صمم فلاديمير بوتين علي عدم المساس بالدستور لمجرد تمديد رئاسته لفترة ثالثة، مؤكداً أنه ليس الشخص الذي يطالب بإجراء تعديل دستوري ليكون أول من يحظي بتنفيذه. البعض أعجبه آنذاك شفافية رئيس البلاد الذي تعفف عن السعي إلي نيل موافقة الأغلبية البرلمانية علي تعديل دستوري بسيط، وسهل، حتي لا يوصمه التاريخ بأنه مسّ الدستور من أجل الاستمرار في منصبه، لكن ما فعله بعد ذلك كان صدمة لهؤلاء البسطاء! قبيل انتهاء فترة الرئاسة الثانية والأخيرة اختار بوتين من يخلفه في رئاسة روسيا، وكان »ديمتري ميدفيديف« الذي اختاره منذ فترة للعمل إلي جانبه في »الكرملين«، ثم عينه نائباً لرئيس الوزراء، وبالتالي فإنه أفضل من يحافظ علي استمرارية حكم بوتين بعد انتهاء رئاسته. استند بوتين إلي الأغلبية البرلمانية الساحقة التي يحظي حزبه الحاكم بها في تمرير ترشيح تلميذه وصفيه ميدفيديف، لرئاسة روسيا. ليس هذا فقط.. بل أبدي بوتين استعداده لشغل وظيفة رئيس الوزراء ليصبح الرئيس السابق مرءوساً صورياً للرئيس القادم! وهو ما وافق عليه ميدفيديف مسبقاً واعترافاً بالفضل. الصورة آنذاك كانت غريبة. الرئيس القوي بوتين لم يجد حرجاً في شغل وظيفة رئيس الوزراء، ولا تضرراً من العمل تحت رئاسة من جاء به من المجهول ثم قربه، ودربه، وروضه، ليدفع به فجأة إلي تولي رئاسة الجمهورية! وسرعان ما اتضحت الصورة الحقيقية. فالمرءوس ظل رئيساً فعلياً. والرئيس لم يقل أو يفعل شيئاً إلا بعد توجيهات المرءوس، سواء في مهامه الداخلية أو علاقاته الدولية الخارجية. وازدادت الصورة وضوحاً عندما تأكد للجميع أن رئيس روسيا السابق ورئيس الحكومة الحالي لم يتخل يوماً واحداً عن رئاسة البلاد في كل كبيرة، أو حتي صغيرة، نسبت كذباً إلي الرئيس الصوري: ديمتري ميدفيديف! القرار الخطير والوحيد الذي حرص فلاديمير بوتين علي إخلاء مسئوليته عنه من قريب أو بعيد وتحميلها بالكامل علي الرئيس الصوري ميدفيديف، كان قرار تعديل مادة في الدستور يرفع فترة الرئاسة من أربع سنوات إلي ست سنوات، وهو نفس التعديل الذي سبق المطالبة به قبيل انتهاء الفترة الرئاسية الثانية والأخيرة للرئيس السابق وتباهي بوتين آنذاك برفضه أن يذكره التاريخ بأنه الرئيس الذي سعي إلي المساس بالدستور بهدف استمراره في منصبه! وعلي الرغم من تنصل بوتين من هذا القرار إلاّ أن الرئيس ديمتري ميدفيديف صمم عليه، وحظي بتمريره عبر موافقة أصوات الأغلبية البرلمانية التي يمثلها الحزب الحاكم الذي يرأسه بوتين! و يعلق آلكسي مالاشينكو أحد المحللين في مركز كارنيجي بموسكو في مقال بثته الصحيفة الإلكترونية الروسية:gazeta. ru قال فيه إن كل ما سبق وجري كان سعياً إلي هذا الهدف الذي لم يكن خافياً علي كثيرين. فالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي كانت تهتم، وتركز، علي كل ما يقوله أو يفعله رئيس وزراء روسيا بوتين وليس الرئيس الروسي الصوري: ميدفيديف. .. وللحديث بقية.