآن! فكانت الإجابة أن أكون طيارًا، لذلك ذهبت لدراسة الطيران بعد انتهائي من الهندسة. مطار إمبابة كيف بدأت رحلتك مع الطيران؟ تعلمت في معهد الطيران وكان في مطار إمبابة بهذا التوقيت، ودفعتي كانت أول دفعة تطير في مطار أسيوط، وحينها ذهبت لمسقط رأس والدي ورأيت العائلة وكان شيئًا رائعًا، ووالدي حرص علي التواجد معي، وبعد الانتهاء من دراسة الطيران حصلت علي فرصة عمل بإحدي شركات الطيران المصرية، في ديسمبر 1995 بدأت علي »طراز إيرباص 600»، قمت بالتحليق عاليًا بالطائرات حوالي عامين ونصف، ثم أخذت أجازة وضع، عدت للعمل، ترقيت للعمل علي »إيرباص 340»، في عام 2005 أصبحت كابتن طيار علي إيرباص 320، ثم مدرب »سميوليتر» عام 2016، إلي أن أصبحت الآن مدربا علي طائرة ركاب. هل وجدتي صعوبة كونك الفتاة الوحيدة في دفعتك؟ دفعتي رقم 21 بالأكاديمية وكنت البنت الوحيدة فيها، سبقني في الدراسة بالأكاديمية بنتين كابتن دينا الصاوي، وقد هاجرت إلي فرنسا؛ وكابتن نيفين درويش وهي الآن كابتن علي الطائرة العملاقة إيرباص 380 ولذلك كنت ثالث فتاة تتخرج من الأكاديمية. فريق العمل ما هي عوامل نجاحك ؟ أتعامل مع الطائرة علي أنها صالون المنزل والركاب ضيوفي، الطيران فريق عمل، والقائد لا يستطيع إنجاح رحلة بمفرده، ولكن هناك فريق عمل متعاونٌ بدأ من أمين الشرطة الموجود علي باب المطار، نجاح الرحلة يبدأ من بوابة المطار وأسلوب أطراف المنظومة مع المسافرين، هذا التعاون يكون من أجل نجاح الرحلة، وكلمة فريق تعني نحن مع بعض نستطيع تقديم أفضل خدمة، بخلاف العمل المفرد.. أيضا نجاح أي عمل يتوقف علي مدي حب القائم عليه وتقديره وإخلاصه لهذا العمل وقدرته علي الإبداع والتميز وتحقيق الذات بعيدًا عن المقابل المادي، وضرورة إعطاء العمل حقه بغض النظر عن مجاله وطبيعته، وبمنأي عن مقولة »علي أد فلوسهم» من أجل تحقيق الرخاء والتنمية. من وجهة نظرك.. كيف تثبت المرأة وجودها في عمل وسط الرجال؟ المرأة تفرض أسلوب التعامل مع من حولها وهي من تجبر الآخرين علي احترامها، وذلك من خلال تركيزها في عملها واجتهادها فيه، ومع الوقت بدأ الجميع علي التعود علي وجود المرأة في المهنة. القرار السليم كيف وجدت مرحلة التدريب في حياتك العملية وما مواصفات المدرب الناجح؟ مهمة التدريب أمانة ورسالة تتطلب مؤهلات ومواصفات خاصة تتعلق بقدرة المدرب علي توصيل المعلومة بأسلوبٍ راقٍ وبشكلٍ محترمٍ دون تعالٍ أو تفاخرٍ علي المتدرب ، والمدرب الناجح لا بد أن تتوافر فيه القدرة علي اكتشاف الأخطاء وسرعة تلافيها، والتدريب يتطلب البحث عن المعلومة والتفكير في اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب. ما مدي إجادة المصريين في مجال الطيران؟ الطيارون المصريون معروفون بالمهارة ولهم سمعه طيبة في هذا المجال عالميا، وأيضا نحن معروفون بالهبوط السلس، وتصل إلينا الانطباعات مباشرة من الركاب أن الرحلة كانت ممتعة وقد يأتي ركاب لأخذ صور تذكارية معنا مثلا ، والركاب أصبح لديهم الآن ثقافة عن مهنة الطيران عن الوقت السابق. بماذا تنصحين الطيارين الشباب كمدربة في المجال؟ - أنصح الطيارين الشباب بضرورة بذل الجهد والتضحية من أجل الإنجاز والوصول إلي الهدف مع عدم وضع حد للطموح، الطيران مهنة تتطلب التركيز والاطلاع علي كل ما هو جديد في ظل التطورات والمتغيرات المتلاحقة عالميا علي هذا المجال الحيوي. كيف تجدين المنافسة بين المطارات المصرية مقارنة بالمطارات التي تزورينها ؟ - لدينا في مصر مطارات جيدة، لكننا ننسي بسرعة ولا نتذكر كيف كنا وأين أصبحنا، هناك تطور كبير في البنية التحتية للمطارات وتطوير علي كل الأصعدة في الطيران المدني المصري، ولدينا كوادر عالية جدًا، والمجال في مصر متطور وهناك خطط عظيمة تنتهجها الدولة من أجل هذا. قلق ثم ثقة ما هي أولي رحلاتك كقائد أو مساعد ؟ أول رحلة عندما كنت كابتن كانت إلي الأقصر، وأول رحلة وأنا مساعد كانت إلي شرم الشيخ. كيف كانت انطباعات ركاب الطائرة عنك ؟ - بدأت العمل عام 1995 كان الركاب العرب خاصة يكونون قلقين بعض الشيئ ، وعندما تصل الرحلة يأتون لإلقاء التحية والشكر، وذلك لأن ثقافة وجود سيدة طيار لم تكن موجودة ، الركاب الأجانب كانوا يستغربون كوني مصرية مسلمة ومن بلد عربي وكانوا يسألون عن هذه الأشياء كثيرا لأن فكرتهم عن العرب أنهم لا يسمحون للمرأة بالعمل ودائما ما كان يقال لي هل أنت مصرية أم لديك جذور أجنبية، كنت أقول أنا مصرية من أعماق الصعيد ولكن في نهاية الرحلة أجد الجميع سعيدين بكونهم سافروا مع سيدة. ما أصعب موقف تعرضت له علي الطائرة؟ - كنت في رحلة إلي بيلون »بلد بالدنمارك» والطقس كان سيئًا جدًا، وكان لدينا ساعة واحدة فقط لرحلة العودة والجو يزداد سوءًا، وكنا نريد العودة قبل أن تسوء الأحوال الجوية أكثر، ولكن عندما أقلعنا ولم نكد نصل إلي ارتفاع 10 آلاف قدم وجدت رئيسة طاقم الضيافة تخبرني بوجود راكب مريض في حالة إغماء يجب نقله إلي مستشفي فورا، حينها قررت العودة مرة أخري للمطار لإنقاذه وفور وصولنا كانت في انتظاره سيارة الإسعاف التي نقلته إلي المستشفي، وحرصت زوجته علي البقاء معه في حين فضلت شقيقتها وزوجها استكمال الرحلة إلي شرم الشيخ، وعند الوصول إلي شرم الشيخ أخذت رقم زوجة الراكب المريض من أختها للاطمئنان عليه ، وأكدت لي أنه كان يعاني من جلطة في المخ ودخل غرفة العمليات فور وصولة للمستشفي، وقالت إنه إذا لم يصل في هذا التوقيت كان قد فقد حياته. الآن حدثينا عن أطرف موقف تعرضت له؟ كنت في رحلة للغردقة وكان هناك راكبٌ كبير السن أراد مقابلتي بعد الرحلة ، نظر إلي وقال: »عمري في حياتي لم أقبل أن أركب سيارة تقودها سيدة، وعلي آخر أيامي أركب طائرة الكابتن فيها سيدة»، وأكمل الرجل» لكن أنا سعيد وأرغب في أن أكون معك في العودة». زوج متفاهم ماذاعن أسرتك وزوجك وكيف قدموا لك الدعم؟ أسرتي يقومون بدعمي منذ البداية، حتي تخرجت وعملت في مجال الطيران ثم تزوجت، زوجي يعمل مهندسا مدنيا ومنذ البداية صارحته بكوني لا أستطيع العيش بدون طيران، لأنه يجري في دمي منذ الصغر ولست من الفتيات التي قد تترك عملها بعد الزواج وتتفرغ للمنزل، ولن أستطيع أن أتحمل وضعًا مثل ذلك، ووجدت زوجي متفهما لما أقول وتقبل عملي في مجال الطيران. في النهاية.. ماذا تفعلين عندما تحصلين علي إجازة ولا يوجد لديك رحلات؟ - أقوم بالطبخ، فانا أحب الطبخ جدا، وأحب أن أطبخ تحديدا محشي ورق عنب، فأحب أن أطبخ بنفسي لزوجي ولأولادي.