نفّذ المرءوس الذي أصبح رئيساً ما كان ملتزماً به حرفياً. فقبل شهور عديدة من انتهاء فترة رئاسته البلاد، فاجأ الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف خلال كلمة ألقاها، منذ أيام، في المؤتمر السنوي لحزب روسياالمتحدة الحاكم الذي يرأسه بوتين بإعلان رغبته في عدم خوض الانتخابات الرئاسية في مارس 2012 علي عكس رأي أنصاره في الداخل والخارج الذين كانوا يحثونه علي تمديد رئاسته لفترة ثانية. لم يكتف مدفيديف بذلك، وإنما أضاف طبقاً لالتزامه القديم مع من انتشله من المجهول ودفع به لرئاسة الجمهورية معربا عن عميق اقتناعه المطلق بأن فلاديمير بوتين هوالشخص المناسب تماماً لتولي منصب رئاسة البلاد، مؤكداً في الوقت نفسه أنه أي ديمتري مدفيديف توصل إلي هذا الاقتراح ليس عن هوي وإنما بعد أن درسه بعناية واستفاضة شديدتين (..). رغم أن معظم المحللين والسياسيين كانوا علي علم بالسيناريوالجهنمي الذي رسمه بوتين قبيل انتهاء فترة ولايته الثانية والأخيرة عودة بوتين إلي الكرملين، بعد انتهاء ولاية مدفيديف، كما سبق أن رددوا وأشاعوا خلال السنوات القليلة الماضية إلاّ أنهم صدموا فيما أعلنه مدفيديف، بالأمس، أمام 11 ألف عضو تم حشدهم في أضخم مؤتمر سنوي للحزب الحاكم. ربما جاءت المفاجأة لأن كشفها بلسان مدفيديف جاء مبكراً أكثر من اللازم. أو ربما جاءت كما نقلت الزميلة صحيفة »الحياة« اللندنية مؤشراً إلي أن ثنائي الحكم بوتين ومدفيديف قرر [قطع الطريق علي احتمالات استخدام التباينات التي ظهرت خلال الشهور الأخيرة بين فريقي الرجلين، خصوصاً مع إقبال البلاد علي استحقاقين انتخابيين مهمين]. وعودة إلي السيناريو الجهنمي الذي خططه بوتين وأشرف علي تنفيذه خطوة بعد أخري يذكرنا بالخطوة الأولي التي تمت، بعد فترة قصيرة من »تعيين« مدفيديف رئيساً صورياً للجمهورية، بموافقة البرلمان الروسي: أو موافقة أغلبيته الساحقة علي مشروع القانون الذي تقدم به مدفيديف ويقضي بتعديل مادة في الدستور يرفع فترة الرئاسة من أربع سنوات إلي ست سنوات، وهو نفس التعديل الذي سبق المطالبة به قبيل انتهاء الفترة الرئاسية الثانية والأخيرة للرئيس السابق وتباهي بوتين آنذاك برفضه أن يذكره التاريخ بأنه الرئيس الذي سعي إلي المساس بالدستور بهدف استمراره في منصبه! الخطوة الثانية للسيناريو تبلورت في »اقتراح« الرئيس الحالي ديمتري مدفيديف أمام 11 ألف عضوحزبي بترشيح فلاديمير بوتين لرئاسة الجمهورية كأنسب خلف لأفضل سلف، ليتابع العالم بعده لعبة »الكراسي الموسيقية« في أخبث ممارساتها. أما الخطوة الثالثة فقد خطاها فلاديمير بوتين عندما أمسك بالميكروفون ليعلق علي اقتراح تلميذه وربيبه معرباً عن عظيم تقديره للشرف الذي منحه مدفيديف له. وترجم بوتين تقديره العظيم باقتراح مماثل دعا فيه مؤتمر الحزب إلي أن الرئيس الحالي ديمتري مدفيديف سيكون الأنسب والأقدر والأصلح لتولي رئاسة وتشكيل الحكومة الروسية فور الانتهاء من الانتخابات الرئاسية في مارس من العام القادم. وبرر بوتين الرئيس الذي لا رئيس قادما غيره صلاحية مدفيديف لرئاسة الوزراء بأنه القادر علي تشكيل فريق شاب وحيوي لمواصلة برامج التحديث والبناء، مما يعني أن بوتين وافق علي اقتراح خوضه معركة الانتخابات الرئاسية المضمونة لصالحه مسبقاً ونيته المعلنة قبل الهنا بسنة بتكليف الرئيس الروسي الحالي بتولي رئاسة الحكومة القادمة!