لا اعرف كيف ستكون الاوضاع وانت تقرأ هذه الكلمات، ولكني اعرف جيدا ان غد مصر سيكون بالقطع أفضل، وأن قدرة شعبها العظيم علي تخطي المحن وعبور الأزمات ستظل بلا حدود، وان الايام الصعبة التي عشناها هي »البشارة« بأن إرادة الحياة لابد ان تنتصر، وأن الجهلة الذين لم يقرأوا التاريخ ولم يعرفوا شعب مصر هم وحدهم الذين راهنوا علي أنه لن يتحرك، وأنه - حتي لو تحرك - فإن حركته لن تتجاوز الخطوط التي حددوها ولن تفتح الابواب التي اغلقوها بإحكام شديد!! علي مدي سنوات، كانت الدعوات للاصلاح تتوالي ولا من مجيب، وكانت النداءات تتعاقب وهي تستصرخ كل الضمائر حتي تتوقف الجرائم التي ترتكب بحق مصر. ومع ذلك كان هناك اصرار - من الجانب الآخر- علي الاستمرار في طريق نهب ثروات الوطن ونشر الفساد، وفي استئثار فئة قليلة بكل شئ وترك الغالبية العظمي من ابناء الوطن تعاني الفقر والبطالة والتعليم السيئ والعلاج بالحديد والزرنيخ (حديد عز وزرنيخ الدواء الفاسد!!) وفي ضرب كل محاولات الاصلاح السياسي و»الابداع« في تزوير ارادة الشعب لمصلحة حزب الفساد وضد مصالح الشعب والدولة والنظام. ولينعكس كل ذلك تراجعا في مكانة مصر وتهديدا لأمنها القومي واحساسا بالعار عندما تري مستقبل الوطن يتحكم فيه أمثال السيد احمد عز ليورثوا شباب مصر الفقر والبطالة والكرامة المجروحة! ولو سألت أحجار المباني أو اسفلت الشوارع قبل الاحداث الاخيرة لاخبرتك بعمق مشاعر الغضب والاحباط عند الناس وخاصة شباب مصر الذي يمثل الغالبية الكبري من المواطنين ويقاسي - أكثر من غيره - من آثار البطالة والفقر وتدني الاجور وفقدان الأمل، وحدهم طغمة الفاسدين المفسدين كانت تتعامي عما يحدث، وكانت تواصل طريقها لنهب ما تبقي في عروق مصر من دماء دون ان تضع أي حسابات لتحرك المعذبين في الارض. وقبل ايام فقط من الاحداث الاخيرة كان البعض يطالبنا بالاستعداد ل »قرارات اقتصادية صعبة« أي لتحمل اعباء جديدة من رفع الأسعار وإلغاء الدعم في وقت كانت المطالبة بوضع حد لمكاسب المحتكرين لسلع أساسية مثل الحديد والأسمنت والسكر تعتبر عيباً في الذات الرأسمالية وكانت المطالبة بفرض ضرائب تصاعدية علي الارباح الخرافية للمحتكرين تعتبر رجساً من عمل الشيطان!. انفجر بركان الغضب، وتحمل الشباب مسئولياتهم، وكان المشهد راقيا ومتحضرا، وكان القانون حاضرا، ثم توالت الاخطاء.. تعامل البعض مع ما يجري باستخفاف، وغاب الحوار مع متظاهرين يرفعون مطالب مشروعة، وغابت الدولة لأيام، وعندما بدأ المخربون في الظهور وأصبحت الحاجة ضرورية للمنقذ الوحيد من الانجرار لحالة الفوضي وهو جيش مصر العظيم، كان وجه آخر للتآمر علي الوطن يظهر، وكانت قوات الشرطة التي نزل الجيش »لمساعدتها« في إقرار النظام تختفي في ظروف غامضة، وكانت السجون تقتحم لترمي في الشوارع بعشرات الألوف من المجرمين، وكان هناك من وضع رهانه الأخير اليائس علي جعل الظروف مستحيلة امام جيش مصر أو جره للصدام مع المواطنين. وقد شاء الله ان يخيب رهانهم القذر، وان تكون المحنة فرصة جديدة لتأكيد التلاحم بين جيش مصر بكل تاريخه الوطني، وبين الشعب العظيم الذي يظهر - في أوقات المحنة - أعظم ما يختزنه من قيم حضارية رفيعة. ومن هنا نبدأ .. رغم كل الخسائر الفادحة التي تسبب فيها من قادونا الي هذه الازمة الخطيرة، والذين لا ينبغي ابداً ان يفلتوا من الحساب علي جرائمهم في حق الوطن. من هنا نبدأ.. مع جيل من الشباب تم تجاهلهم، وتعامل الكل معهم باستخفاف، وظنوا انهم بعيدون عن هموم الوطن، فإذا بهم في لحظة الحقيقة يقلبون كل الحسابات، ويثبتون - بصدقهم وبراءتهم ووعيهم - أن زمانهم قادم وان انتصارهم لارادة التغيير ولقيم الحرية والعدل هو الذي سيحسم الأمر، وانه لا أحد - بعد الآن - يملك الوصاية عليهم أو يتوهم انه قادر علي مصادرة احلامهم المشروعة في وطن يبنونه بالعلم والعمل، ويحققون فيه العدل والحرية، ويستأصلون منه الفساد، ويفتحون فيه كل طاقات الأمل ويفجرون كل طاقات العمل والانتاج والابداع لدي المواطنين بلا تمييز ولا نهب ولا استئثار القلة الفاسدة بخيرات الوطن الذي يملك كل امكانيات التقدم والازدهار وفي مقدمتها ملايين الشباب الذين خرجوا يفرضون التغيير ويطلبون العدل