سيظل الجرح ينزف لوقت طويل، وستظل الحاجة لتضميد الجراح هي الأولوية الأولي لنا جميعا، وسيظل الخطر محدقا بنا، ولكن لابد أن نكون واثقين بقدرتنا علي تجاوز الأزمة لسبب واحد وحيد.. هو هذا الشعب العظيم الذي يثبت مرة أخري أنه أقوي من المحنة وأنه قادر في لحظات الخطر علي استدعاء حكمة آلاف السنين لتهديه إلي الموقف الذي يحمي الوطن ويحبط التآمر ويمنع الكارثة. أعرف أننا مازلنا في قلب الأزمة، وأن دماء ضحايانا لم تبرد.. ولن تبرد قبل أن نصل للحقيقة ونحقق القصاص، ولكن هذا لا ينبغي أن يمنعنا من أن ننحني اجلالا لشعب رفض في لحظة حاسمة أن تتحول الأزمة إلي حرب تشعل الوطن، وأن تمضي الكارثة إلي ما يتمناه أعداء الوطن فتصبح أحداث »ماسبيرو« هي البداية للانهيار الكامل للدولة. لم تكن صدمة المأساة وشلال الدم في »ماسبيرو« فقط هو ما نواجهه ومازلنا، ولكن كان أمامنا أيضا مناخ من الشحن الطائفي غير المسبوق، وحكومة عاجزة، ومعارضة أكثر عجزا، وتليفزيونات تقوم بالتحريض، وبلطجية يملأون الشوارع، وسلاح يباع علي الأرصفة، وأمن طال غيابه لتتمكن القوي المعادية للثورة من الانقضاض عليها. في مواجهة ذلك كله، كان ملايين المصريين يحبسون الحزن في الصدور، ويكتمون الدم النازف من قلوبهم، ويدركون أن انقاذ الوطن هو المهمة الأولي، وأن وحدتهم في مواجهة الكارثة هي الأساس. لم ينتظر أحد بيان رئيس الحكومة الهزيل، ولا بيانات بعض القوي السياسية المشغولة فقط بصناديق الانتخابات، ولم يتوقف الناس كثيرا عند حملات التحريض أو فتاوي الفتنة.. بل أدرك الجميع هول ما يدبر للوطن، وكان القرار هو التصدي للفتنة ومنع انهيار الدولة. ولاشك أن الحزن كان ومايزال يملأ القلوب، ولكن الشعب العظيم منع اكتمال الكارثة ورفض الانجرار إلي الحروب الداخلية. وإذا كانت مهمتنا الأولي الآن هي تضميد الجراح، فإن ذلك لا ينسينا أبدا أن الوطن مازال في خطر، وأن الأوضاع بعدما حدث لا يمكن أن تدار بنفس الإدارة البائسة التي أوصلتنا إلي ما نحن فيه.. ليس بمثل هذا الارتباك، وليس بمثل هذه الحكومة، وليس بعدم الحسم واهدار القانون، وليس بالخضوع لأصوات التطرف هنا أو هناك، وليس بالتلكؤ مرة أخري في اصدار التعديلات الدستورية لاقرار دولة المواطنة الكاملة التي تغلق الطريق الذي أراد البعض أن يبدأ من ماسبيرو، وينتهي إلي الفوضي وضياع الوطن! جلال عارف