والحرية. الباب الآخر للأمل يأتي مع امتلاك مصر لهذا الجيش المؤمن بدوره الوطني والذي كان علي الدوام في مقدمة قوي التقدم والحرية والاستقلال منذ ان دخل ابناء الفلاحين الي صفوفه بعد ان كان حكرا علي الأرناؤوط والألبان والاتراك والمماليك. هذا الجيش العظيم الذي انحاز للشعب في كل معاركه والذي كان طليعة الثورة العرابية، والذي رفض كل محاولات وضعه في خدمة الملكية الفاسدة ليفجر في 32 يوليو 25 واحدة من أعظم ثورات العصر، والذي اجتاز بفضل دعم الشعب واحتضانه له آثار هزيمة 76 ليثأر منها في حرب الكرامة عام 37 . والذي رفض ان يطلق رصاصة علي المواطنين في كل الازمات من 77 وحتي الآن. والذي يثبت اليوم ايضا انه ليس فقط الحارس الأمين لحدود الوطن، بل هو الحارس لاستقرار هذا الوطن وأمنه وسعيه الدائم للاصلاح وللتقدم. واذا كانت مؤامرة الايام الماضية لخلق حالة من الفوضي والدفع نحو صدام كارثي بين الجيش والمواطنين قد فشلت والحمد لله، فإن علينا ان ندرك ان المؤامرات في هذا الاتجاه لن تتوقف، والحرص من جانب كل الاطراف الوطنية لافشال هذه المؤامرات لابد ان يستمر، وعلي الذين يلوكون أحاديث أكل الدهر عليها وشرب عن »حكم العسكر« ان يدركوا ما أدركه شعب مصر العظيم علي مدي السنين من ان جيش مصر هو جزء أصيل من الحركة الوطنية فيها، وان مكانه كان دائما في مقدمة الحركة الوطنية، وانه ليس طالب سلطة بل عامل استقرار يمنع الانجرار نحو الفوضي، ويخلق الظروف الملائمة لتحقيق المطالب الشعبية المشروعة الي واقع تستحقه مصر وتملك كل مقوماته. وما يدعو للأمل ايضا هذا التوافق الوطني العام علي برنامج التغيير والاصلاح. بالطبع ستكون هناك اختلافات حول ترتيب الاولويات وحول معدلات السرعة في تنفيذ المطالب الشعبية المشروعة. ولكن لم يعد هناك خلاف حول الحاجة الي اصلاح دستوري شامل وحول نظام جديد للانتخابات يضمن نزاهتها ويضمن تمثيلها الحقيقي للقوي المختلفة. ولم يعد هناك خلاف حول فترة انتقالية يتم خلالها اصدار التعديلات الدستورية من خلال هيئة تمثل كل الفئات والتيارات السياسية، ولم يعد هناك خلاف حول الحاجة لسياسات اقتصادية واجتماعية جديدة لا تنحاز للأثرياء فقط ولا تنتج هذا الكم من الفقر ومن البطالة كما فعلت سياسات تم التمسك بها لسنوات اعتماداً علي تحالف مرفوض بين المال والسلطة علي حساب الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب. ولم يعد هناك خلاف علي شن حرب شاملة علي الفساد والمفسدين، وينبغي هنا ان يكون واضحا انه لا مجال للحديث بمنطق »عفا الله عما سلف«.. فما سلف كان نهباً منظما لثروات الدولة، وكان استغلالاً للنفوذ لتحقيق ثروات هائلة بلا جهد حقيقي وكان تخريبا متعمدا للصناعة الوطنية لمصلحة السماسرة وعصابات الاستيراد التي جعلت من مصر مستودعا لزبالة البضاعة الاجنبية وللغذاء الفاسد والمنتهي الصلاحية.. وكلها جرائم لابد من المحاسبة عليها، والقصاص من الذين لم يكتفوا بالنهب والسرقة بل كانوا السبب في ابتلاء المصريين بالمواد المسرطنة، والذين أخذوا مياه الشرب ليرووا بها ملاعب الجولف بينما آلاف القري تبحث عن جرعة ماء نظيفة. إن ما تم نهبه دون وجه حق لابد أن يعود، وما تم ارتكابه من جرائم في حق الوطن لا يمكن التسامح فيها، فهي التي قادتنا الي الأزمة وتركت البلاد علي حافة الفوضي لولا وعي الشعب ووطنية جيش مصر العظيم. ان مرحلة تاريخية هامة تبدأ، ومصر في مفترق الطرق، ولكنها - بإذن الله - قادرة علي اتمام العبور الثاني العظيم نحو الحرية والعدالة الاجتماعية واستئصال الفساد وبناء القواعد الراسخة للدولة الحديثة. مصر - بجيشها وشعبها - قادرة علي ضرب كل محاولات التخريب وإشاعة الفوضي، لتبدأ مع استعادة الاستقرار مهمة الاصلاح الشامل. ومصر - بجيشها وشعبها - قادرة علي صد كل محاولات التدخل الاجنبي في شئونها ليظل القرار قرارها. ومصر قادرة علي حماية تحركها نحو الغد الافضل من كل محاولات التعطيل أو ركوب الموجة أو من عصابات الخائفين من العدل المذعورين من استعادة الشعب لحقوقه. مصر في مفترق الطرق، ولكنها تملك اليقين بأن الغد - رغم كل الآلام والتضحيات - سيكون أفضل وأجمل.. واسلمي يا مصر. نقلا عن جريدة الأخبار المصرية